في أول فيلم لها، "إلى سَما" (2019)، تلتقط السورية وعد الخطيب نبض الحياة اليومية في ظلّ القصف الأسدي الروسي اليومي، المركّز على حلب وناسها، وتحديدا على المشافي، إمعانا في معاقبة الثائرين ضد البطش والقمع والتغييب. فيلم غير مُدّع وغير متصنّع، لانهماك الخطيب بتسجيل يوميات عاملين وعاملات في المشفى، ومُصابين ياتون إليه أملا في النجاة. تروي وقائع عبر صُور تلتقطها يوميا، وتذهب إلى خصوصية حياتها، فتُسجِّل زواجها من الدكتور حمزة الخطيب، ثم إنجابها ابنتها الأولى سَما.
يُقدَّم الفيلم في برنامج "عروض خاصة"، في الدورة الـ72 (14 ـ 25 مايو/ أيار 2019) لمهرجان "كانّ" السينمائي، قبل بدء رحلته في مدن وعروض تجارية ومهرجانات، آخرها "مهرجان أمستردام الدولي للأفلام الوثائقية"، المعروض في برنامج "أفضل المهرجانات"، في دورته الـ32 (20 نوفمبر/ تشرين الثاني ـ 1 ديسمبر/ كانون الأول 2019).
في أمستردام، التقت "العربي الجديد" مخرجة "إلى سَما" في حوار عن الفيلم والحياة والأمل والمواجهة والتحدّي والسينما.
أودّ أولا أن أسألك عن العنوان العربيّ لفيلمك For Sama.
كلّ واحد يُترجمه على هواه. هناك من يعتمد "إلى سَما" أو "لسَما"، وهناك من يستخدم تعبير "من أجل سَما". لا يوجد عنوان عربي ثابت. أنتَ تعلم أنّ التعبيرين ("إلى" و"من أجل") يختلف أحدهما عن الآخر. شخصيًا، أميل إلى عنوان "إلى سَما". أشعر أنّه أقرب إليّ.
بعد مشاهدتي إياه، شعرتُ أنّ تصويرك الفيلم منطلقٌ من حسّ عاطفي انفعالي، بسبب ولادة ابنتك الأولى سَما. لكن، هل كانت هناك تراكمات سابقة على الولادة أفضت إلى التصوير؟
لم يكن التصوير عاطفيا. أو ربما يُمكن وصفه بالعاطفيّ، لكن بطريقة أخرى، أي إزاء بلدي، وإزاء ما يحدث فيها، وإزاء الناس الذين يواجهون ويتحدّون. بدأتُ أصوِّر مع بدايات الثورة السورية عام 2011. هناك 20 عاما من حياتي مرّت لم أكن أشعر خلالها بأني موجودة. ثم فجأة، اندلعت الثورة، وصارت لنا مساحة، راحت تتّسع يوما تلو آخر. مساحة تُتيح لنا أن نكون موجودين وفاعلين.
النظام السوري، مع بدايات الثورة، كان في حالة إنكار لنا. لم يعترف بنا وبما نريده ونطالب به ونفعله. نحن رفضنا هذا الإنكار أيضا، وصرنا نحكي كشعبٍ، ونفعل شيئا إزاء أوصافٍ واتّهامات تُساق ضدنا، كأن يُقال عنا إنّنا جراثيم ومخرّبون ومندسّون، ولاحقا صرنا بالنسبة إليهم إرهابيين. لذا، كانت ردّة فعلي الأولى، ككثيرين غيري، أن أصوِّر، فأنا لا أستطيع فعل شيء آخر غير التصوير، رغم أنّي لم أحمل كاميرا سابقا، ولا أعرف شيئا عن تفاصيلها.
