ليس هناك وجه مغيّب مِن وجوه الإدارة الأميركية الجديدة مثل وزير الخارجية ريكس تيلرسون، على الرغم من أن صاحب هذا الموقع يحتل المرتبة رقم 4 في الترتيب الهرمي للسلطة، بعد الرئيس ونائبه الذي هو أيضاً رئيس مجلس الشيوخ، بالإضافة إلى رئيس مجلس النواب.
حضور تيلرسون مفقود في ساحة السياسة الخارجية المفترض أن يكون هو الناطق باسمها والمشارك الأول في هندستها. وهو غائب عن لقاءات الرئيس مع الزوار الرسميين الأجانب الذين جاؤوا إلى واشنطن.
يضاف إلى ذلك أن المناصب الرئيسية في وزارته لا تزال شاغرة. اختار تيلرسون إليوت أبرامز، أحد أبرز صقور المحافظين الجدد ليكون نائباً له، لكن الرئيس الأميركي رفضه بسبب انتقادات كان قد وجهها لترامب. المؤتمر الصحافي اليومي في وزارة الخارجية متوقف منذ بداية عهد ترامب في 20 يناير/كانون الثاني الماضي. ويتكاثر الحديث في واشنطن عن حالة هبوط غير معهودة في هذه الوزارة.
وآخر صفعة لتيلرسون تمثلت في عزم البيت الأبيض خفض حصة وزارة الخارجية من الموازنة الأميركية العامة بمقدار 37 في المائة للسنة المالية المقبلة، كجزء من سياسة تقليص الإنفاق العام. وأثار هذا التوجه الكثير من الاستغراب. حتى وزير الدفاع، الجنرال جيمس ماتيس، لفت إلى خطورة هذا التوجه. لكن وزير الخارجية التزم الصمت حيال هذا التطور الذي جرى الإعلان عنه منذ أيام عدة، على الرغم من أن تخفيض موازنة الوزارة، سيؤدي، وفق إقرار خبراء في الحقل الدبلوماسي، إلى شلّ عملها.
وصدرت أصوات الاعتراض عن الكونغرس، وبالتحديد عن بعض أركان مجلس الشيوخ من الجمهوريين الذين تعهدوا بعدم الموافقة على مثل هذا التقليم لحصة وزارة الخارجية. وتحرك جهاز الوزارة لمواجهة هذه الخطوة. وهناك معلومات متداولة مفادها بأن تيلرسون ربما تبنى هذا التحرك لحماية موازنة وزارته. لكنه لم يكن في موقع المبادر، وكأنه ليس المعني الأول بالأمر. أو كأنه لا حاجة للدبلوماسية في عهد ترامب، لا سيما أن تقليص موازنة الخارجية تزامن مع الإعلان عن زيادة موازنة وزارة الدفاع (بنتاغون) بمبلغ 54 مليار دولار. وهذا الإجراء يعني أن واشنطن تنوي إعطاء الأفضلية للغة القوة في التعامل مع المسائل الخارجية، سواء من خلال التلويح بها أو من خلال استعمالها في نهاية المطاف.
يشار إلى أن المستشار الاستراتيجي للرئيس، ستيفن بانون، قال قبل سنة "إننا ذاهبون لا محالة إلى الحرب مع الصين في جنوب بحر الصين في غضون 5 إلى 10 سنوات"، حسب قوله. ويعد بانون صاحب نفوذ كبير وتأثير أكبر على الرئيس "المبهور بالقوة الخام"، وفق تعبير المعلق ماكس فيشر، في صحيفة "نيويورك تايمز". وتتعزز الهواجس من أن مثل هذا الانبهار قد يتحول إلى خيار في لحظة تأزم خارجي أو حتى داخلي ينتج عن التعثر في ترجمة ترامب لأجندته الداخلية المشكوك بإمكانية ترجمتها على الأرض. ويخشى أن تصدير الأزمة المحلية قد يدفع باتجاه الخيار العسكري، خصوصاً إذا كانت الدبلوماسية غائبة.