آخر ما كان يتوقعه وزير الاقتصاد اللبناني، راؤول نعمة، هو أن يطل فيروس عالمي على البلد، ليعيد خلط جميع الأوراق وتصبح مواجهة تداعياته على الاقتصاد أولوية في لبنان المثقل بالديون، وهو ما يتحدث عنه في مقابلة مع "العربي الجديد".
وإلى نص المقابلة:
كيف تنظرون إلى تداعيات فيروس كورونا الجديد الذي أطل على لبنان المثقل في الأساس بالأزمات؟
في الحقيقة كان آخر ما نتوقعه أن يطل فيروس عالمي برأسه، ويعيد خلط جميع الأوراق والخطط، مواجهة أضرار الوباء أولوية الآن وتتقدم على باقي الملفات.
ندرك جيداً الظروف الصعبة التي يمرّ بها الشعب اللبناني، الذي بات أمام قلق صحي من وباء عالمي يحتّم البقاء في المنزل للحدّ من انتشاره والوقاية منه، وخوفٍ مادي من خسارة وظيفته وأعماله ومدخوله، من هنا لجأت الحكومة التي تمرّ بدورها بأزمة مالية حادّة الى الطلب من مصرف لبنان فتح حساب لتلقي الهبات، يخصص للمساعدات الاجتماعية.
كما تقرّر أن توزّع مساعدات اجتماعية للمواطنين الذين تعطلت أعمالهم وفقدوا وسيلة تحصيل رزقهم، وسيتم توزيع مساعدات غذائية في مختلف المناطق عبر البلديات أو الهيئة العليا للإغاثة أو بمساعدة متبرعين محليين، وقد نطلب أيضاً مساعدات من الخارج ودعم دول صديقة في العالم العربي وصندوق النقد الدولي.
وماذا عن شركات القطاع الخاص التي قد تتعرض لخسائر فادحة حال امتداد النطاق الزمني لأزمة كورونا؟
لا ننكر أن القطاع الخاص في خطر، والشركات الخاصة تحارب رغم ضعفها كي تبقى على ساحة الأعمال وتحافظ على رزق يعتاش منه آلاف الموظفين، لكن الحكومة ليست لديها القدرة المالية على تعويض الخسائر التي ارتفعت نسبتها مع بدء انتشار وباء كورونا وتفاقمت يوم إعلان التعبئة العامة، الأحد الماضي، حتى 29 مارس/آذار الجاري، وهي مهلة يبقى تجديدها رهن التطوّرات التي للأسف لا تبشر بالخير تبعاً لأرقام وزارة الصحة في اليومين الماضيين.
وبالنسبة للشركات هناك اقتراحات كثيرة يتمّ عرضها للنقاش، حيث إنّ الحكومة تبحث في تقديم بدائل عن الدعم النقدي، من خلال إجراءات تمكن الشركات من تجاوز هذه الفترة العصيبة مثل وقف المهل أو تمديدها وتسهيلات مرتبطة بالضرائب وتلقينا في هذا الصدد اقتراحات نحن بطور درسها قبل أن يعلن مجلس الوزراء رسمياً عن القرارات التي سيتخذها.
هل هناك مطالب تقدمت بها الشركات لتجاوز هذه المرحلة؟
هناك مطالب تقدمت بها جمعية تجار بيروت، منها تمديد فترة سماح سداد أقساط المؤسسات الشهرية للمصارف لفترة لا تقل عن ستة أشهر، وإلغاء كافة الضرائب المستحقة لفترة ستة أشهر ومنها فواتير الكهرباء والهاتف والمياه، وضريبة الدخل ورسوم البلدية، والسماح للمؤسسات بتعليق عقود عمل الموظفين لفترة موقتة، وإعفاء المؤسسات من سداد ايجار أماكن العمل لمدة 6 أشهر.
كما حملت نقابة أصحاب المطاعم والمقاهي والملاهي والباتيسري في لبنان مطالبها الى الحكومة بعدما قدرت قيمة الخسائر في القطاع السياحي بما لا يقلّ عن 500 مليون دولار أميركي شهريا، وناشدت حاكم مصرف لبنان رياض سلامة إصدار قرار فوري بتجميد كافة استحقاقات القروض المدعومة وغير المدعومة، وتأجيل تواريخ الاستحقاق.
وماذا عن وضع الديون الخارجية في ظل هذه التطورات؟
لبنان يحتاج إلى تنفيذ خطة نقدية اقتصادية مالية شاملة ترتكز على الإصلاحات التي تعيد ثقة الدائنين وحاملي اليوروبوند بالدولة وتعيدنا الى السكة الصحيحة.
وعلى القطاع المصرفي أن يلجأ الى إعادة هيكلة الدين مع إقرار آلية "كابيتال كونترول" بما يساهم في ضخّ أموال جديدة إلى البلد، وهذه عوامل أساسية لاستعادة الثقة بالدولة والقطاع المصرفي الذي يلعب دوراً أساسياً في تنمية الاقتصاد.
وتجربة لبنان يجب أن تكون شبيهة بتجارب دول استطاعت أن تخرج من أزمتها باتباع إجراءات وإصلاحات حقيقية وجدية. والمصارف اللبنانية مقبلة خلال الأيام المقبلة على أزمة جديدة مرتبطة بالعملة الصعبة، إذ لن تصل الدولارات الكاش إليها على اعتبار أن مطار لبنان مقفل وكذلك أكثرية مطارات العالم ولا سيما جنيف، على اعتبار أن البنوك اللبنانية تحصل على أموالها من سويسرا.
الأزمة لا تقتصر فقط على لبنان حيث بدأت كبرى الدول تلجأ الى وضع قيود على السحوبات اليومية للمودعين وسقوف محددة مثل الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا.
هل ترى أنه في ظل هذه الظروف من الممكن أن نشهد إفلاس بعض المصارف أو عمليات اندماج؟
الاحتمالات كلها مطروحة والأزمة التي يعيشها لبنان اليوم تعاني منها دول العالم وخصوصاً مع ظهور وباء كورونا الذي قضى على اقتصاد العالم.
أما قرار دمج المصارف فهو يعود لمصرف لبنان لا للحكومة اللبنانية ومن الممكن اعتماده في المستقبل إذا كانت هذه الخطوة من شأنها أن تحقق أرباحاً أو تخرج البنوك من الخسائر التي تلحقها.