الحاجة دافعٌ لي إلى الاستعانة بالكاميرا لتصوير ما يحدث، في جامعة حلب وخارجها، حيث يُقتَل الناس. نعود إلى الكلية، أو نذهب إلى منازلنا لمشاهدة ما يبثّه التلفزيون السوري. في الكلية، كنا نرى أناسا يحملون كاميرات وآلات تسجيل ويسألون "مدنيين"، كنا نعرف أنهم رجال أمن، كي يقولوا أمام الكاميرا أنْ لا شيء يحدث، وأنّ الذي يبثّه الناس هو مجرّد أشرطة فيديو كاذبة، فانظروا إلى الجامعة، لا شيء يحدث فيها. الحاجة ماسّة إلى الردّ على هذه الافتراءات والأكاذيب، والتصوير من أدوات الردّ. الحاجة ماسّة إلى أن نروي ما يحصل معنا عبر الصُور. ننظر إلى ما هو حاصل قبلنا، في تونس ومصر وليبيا. لذا، كان ضروريا للغاية أن نُصوِّر ونوثِّق ونحفظ هذه الصُور، من دون أي هدف آنيّ، ومن دون الحاجة إلى الإجابة على سؤال: "لماذا نُصوّر؟".
وماذا عن ولادة ابنتك سَما؟ ألا يُمكن القول إنّ ولادتها دافع إضافي للتصوير؟
ولادة سَما مرحلة من مراحل التصوير، التي بدأت عام 2011 كما أخبرتك، فسَما مولودة أواخر عام 2015، والتصوير معها لم تتجاوز مدّته عاما واحدا. قبل الولادة، هناك 4 أعوام من تصوير يومي. سَما مرحلة من مراحل التغيير التي عشتها.
لكن، لماذا "إلى سَما"، كعنوان للفيلم؟ هذا عائدٌ إلى أنّها مثالٌ لكلّ ما كنّا ندافع عنه، ونقاتل من أجله، ونواجِه التحدّيات كي نصنعه: المستقبل. وأيضا الاستمرارية، والتفكير الدائم بـ"ما بعد". سَما مثلٌ صغيرٌ عن مستقبلنا الذي نكافح من أجله. العنوان، أو بالأحرى فكرة "إلى سَما"، سابقةٌ على ولادتها.
التصوير لم يكن احترافيا. هذا فيلمك الأول.
في البداية، لم يكن مهمّا أبدا ما الذي نصوّره، بل لماذا نصوّره. المسألة لم تكن متعلّقة بي كفرد، بل بالبلد وناس البلد. في بداية الثورة، كان هناك إنكار لها ولنا، فكان التصوير رفضا للإنكار. لم أكن أمّا ولا وعد، بل شخص يُصوّر ويُسجِّل أية صورة ثابتة أو فيديو أو صوت، وإنْ بطريقة غير احترافية. مع الوقت، بدأت علاقتي بالكاميرا تتغيّر، لأنّه باتت لنا مساحة أكبر بعد مرور أول عام على بداية الثورة. الجزء الشرقي من حلب كان لا يزال خارج سيطرة النظام. كانت فرصة لي، وللآخرين أيضا، للتخلّي عن أجهزة الهواتف الخلوية. تمكّنت من الحصول على كاميرا حينها. هذا يؤدّي حتما إلى تطوّر الخبرات التي لدينا. وقعنا في أخطاء كبيرة وكثيرة. هذا طبيعي. لكننا تعلّمنا الكثير.
إنّها الحاجة إلى التوثيق إذاً؟
نعم، فهذه مسألة وجود. هذا ما كنتُ أشعر به. بالإضافة إلى التاريخ. هناك تاريخ لسورية يُكتَب لحظتها. كنتُ أصوّر تقارير إخبارية لفضائيات كـ"الجزيرة" و"العربية"، وغيرهما من الفضائيات الأجنبية. لكن هذا لم يعد مهمّا، لأنّ الأهمّ كامنٌ في ضرورة أن أصوّر أكبر قدر ممكن من التفاصيل التي تحيط بي، ومن الحياة التي أعيشها يوما بعد يوم. هذه الحياة التي حولي يُمكن أن تختفي في أية لحظة. أصدقاء ومعارف وأناس يحيطون بي ربما يموتون في أية لحظة. لذا، أردتُ أن أصوّر كلّ ما يُشعرني بضرورة تصويره، لحظة شعوري بهذه الضرورة. لم يكن هناك أي مجال لتأجيل التصوير إلى دقيقة واحدة مقبلة. القصّة التي أشعر بأهميتها، أصوّرها فورا. هناك موت كثير يحاصرنا جميعا. لذا، أردتُ أن أحفظ هذه الحياة بأكبر قدر ممكن من الصُوَر.
