وزير النقل المغربي:نحقق تقدما في القطاع وأخرنا نمط الريع

11 مايو 2015
الوزير المغربي المكلف بالنقل محمد نجيب بوليف (العربي الجديد)
+ الخط -
تحدث الوزير المغربي المكلف بالنقل، محمد نجيب بوليف، في مقابلة مع "العربي الجديد"، عن مشاكل وإنجازات قطاعات النقل في المغرب وخطط وزارته. وكشف عن أن كلفة حوادث السير تفوق ميزانية وزارة الصحة المغربية.

وهذا نص المقابلة:

*هناك حالة من عدم الرضى على قطاع النقل في المغرب، سواء تعلق الأمر بالمسافرين أو البضائع. كيف تردون على ذلك؟
قطاع النقل من القطاعات المركزية والأساسية، إذ إن نقل السلع والمسافرين يتم من خلال هذا القطاع الحيوي. ويشكل القطاع اليوم 7% من الناتج الداخلي الخام، وهو محور الصناعة والزراعة والتجارة.

في السنوات الأخيرة، تم العمل على العديد من الإصلاحات، ومن بينها تحرير قطاع نقل البضائع، النقل الجوي، تحرير قطاع النقل المدرسي والسياحي والمزدوج، وهذه الإصلاحات أظهرت أن القطاع يحتاج إلى تنافسية، والأكيد أنها ساهمت في تطوير العديد من خدماته.


بالنسبة لقطاع نقل المسافرين، هناك بعض التأخير والبطء ونحن نعترف بذلك. نعم تأخرنا في تنفيذ إصلاحاته، لكن ذلك مرتبط بالتراكم والبيروقراطية، اللذين عرفهما هذا القطاع على مر السنوات، على اعتبار أنه قطاع ريعي، ولا يقدم قيمة مُضافة حقيقية. لكننا، اليوم، نؤكد أننا نعمل من داخل المنظومة الإصلاحية الجديدة، وذلك بمنح دفعة من التنافسية من أجل تحسين جودة خدمات القطاع، كما هو الحال بالنسبة لباقي القطاعات التي ذكرت سلفاً.

وهنا، لا بد من الإشارة إلى أن مستقبل استغلال قطاع نقل المسافرين تحكمه شروط عديدة، وسيكون هناك نوع من إعلان التنافس على الخطوط الجديدة بكل شفافية، وهذا ما سوف يعطيه دفعاً جديداً للرفع من جودة خدماته، والرفع من مستوى انتشاره على كافة المناطق المغربية.

أما في ما يخص النقل البحري، فقد استطاع هذا القطاع اليوم رفع المغرب إلى المرتبة 18 عالمياً، وهي مرتبة مشرّفة جداً، بل أصبح المغرب الأول أفريقياً من حيث النقل البحري.
بالإضافة إلى ذلك، موانئ المغرب، ومن بينها ميناء طنجة المتوسط الذي سوف يصبح من بين 30 ميناء عالمياً في أفق عام 2018، وذلك بعد الانتهاء من إنشاء شطره الثاني.

وهناك تقدم كذلك على مستوى النقل الجوي، الذي سوف يمكننا من خلال استراتيجية عام 2035 من رفع عدد المسافرين الوافدين على مطارات المغرب إلى 70 مليون مسافر. نحن اليوم عند سقف 17 مليون مسافر، والطاقة الاستيعابية للمطارات المغربية يمكن أن تستضيف ما بين 25 و26 مليوناً، ونطمح إلى مضاعفة هذا الرقم إلى ثلاثة أضعاف في الفترة المقبلة.


*بالنسبة إلى مجال نقل المسافرين، بالرغم من كل البرامج، التي تحدثت عنها الحكومة في استغلال الخطوط، هناك صعوبات لا تزال تواجه الإصلاحات، كيف يمكن برأيكم تجاوزها؟
من بين الأهداف الرئيسية، تفاعل الوزارة المُشْرِفة على قطاع النقل، مع المستثمرين، والتواصل مع من يملكون رخص النقل، والذين في مجملهم ليسوا فاعلين مباشرين في القطاع. فهذا التفاعل قادر على ضخ نفَس جديد، والسير نحو المهنية وهيكلة القطاع وفق النموذج الحديث، الذي يطمح إليه المواطن.

أؤكد أنه لا يمكن للمغرب في عام 2016 الاستمرار في الحديث عن قطاع نقل مسافرين غير مهيكل، والعاملون فيه، مثل السائقين ومساعديهم، يحصلون على رواتبهم من الأموال التي يتقاضونها من المسافرين مباشرة، دون أن يكون لهم رواتب ثابته تحفزهم بدورهم على المساهمة في النهوض بالقطاع.

أعتقد أنه إذا لم يتوفر للسائق تغطية صحية واجتماعية، وكذلك للمساعدين، فإن ذلك يعني فشل تطور قطاع النقل، وفي حال عدم توفير بطاقات مهنية معتمدة من طرف الوزارة وبشكل قانوني، فلن نصل إلى الحرفية والمهنية في تدبير القطاع، وسوف يمنح كل هذا أفضل خدمة للمسافر، الذي سيجد نفسه أمام خيارات عديدة للاستفادة من خدمة النقل نحو كافة مناطق المملكة. وكل ما ذكرت هنا، هو في إطار الإصلاحات التي أطلقتها الوزارة ونحن بصدد تنفيذها رغم الصعوبات التي ذكرتم.


