وزير الثقافة القطري حمد الكواري: السياسة أفسدت الثقافة

الدوحة
أنور الخطيب
أنور الخطيب
صحافي أردني. مراسل "العربي الجديد" في قطر.
23 نوفمبر 2014
B42D2326-B585-4A48-9980-3E288BA79239
+ الخط -
الربيع العربي وتداعياته، وتأثير غياب الحواضر الثقافية العربية عن المشهد الثقافي العربي، والدور الذي تلعبه الدوحة في نشر الوعي الثقافي، وغيرها من هذه القضايا موضوعات الحوار مع وزير الثقافة والفنون والتراث القطري، حمد عبد العزيز الكواري

** هناك اتهامات للمثقف العربي بأنه أخفق في التعامل مع تداعيات الربيع العربي، وأن مثقفين عرباً كثيرين انحازوا لأنظمة الاستبداد والديكتاتورية، ضد تطلعات شعوبهم؟
- هذا حكم قاس على المثقف العربي، وفيه ظلم كبير جداً له، فالمثقف، في النهاية، إنسان يتعرض لضغوط حياتية ومعيشية ونفسية وسياسية، وربما يتعرض حتى للخداع، ويقع في الشرك، فليس من الحكمة والعدل أن نطلق هذا الحكم العام. والمثقف العربي، والثقافة العربية بصورة عامة، يدفعان ثمناً باهظاً جداً للأوضاع العربية التي نعيشها، فالصورة كانت واضحة في بداية الثورات، والآن، أصبح هناك نوع من الغموض يذكّر بالفتنة، عندما وقعت الحرب بين علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان، حيث اعتزل علماء وفقهاء كثيرون هذه الفتنة.
وفي العالم العربي، اليوم، هناك ضغوط على المثقف وعلى الثقافة، من محيطه ومن السلطة ومن وسائل الإعلام التي تؤثر تأثيراً كبيراً جداً، يجب ألا نكون بهذه القسوة، وأن ننظر إليه إنساناً يعيش الظروف الصعبة، ويحاول، ما استطاع، أن يكون له موقف.

ومن الظلم أن نحكم على المثقف العربي في ظل الأوضاع القائمة، فهو جزء من المجتمع ولا يستطيع أن يخرج منه بجرة قلم. هذه عملية نفسية اجتماعية معقدة، ولكي نصلح مثل هذه الأوضاع، لا نبحث في مثل هذه التفاصيل، وإنما نبحث عن الأساس، إصلاح السياسة، لأن السياسة أفسدت الثقافة، وبدلاً من أن نجعل من الثقافة منطلقاً للإصلاح السياسي، أصبحت السياسة هي التي تتدخل في الثقافة، وتفسد.

** إذا وجدنا أعذاراً للمثقفين في هذا الصدد، هل نستطيع أن نجدها، لوزارات الثقافة العربية، وهل استطاعت هذه الوزارات أن تقوم بفعل تنويري في المجتمعات العربية؟
- هنا السؤال أكثر تحديداً، والإجابة عنه تكون أيسر، فوزارات الثقافة جزء من الحكومات، وهي لا تضع سياسات، وإنما تخضع لسياسات، فإن أحسنت السياسات العامة لهذا البلد، أو لهذه الحكومة، أحسنت هذه الوزارة، وإن كان هناك أجندة لهذه الحكومة، أو لهذا البلد،
 فالوزارات تمثل هذه الأجندة، وإلى وقت قريب جداً، لم تكن هناك وزارات ثقافة عربية منفصلة ومتخصصة، حيث كانت مرتبطة بوزارات الإعلام، وكان دورها ثانوياً جداً، حيث كانت تسمى الإرشاد القومي، بمعنى أن على الحكومة أن ترشد هذا القطيع من البشر.

وأقول إن الحكومات، بصورة خاصة، والسياسات بصورة عامة، تتحمل هذا الوضع الرديء في بلاد عربية كثيرة، وإن كان هذا لا يعني أنه ليست هناك مناطق مضيئة في العالم العربي، وأن هناك جهوداً كبيرة تبذل، وتطوراً كبيراً في كل جوانب الثقافة.

وأتكلم، هنا، عن الدور التوعوي والتطور الذي حققناه للمواطن والمساهمة في الثقافة العربية. ولكن، أقول لك، بكل صراحة، أنا أعاني كثيراً من الأوضاع العربية السائدة، فالعواصم العربية الرائدة ثقافياً، وهي حواضر الثقافة العربية، دمشق وبيروت والقاهرة وبغداد، عندما تكون جريحة بشكل أو بآخر، ومنشغلة بأمور أخرى غير الثقافة، أو ربما تخضع الثقافة لأجندة مختلفة، لا يمكن أن أقوم بدوري في قطر عربياً بالشكل المطلوب، حتى يعود إلى هذه الحواضر دورها، وتعود الثقافة مزدهرة ومؤثرة فيها.