لم تكن هناك خطّة عملية، ولا وضوح في معرفة سبب التصوير، ولا إمكانية للتأكّد من مدى أهمية قصّة ما. كنتُ أصوّر قصّة أشعر أنّها تمسّ إحساسي. لكن، ما حصل هو اللاحق لتلك الفترة الطويلة، أي بعد التهجير من حلب. علاقتي بالمواد المُصوّرة الكثيرة بدأت بعد الخروج، أي بعد التصوير. عندها، سألتُ نفسي: ماذا يُمكنني أن أفعل بهذه المواد؟ كيف أجعلها فيلما سينمائيا؟ الحياة التي عشناها في الحصار غريبة ومُثيرة للاهتمام، فهي تتضمّن 50 عاما من تاريخ سورية، وما يُمكن تسميته بـ"هيكلية" جديدة لـ50 عاما من تاريخ مقبل لسورية.
ما الذي حصل بعد الخروج، بالنسبة إلى تلك المواد المُصوّرة؟ أمضيتِ أعواما وأنتِ تُصوّرين من دون أدنى تفكير أو اهتمام بالمآل التي يُمكن أن تبلغها موادك المُصوّرة. ثم جاء وقت التنبّه إلى ما لديك من مخزون بصري، وإلى مصير هذا المخزون البصري.
هذا حاصل بعد الخروج من الحصار، أي في مرحلة التهجير من حلب، حاملة معي المواد المُصوّرة. حينها، بدأتُ أسأل أناسا أتوقّع أن يساعدوني على تحقيق مشروع ما، بفضل ما لديّ من مخزون بصري. وصلنا إلى بريطانيا في الشهر الثاني من عام 2017، أي بعد شهر واحدٍ على التهجير. ذهبتُ إلى مبنى "القناة الرابعة" البريطانية، التي كنتُ أرسل إليها مواد بصرية وإخبارية من حلب المحاصرة. مسؤولون فيها شاهدوا بعض ما لديّ، خصوصا فترة حَملي بسَما، والأيام الأخيرة في المشفى، وصُورا أخرى شعرتُ أنّي سأضعها في أي مشروع يُمكن أن يُنفَّذ. مشاهدو هذا كلّه اهتمّوا بالموضوع كثيرا، فكان كلامٌ حول ضرورة الاشتغال على ما هو أكبر مما شاهدوه.
لكن، كيف تعاطيتِ مع صُوَر المخزون البصري، وبعضها، كما تقولين، كنتِ ترغبين في وضعه في أي مشروع يُمكن تنفيذه؟
إلى هذه اللحظة، لا أستطيع أنْ أنفي عن نفسي عاطفتي إزاء كلّ شيء. أنا عاطفية إلى الآن. لكن، لا يُمكنني إنجاز فيلم يستند إلى ما صوّرته أنا. أولا: لأنْ لا خبرة لازمة لديّ، فأنا لا أعرف شيئًا خارج الإمكانات المتواضعة للغاية التي كانت بحوزتي. ثانيا: لأنْ عاطفتي قوية إزاء القصّة والصُور وما عشته إلخ. لذا، اقترحوا عليّ التعاون مع شخص آخر، هو إدوارد واتّس، المخرج والخبير، الذي لديه معرفة بالموضوع. هذا يعني أنّ هناك شخصين يعمل أحدهما مع الآخر. أي أنّ إدوارد سيساعدني على إيصال الصُور التي أريد إيصالها إلى الآخرين.