*دخل المغرب مؤخراً في مسلسل تحويل محطات القطارات إلى مراكز تجارية وخدماتية متعددة الاختصاصات. لماذا لم يعمم هذا التوجه على محطات النقل التي تستقطب ملايين المواطنين يومياً؟
صحيح ما ذكرتم. لكن المشكلة اليوم في كيفية تدبير هذه المحطات، إذ إنها تابعة للجماعات المحلية (المجالس البلدية)، وأعضاؤها لهم هموم أخرى بحكم كِبَر المدن التي يشرفون على تدبير شؤنها. اليوم فتحنا قناة جديدة منسقة مع وزارة الداخلية تشرف على سير الجماعات المحلية، وذلك بغية إخراج تصور مشترك ونموذج وطني لتطوير أداء المحطات الطرقية.

لدينا أربع أو خمس محطات نموذجية، بعد أن ساهمت في تدبيرها "الشركة الوطنية للنقل واللوجستيك"، والتي من مهامها أن تكون طرفاً مساهماً في رأس المال، أو مدبراً دون المساهمة. وهذه النماذج بدأت تظهر معالم مساهمتها في تدبير الموارد البشرية، وتدبير الأمن داخل محيط المحطة، وجعل المحطة فضاء تجارياً حقيقيّاً، وليست فقط نقطة انطلاق أو وصول بالنسبة للمسافرين.

صراحة نطمح إلى أن تكون المحطات طريقة مبتكرة للحياة. توفر الاحتياجات الأساسية للعائلات، بالإضافة إلى جعلها محطات لقضاء أوقات جميلة في العطلات أو أوقات الفراغ، عوضاً عن أن تكون فضاءات للسمسرة في المسافرين فقط، والأكيد أن تجربة محطات القطارات حافز لتعميم ما حققته من نجاح، على كافة محطات النقل المغربية بكافة فروعها.

*انطلقت في مدينة الدار البيضاء عملية تجديد أسطول سيارات الأجرة، التي تعتبر شريان نقل المغاربة. فهل نوع السيارات المعتمد سيلبي حاجيات مستخدمي سيارات الأجرة؟
التجربة أولاً ليست خاصة بالدار البيضاء وحدها. نعم انطلقت من العاصمة الاقتصادية، وذلك بدافع الرغبة التي عبر عنها المهنيون في المدينة، واستعدادهم، بحكم حجم الأسطول الضخم، الذي يجول شوارع العاصمة الاقتصادية.

أما بالنسبة لانتظارات المهنيين، ونوع السيارات التي اعتمدت فكانت بتشاور مع المهنيين، إذ عقدنا معهم اجتماعات عديدة لعرض مجموعة من النماذج. ثم توجهنا نحو المصنعين، وعرضنا عليهم الأهداف المنتظرة من تجديد الأسطول، ومنحناهم التفاصيل الخاصة بالمعايير التي نريدها، والخاصة بسيارات الأجرة الجديدة، انطلاقاً من مسلسل التشاور مع العاملين فيها.


واليوم، بدأنا العمل على نموذجين، وسوف نطرح على المهنيين نماذج جديدة مستقبلا، وذلك لكي تكون الاختيارات أمامهم متعددة، وتستطيع الحكومة بذلك توفير خدمة نقل عبر سيارات الأجرة الكبيرة بجودة عالية، مع الحفاظ على مصالح المهنيين. كما سيتم تعميم تجديد الأسطول قريباً على كافة المدن المغربية، وأتوقع نجاح التجربة.

*هل تعتقدون أن أسعار النقل في المغرب عادلة، خاصة وأن الجميع يشتكون من مزاجية المتحكمين في نقل المسافرين واستغلالهم المناسبات من أجل رفع ثمن التذاكر؟
الإشكال هو أن سعر النقل مقنن، وتذكرة النقل من بين 15 مادة تحدد الحكومة أسعارها. وأؤكد أن السعر الذي اعتمد منذ عام 1996 بالنسبة لنقل المسافرين لم يطرأ عليه أي تغيير. أتحدث من الناحية القانونية والتشريعية.

إن كانت أسعار النقل مقننة، فماذا يجري إذاً على أرض الواقع لأن الأسعار ليست ثابتة؟
في إطار الضعف على الطلب في الأيام العادية، وفي إطار التنافسية بين شركات النقل، يتم خفض سعر التذاكر إلى ما دون السعرالمقنن بكثير، وعندما تبدأ مواسم الطلب المرتفع على النقل، فإن 90% منها تصل إلى السعر الأقصى المحدد، ويمكن القول بأن 10% المتبقية من الشركات تخرق الأسعار المحددة.