** ولكن، هناك من يقول، إن مدن الخليج تسعى إلى أن تكون بديلاً لهذه العواصم، بإقامتها مهرجانات وفعاليات ثقافية كبيرة ومهمة، بالأموال المتوفرة لديها؟
- المفروض أن ننظر إلى الأمر بشكل إيجابي، ولا يمنع ذلك أن نسعى إلى أن يكون في بلدك نشاط ثقافي كبير ذو قيمة إضافية إلى الثقافة العربية وليس عليها. الحواضر الثقافية العربية تملك ما لا يملكه الآخرون، ويتوفر فيها البشر والمثقفون والعمق التاريخي الكبير للثقافة، والتاريخ الذي كان يمكن أن يكون داعماً وسنداً.



أنت لا تستطيع أن تطلب من الدول الأخرى أن تتوقف عن الثقافة، بالقول إنه لا يمكن أن تنافس، بل يجب أن نتنافس للدفع بالثقافة العربية إلى الأمام، وأسألُ هل ينقص مصر شيء لكي تقوم بدور ثقافي رائد؟
الأموال ليست كل شيء، فالمطلوب تحقيق التكامل العربي، ولنا في قطر تجربة غنية، عندما كانت الدوحة عاصمة للثقافة العربية عام 2010، استفدنا استفادة كبيرة من المثقفين السوريين والمصريين والعراقيين، فتلألأت الدوحة، وأصبحت من أنجح عواصم الثقافة، وذلك لوجود التعاون، ولأننا نكمل بعضنا، فكل عربي يجد في قطر ستة مسارح، ولديها دار للأوبرا وحي ثقافي مكتمل من جميع الوجوه، ولديها مدينة جامعية كاملة، بما لذلك من بعد ثقافي، يجب أن يسر الآخرين، لأن ذلك يخدم الثقافة العربية.
نحن ننتمي إلى ثقافة عربية من المحيط إلى الخليج، وواجبنا ليس فقط تجاه الجانب المحلي من الثقافة، وإنما تجاه المحيط العربي. لدينا في قطر مجلة "الدوحة"، ومعظم من يكتب فيها هم العرب وقلة من القطريين، وكان يمكن أن تكون أكثر إشراقاً، وأن تؤدي دوراً أكبر، لو كانت الظروف العربية تسمح لهذه العاصمة، أو تلك، أن تقوم بذلك؟


** ولكن، هناك من يتهم المال الخليجي بأنه يقوم بإفساد الثقافة العربية؟
- يجب أَلا نبحث عما يؤدي إلى توسيع الهوة بين الدول العربية، أو عن تبرير لعدم القيام بالدور الثقافي المطلوب، إذا وجدت الإرادة والإيمان بالثقافة العربية ودورها، كل الأمور تصبح ثانوية وليست رئيسية.
أعتقد أن لدى العواصم العربية إمكانات كبرى، وكان يمكن للمال العربي الخليجي أن يكون داعماً لها، ويمكن أن يؤثر إيجابياً، لو توفرت الإرادة السياسية، وتوفر الجو السياسي الصحي السليم الذي يجعل التكامل هو المطلوب، لتحتل الثقافة العربية مكانتها، ليس فقط في العواصم العربية، وإنما في العالم ككل، في عالم منفتح، تتفاعل فيه الثقافات في كل مكان.

** ماذا عن المغزى من المقترح الذي تقدمتم به في اجتماع وزراء الثقافة في دول مجلس التعاون الخليجي بعقد مهرجان ثقافي مواكب للقمم الخليجية؟
- تلعب الثقافة دوراً كبيراً جداً تجاه الناس، وفي إشاعة قيم وطنية وقومية، وقيم إنسانية، تعظم المحبة والسلام بين الناس، وتساهم في تعزيز المواطنة. لدينا في قطر تجربة السنوات الثقافية، ففي كل عام نختار بلداً معيناً، ونقيم معه سنة ثقافية.
أقمنا سنة ثقافية، بالتعاون مع اليابان، والثقافة اليابانية ليست معروفة لدينا في قطر، والثقافة العربية ليست معروفة في اليابان، ولا تتصور التأثير الكبير الذي تركته السنة الثقافية على مجمل العلاقات بين البلدين. وهذا حدث مع المملكة المتحدة ومع البرازيل، والسنة المقبلة سيكون مع تركيا. ومن هذا المنطلق، قدمنا اقتراحاً في مجلس التعاون، أن تواكب القمم الخليجية مهرجانات ثقافية، بمعنى أن تقام في دولة الرئاسة فعاليات ثقافية خليجية مشتركة، بما يوثق الصلات، ويؤكد وحدة الثقافة والتقاليد، فالثقافة تلعب دوراً كبيراً في توثيق الصلات وتعزيز المواطنة، وقد وجد المقترح صدىً طيباً، وهذه الفعاليات لا تقام في أثناء القمة التي تستمر يوماً واحداً، بل تقام خلال العام، في الأوقات التي تراها الدول الخليجية مناسبة.
وجاء المقترح لأن دور الثقافة يجب أن يكون رئيسياً ومؤثراً، ويجب أن ينعكس على مجمل العلاقات الاقتصادية والاجتماعية والرياضية وغيرها.