أمضينا، إدوارد وأنا، نحو شهرين ونصف الشهر في مشاهدة المخزون البصريّ كلّه الذي لديّ، المؤلّف من 500 ساعة تصوير، إذْ كنتُ أصوِّر 5 ساعات يوميا. لم أستطع تنظيم الأرشيف بطريقة واضحة، ولم يكن سهلا ترتيب المواد وغربلتها. مع إدوارد، تمكّنت من "فلترة" ما لديّ، فحصلنا على 300 ساعة تصوير، ارتأينا أنّها الأفضل للاشتغال عليها. الـ200 ساعة الأخرى موضوعة على جنب، ورغم أنْ لا قدرة لديّ على احتمال ما تملكه الصُور من وقائع وحالات وتفاصيل، إلا أنّني كنتُ أتذكّر ما الذي تحتويه الساعات الأخرى، عندما كنا نحتاج إلى شيء ما.
حسنا. ولكن، كيف أُنجز الفيلم؟ 300 ساعة، واشتغال مع شخص آخر له خبرة؟
أول نقاش حاصل بين إدوارد وبيني كامنٌ في سؤال مطروح علينا معا: ما هي القصّة؟ عمّاذا ستتحدّث القصّة؟
هناك مستويات عديدة، أختصرها بما يلي: ما هي المساحة البصرية التي ستُخصّص للمواد الشخصية؟ ما هي حصّتي الشخصية كوعد الخطيب في الفيلم؟ كي أتعامل مع الموضوع، رجعت خطوة إلى الخلف، وأصبحت وعد المخرجة. حاولت الخروج من القصّة، كي أتعامل مع المواد كمن يريد أن يصنع فيلما. المواد الشخصية كثيرة، والواضح أنّ عليها أنْ تنوجد في الفيلم بأية طريقة ممكنة. اشتغلنا على هذا كثيرا. السؤال مفتوح طوال عامين من العمل: كيف أروي القصّة التي هي عنّي من دون أن يكون الفيلم عنّي أنا فقط؟
فكّرنا بمسألة أخرى تتعلّق بالدم والموت. هناك دم وموت كثيران. لكن، كيف نضعهما في الفيلم؟ النقاش مُتمحور حول نظرتين اثنتين: الأولى لي، وتقول إنّي أريد إيصال الصورة كما هي، أي بأكبر قدر ممكن من الحقيقة. لكن هذا الأمر يواجه معضلة، إذْ ربما يرفض الغربيون مشاهدة هذا الكمّ الكبير من الدم والموت، رغم أنّهما حقيقيان جدا. في المقابل، لن أتساهل أمام ضرورة أن يكون للدم والموت مساحة كبيرة، وأمام ضرورة أنْ يُشاهد الغربيون هذه الحقيقة. إصراري يواجه تحدّيا آخر، فأنا أريد أن يشاهد الناس فيلمي، في الوقت نفسه. هذا أمر حسّاس جدا. لذا، أنجزنا أكثر من نسخة واحدة خلال عامي الاشتغال على المشروع. إحدى النسخ عُرضت في إطار ما يُعرف بـ"عرض تجربة"، أمام أشخاص قليلي العدد، هم أصدقاء وأفراد من العائلة. هناك أيضا جار إدوارد، الذي لا يعرف شيئًا عن سورية وعما يحدث فيها.
ثمّ كانت مرحلة أخرى من العمل، قبل أن نبلغ لحظة العودة إلى البداية. وضعنا هيكلية أخرى للفيلم، هي تلك التي باتت "إلى سَما": التركيز على أشياء متعلّقة بالمنحى العام لحلب، وفي الوقت نفسه على شيء شخصي لمن عاش التجربة، ويريد إيصالها إلى الناس.
فقط من أجل اختصار ما قلته قبل قليل: كنتِ تخشين كثرة الدم والموت في الفيلم، لكنك في الوقت نفسه كنت تريدين إيصال هذه الحقيقة، المتمثّلة بكثرة الدم والموت.
أردتُ أنْ أكون صادقة قدر الإمكان. سأخبرك شيئًا: هناك أمور قلتها في الفيلم أكره قولها خارج الفيلم، حتى قبل معرفة كيف سيكون الفيلم عليه. أردتُ أنْ أكون صادقة، وأنْ أنقل التجربة بطريقة طبيعية للغاية. هذا واقع، يجب أنْ نواجهه بصراحة. سأخبرك شيئًا آخر أيضا: أنا نادمة على أقوالٍ تفوّهت بها في الفيلم. تريد أمثلة؟ فليكن: في لحظة ما، قلت إنّي نادمة على إنجاب سَما. في لحظة أخرى، قلتُ إني أحسد تلك الأم التي توفّيت قبل أن تشاهد ابنها المتوفّى الآن أمامي. أندم على هذا. لكن، في الوقت نفسه، هذا هو الواقع. هذا ما حصل.