يعني أن المواطن قد اعتاد على السفر بسعر أقل بكثير من السعر القانوني المحدد منذ عام 1996 والذي لم يتغير كما سبق وذكرت، لكن في الفترات التي يكون فيها الطلب مرتفعاً، ترتفع الأسعار كذلك لتصل إلى مستوياتها الحقيقية.

فمثلاً قيمة تذكرة السفر ما بين مدينة الدار البيضاء ومدينة طنجة لمسافة تصل إلى 253 كيلومتراً هي 70 درهماً كما هو محدد في قانون عام 1996. لكن في الأوقات العادية يمكن السفر في الحافلات نفسها، التي من حقها فرض هذا السعر، بـ 50 درهماً أو أقل.


ومع ذلك لا يمكن القول إنه لا توجد تجاوزات، هناك أصحاب شركات نقل يفرضون على الرحلة نفسها، التي ذكرت، سعر 100 درهم وما فوق، وبالتالي فإن من بين خطط الوزارة الإصلاحية ضبط هذه التجاوزات، ومعاقبة المخالفين، خاصة في أيام الأعياد والعطلات.

*كلفة حوادث السير في المغرب باهظة، وما يقع من فاجعات في ارتفاع عدد القتلى، يدفع إلى طرح تساؤل عريض حول نجاح حملات التوعية وقوانين السير التي وضعتها الحكومة؟
لا توجد أية دراسة رسمية لكلفة حوادث السير في المغرب إلى حد الآن. لكن نحن كوزارة نقدر كلفة حوادث السير في المغرب بين حوالى 14 و15 مليار درهم (بين 1.4 و 1.5 مليار دولار) وهي نسبة كبيرة جداً قياساً إلى الناتج الداخلي الخام.

ولكن يمكن القول إن الكلفة تتراجع، ودليل على ذلك انخفاض عدد قتلى حوادث السير خلال عام 2013 بنسبة 8.5% و8.7% خلال عام 2014، وبانخفاض قدره 12.5% في الشهرين الأولين من العام الحالي، مقارنة مع العام السابق، وهذا التراجع في عدد القتلى له أثر إيجابي وحقيقي على التكلفة الاقتصادية والاجتماعية في المغرب.

ونتصور أنه حتى نهاية عام 2015 ، سنصل إلى حاجز 3000 ضحية، مما يعني أننا قلصنا نسبة عدد القتلى بـ 25% خلال أربع سنوات، وهي نسبة لم يسبق أن تم تحقيقها في المغرب. وبذلك سوف نقلص الكلفة من 15 مليار درهم (أكثر من 1.511 مليار دولار) التي تحدثت عنها سابقاً، بـ 4 مليارات درهم (400 مليون دولار) في المتوسط، وهو رقم يشكل ثلث ميزانية الصحة في المغرب، التي تبلغ 12 مليار درهم (أكثر من 1.2 مليار دولار).


حوادث السير... كلفة اقتصادية باهظة
يحتل المغرب مرتبة متقدمة عالمياً في حوادث السير المميتة، إذ وضعته "المنظمة العربية للسلامة المرورية"، ضمن آخر تقرير صادر عنها، في المرتبة الثالثة عالمياً والأولى عربياً. وعرف المغرب، قبل شهر، وقوع فاجعة مرورية، ذهب ضحيتها 34 شخصاً أغلبهم أطفال، لاقوا حتفهم احتراقاً على الطريق الوطنية القريبة من مدينة "طان طان" جنوب المغرب. وأعقبتها حادثة أخرى خطيرة، كادت أن تنهي حياة فريق كرة قدم بأكمله، ويتعلق الأمر بنادي "شباب أطلس خنيفرة".

واعترف الوزير المكلف بالنقل، محمد نجيب بوليف، في حديثه لـ"العربي الجديد" بأن كلفة حوادث السير في المغرب تفوق ميزانية وزارة الصحة المغربية بـ3 مليارات درهم (أكثر من 300 مليون دولار)، في الوقت الذي تبلغ فيه ميزانية الوزارة نفسها 12 مليار درهم (ما يقارب 1.2 مليار دولار).

ويبذل المغرب جهوداً حثيثة للحد من حوادث السير على الطرقات. وبدأت حملات إرشادية عبر مختلف الوسائط الإعلامية تتكثف بشكل كبير ومباشر مع المواطنين. كما تطلق مختلف شركات التأمين عروضا ومكافأة للسائقين المنضبطين لقوانين السير. إلى ذلك، أقر المغرب، في عهد الحكومة السابقة، قانون سير يتضمن بنوداً صارمة، وعقوبات مالية ثقيلة ضد المخالفين.

بطاقة
يشغل محمد نجيب بوليف منصب الوزير المكلف بالنقل. أمسك قبل ذلك، ومنذ عام 2011، حقيبة الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بالشؤون العامة. عمل كخبير لدى عدة مؤسسات مالية دولية. درس الاقتصاد في جامعة عبدالمالك السعدي في مدينة طنجة. وينتمي بوليف إلى حزب العدالة والتنمية.

إقرأ أيضا: الديون في الدول العربية: اقتصادات برسم البيع


المساهمون