** بشأن المهرجانات الثقافية العربية، ملاحظ أنها لم تعد معنية بالثقافة، بل بالغناء والطرب.
- لا، لدينا تجربة مختلفة نرجو أن تنجح، حيث سيواكب المهرجان الثقافي هذا العام معرض الكتاب، وهذا العام يصادف اليوبيل الفضي لمعرض الكتاب الذي يقام سنوياً في الدوحة. وتلقيت توجيهات من الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير البلاد، أن نهتم بالمعرض، وأن يكون منطلقاً لتعزيز مكانة ثقافة الكتاب. وسيقام المعرض، لأول مرة، في أرض المؤتمرات الكبرى، وسيصاحبه مهرجان ثقافي، وسيخصص فيه يوم للشاعر الفلسطيني الراحل، سميح القاسم، يشارك فيه أشقاؤنا الفلسطينيون، وسيكون هناك يوم للشاعر المصري، حسن توفيق، وهو الذي أقام في قطر طويلاً، وانتقل إلى رحمة الله، قبل أشهر، وهو من خيرة الشعراء، ارتبط بقطر ودورها الثقافي، وسيكون هناك صالون ثقافي يستمر طوال أيام المعرض، يناقش، كل يوم، موضوعاً. لست ضد الترفيه، ومن حق الإنسان أن يحظى به، وإن كان لا بد من التركيز على الفنون والفن التشكيلي والموسيقى والمسرح، وعلى الكتاب.

** في ظل العولمة والانفتاح الكبير، خصوصاً في المنطقة العربية، هل يؤرقك سؤال الهوية والمستقبل في قطر ومنطقة الخليج العربي؟
- نعم إلى حدٍّ ما، وعلى الرغم من الجهود التي تبذل، ما زال التحدي كبيراً، وكبيراً جداً، وعلينا ألا نبسّط الأمور، فالجهود تحتاج إلى مضاعفة، وبالذات، في منطقة الخليج التي لها تكوين جغرافي وتكوين مجتمعي مختلفان عن المناطق الأخرى، فتعداد المواطنين فيها قليل مقارنة بأعداد الوافدين. وعلى الرغم من أن الوجود العربي في الخليج ساهم مساهمة كبيرة في الحفاظ على الهوية العربية للخليج، ولكن، تقع على عاتقنا في وزارات الثقافة والإعلام، وفي مواقع صنع القرار السياسي، مسؤولية كبيرة في هذا الصدد، فهناك خطر على اللغة العربية في منطقة الخليج. وأستخدم، هنا، كلمة خطر من دون مبالغة، إن لم تتخذ خطوات ملموسة وسريعة لمعالجة الموضوع، هناك جهود تبذل، لكنها غير كافية.

** تنشط في الساحة الثقافية العربية قوى توصف بأنها ظلامية، هل تشعرون بأنكم في قطر معنيون بمعركة ثقافية معها؟

- بصورة عامة، لا أحبذ مثل هذه المصطلحات الحادة، أتحدث، بصورة عامة، عن الثقافة ودورها في تغيير الإنسان، وفي جعله حضارياً في سلوكه وتصرفاته، ومساهماً مساهمة فعالة في بناء وطنه، وفي بناء الإنسانية بصورة عامة. ويجب التركيز على الوعي الثقافي، وعلى الأصالة في هذا البلد، من دون إقصاء.
أنت لا تعيش وحدك في هذا العالم، فأنت جزء من الحضارة العربية التي عندما كانت متصدرة، كانت أكثر اتصالاً بالحضارات الأخرى، ولم تكن في عزلة. يجب أن تثق بنفسك وثقافتك وأصالتك، وأن تنفتح على العالم. بهذه الصورة، تستطيع أن تحقق التوازن الثقافي المطلوب الذي يشكل سداً في وجه التخلف والصراعات الطائفية، غير المبررة الموجودة في العالم اليوم، فقد كنا نسمع عن شعوب، فأصبحنا نسمع عن مكونات، وعن مصطلحاتٍ كثيرة، كنا، في الحقيقة، في غنى عنها. هناك نواحي تخلف كبيرة جداً، بدأت تظهر في العالم العربي، ولو استطاعت وزارات الثقافة أن تشكل سداً منيعاً، وسعت إلى نشر الثقافة العربية الحقة، لاستطعنا أن نواجه مظاهر التخلف والتردي التي تسود في المنطقة.