أحيانا أكون المخرجة الخارجة عن المسائل، لكن في لحظات كثيرة لم أستطع أنْ أتعامل مع الفيلم إلا كتجربة شخصية عاطفية.
هل كان هذا مؤلما لك؟
عند تسجيل صوت الراوي، كان الأمر أصعب من عيش الوقائع. التسجيل أخذ كثيرا من طاقتي وجهدي وتفكيري وإحساسي. كلّما يحين موعد التسجيل، كنتُ أشعر بما هو أسوأ مما عشته في حلب.
ولماذا الإصرار على هذا؟
لأنّي أريد إيصال الصورة نقية تماما، أي كما عشتها تماما. أشياء كثيرة يصعب عليّ قولها ووضعها في السياق السردي للفيلم، لكن هذا ضروري للغاية. كنتُ أظنّ أنّ ما أفعله سيكون مرتبطا بشيء ما انتهى، وأصبح من الماضي. كثيرون قالوا لي إن أحدا لن يُشاهد الفيلم، وإنّ كثيرين غير معنيين بسورية وبما يحدث في سورية، وإنّهم متعبون من هذا. لكن، أثناء العمل على الفيلم، تكرّر سيناريو حلب أكثر من مرة، منتقلا إلى مدن سورية أخرى، كالغوطة مثلا. لذا، كان إصراري كبيرا على ضرورة أن يخرج الفيلم إلى العالم، وينقل ما حدث ويحدث.
الفيلم تجربة حقيقية مستمرة. الغوطة تشبه حلب. تهجير الناس من حلب يُشبه تماما تهجير الناس من الغوطة. هذا حصل أثناء اشتغالنا على الفيلم. هذا أمر عاطفي. الآن نحن ننتقل في العالم مع الفيلم، ونروي التجربة، ونقول للناس: "أنتم لا تُشاهدون حدثا ولا تستمعون إلى قصّة منتهيين، بل إلى حدث وقصة يحدثان الآن أيضا". إدلب مَثَلٌ حقيقي، فهي تتعرّض للسيناريو نفسه الذي عرفته حلب: قصف مشاف ومدارس ودفاع مدني، إلخ.
"إلى سَما" ليس قصّة ماضٍ وتاريخ، بل قصّة راهنٍ. التركيز على الفيلم للخروج إلى العالم يهدف إلى دعم الذين في الداخل، متأمّلين أنْ يؤدّي ما نفعله إلى شيء عملي إزاء ما يحدث في إدلب حاليا.
سؤال أخير: ماذا بعد "إلى سَما"؟
عشتُ القصّة وصوّرتها قبل أنْ أتهجّر. كنت أتوقّع الموت في أية لحظة، موت الجميع، حمزة (د. حمزة الخطيب، زوج وعد ـ المحرّر) وسَما وأنا. أحبّ السينما. سأكمِل عملي فيها. لكنّي لم أنجز هذا الفيلم إلا لأنّي سوريّة، ولأنّ ما حدث ويحدث يجب أن يصل إلى العالم، وليس لأنّي مخرجة أو مُصوّرة. يومها والآن، هناك من يروّج قائلا إنّ ما يحدث في سورية هو حرب أهلية، وهناك من لا يزال يسأل: "ما البديل عن بشّار الأسد؟". أسئلة كهذه أدنى بكثير من حقيقة ما يحدث. الردّ؟ هذا ما أستطيع فعله، وهذا ما سأفعله، على الأقلّ خلال الأعوام القليلة المقبلة: لن أعمل أيّ شيء خارج سورية، أو خارج القضية التي أؤمن بها، وإنْ اقتُرحت عليّ مشاريع مُغرية.