وطن على صورة سمر

09 ابريل 2018
سمر بلطجي كما تظهر في صور نشرتها "ذا غارديان"
+ الخط -
قبل أيام نشرت صحيفة "ذا غارديان" البريطانية خبراً من لبنان عن مُصور صحافي التقى بامرأة صورها قبل 33 عاماً، وتعرّف إليها مباشرة رغم فارق الزمن. الفرق كبير بين الصورتين، عاش خلاله اللبنانيون حروباً لا تنتهي وسلاماً لم يستقر. تظهر سمر بلطجي في الصورة الأولى عام 1985، وهي تعبر الطريق مع طفلتها متكئة على عكازين. لم يخطف العكازان أياً من بريق المرأة اللبنانية في ذلك التاريخ. سارت سمر بأناقة بسيطة. اختصرت ذوق النساء اللبنانيات من خلال التنورة التي تجازوت حد الركبتين، وطوت أسفلها قميصها الأبيض. كان شعرها مُنسدلاً حتى الكتفين ويحمل بين خصلاته رطوبة الحرب ووقع القذائف. نظرت سمر في عيون قُرّاء الصحف من خلال عدسة المُصوّر. ومزجت في تلك النظرة بين التعب والإصرار. ورغم إعاقتها الجسدية، وجد "راديو الترانسيزتور" المحمول مكانه على كتف السيدة، لتسمع أخبار المعارك ربما أو لتستمع بموسيقى ذلك الزمن.

بدت سمر صلبة رغم كل شيء. وهو عكس ما نقلته صورتها بعد 33 عاماً، انتهت فيها حرب الأحزاب والسياسيين، وبدأت معارك المواطنين الاجتماعية والاقتصادية القاسية التي تغيب عنها الهُدن وساعات وقف إطلاق النار. فلا الفواتير تنتظر الفرج، ولا المُتطلبات تنتهي. غابت قامة سمر على كُرسي مُدولب بعدما أفقدها المرض رجلها الثانية ووقفة التحدي التي ظهرت فيها عام 1985. غطى الحجاب شعر رأسها، وغابت الأناقة البسيطة لتحل محلها جلابية مُتواضعة. أصبحت سمر مُتسولة.
كان يُمكن لهيئة سمر الجديدة أن تُعبّر عن الحرب أكثر من صورتها الأولى، لكن الحكم اللبناني الفاسد نجح في جعل حياة المواطنين أصعب في زمن السلم منها في زمن الحرب.
هل كان يُمكن إنقاذ رجل سمر الثانية من خلال نظام صحي سليم؟ هل كان يُمكن لهذه السيدة أن تُكمل حياتها دون أن تنزلق إلى الشوارع لتتسول؟ هل كان يُمكن أن تُلتقط صورة سمر الثانية في دار للمُسنين يؤمن الرعاية الكريمة للبنانيين بعد تقاعدهم؟ هل ستحمي "الخرزة الزقاء" (شعار تيار المستقبل في الانتخابات) سمر بعد الانتخابات؟ هل من أحد "سيحمي ويبني" (شعار حزب الله الانتخابي) ما تبقى من عمر سمر؟ هل سيُنقذها "التغيير والإصلاح"؟ أسئلة بعدد أحزاب لبنان وبعدد شعاراتها، والجواب الوحيد في الفرق بين الصورتين.

المساهمون