ورطة الإليزيه... تصاعد إضراب النقابات رفضاً لتعديلات التقاعد

باريس

محمد المزديوي

avata
محمد المزديوي
18 ديسمبر 2019
BCD5DC11-55B2-4286-A39B-2DBCDB5F9BDD
+ الخط -

 

دخلت الأزمة القائمة بين الحكومة الفرنسية، التي تتمسك بتعديلات على نظام التقاعد، والنقابات العمالية الرافضة لهذه التعديلات، منعطفا جديداً، بخروج تظاهرات حاشدة، بجانب إضراب النقل، الذي يضيف المزيد من المتاعب للعديد من القطاعات، التي تئن منذ أكثر من عام بسبب احتجاجات أصحاب "السترات الصفراء" المتكررة في البلد الأوروبي، الذي يعاني من صعوبات اقتصادية، ما يزيد من ورطة قصر الإليزيه في مواجهة الاحتجاجات الاجتماعية المتصاعدة.

واتسعت دائرة الشلل في قطاع النقل، لتطاول حركة الطيران، بعد انضمام المراقبين الجويين للإضراب، وسط غموض حول مصير المسافرين الذين حجزوا رحلات خلال عطلة عيد الميلاد، التي تحل بعد نحو أسبوع، بينما كان القلق منحصرا خلال الأيام الماضية في حركة النقل عبر السكك الحديدية وقطارات الأنفاق وحافلات النقل المشترك وعربات الترام.

وأدى الإضراب إلى شلل تام في حركة المواصلات لا سيما في العاصمة باريس والمدن الكبرى، وحدوث اضطرابات كبيرة في الكثير من القطاعات مثل الصحة والتعليم، حيث تقرر تأجيل امتحانات نهاية العام للجامعات، نتيجة الأزمة الحالية.

وأدخلت التعديلات المقترحة على نظام التقاعد، فرنسا في وضعية بالغة التوتر والاحتقان، مع اقتراب أعياد الميلاد وأعياد رأس السنة، بينما يواجه الرئيس إيمانويل ماكرون وحكومته صعوبات كبيرة في إقناع الفرنسيين ونقاباتهم بجدوى تعديلات تعثرت في تنفيذها كل الحكومات المتعاقبة.

ويأمل المعارضون الأكثر تشدداً للمشروع في إطالة أمد حراكهم وشل البلاد كما حصل في ديسمبر/كانون الأول 1995 حين عطلت الاحتجاجات ضد إصلاحات النظام التقاعدي وسائل النقل المشترك لثلاثة أسابيع وأرغمت الحكومة على التراجع.

لكن الحكومة تحاول كسر الاحتضان الذي يعبر عنه الفرنسيون لإضراب النقابات، بأن تُظهر النقابات وكأنها السبب الرئيس في معاناة المواطنين من أجل الوصول إلى أماكن عملهم، بل وحتى في فترة الأعياد، وهو ما يعبر عنه مختلف المسؤولين الحكوميين بطلب "هدنة" من النقابات.

ودعا رئيس الوزراء إدوار فيليب، يوم الإثنين الماضي، الاتحادات ونقابات والعمال إلى "اجتماعات عمل" الأربعاء، يعقبها اجتماع مشترك الخميس. كما عرض بحث مشروع تعديل النظام التقاعدي مع مسؤولي "الشركة الوطنية لسكك الحديد" و"الهيئة المستقلة للنقل في باريس" اللتين ينفذ عمالهما إضرابا رفضا للتعديلات الحكومية.

لكن ثمة شكوك في جدية الحكومة في الاستجابة لمطالب النقابات، حيث لم يبد ماكرون أي نية للتراجع عن مشروع يعتبره "إصلاحا تاريخيا". ورغم الاستياء الذي طاول مستخدمي وسائل النقل العام، إلا أن استطلاعاً للرأي أجرته هاريس إنتر أكتيف وأر تي ال، ونشر الاثنين الماضي، أظهر أن 68 في المائة من الفرنسيين يدعمون الإضراب.

وتعترض النقابات على اقتراح الحكومة، رفع سن التقاعد الكامل إلى 64 عاماً، مع ترك عمر 62، عمراً قانونياً للتقاعد. غير أن هذا الطرح يترتب عليه احتمال أن يكون الراتب التقاعدي عند سن 62 عاماً غير كامل، وهنا يختار العامل أو الموظف بين العمر القانوني والعمر الكامل، ما اعتبرته النقابات نوعاً من إكراه الفرنسيين على العمل أكثر، أي ما بعد العمر القانوني للتقاعد.

وحاول رئيس الوزراء، تهدئة الغاضبين، يوم الأربعاء الماضي، حين قال إن "الجميع سيكون رابحاً" بفضل هذا التعديل. لكن ما إن كشف عن تفاصيل المشروع، حتى توسع الحراك النقابي، حيث قال إن النظام الجديد لن يشمل الفرنسيين الذين ولدوا قبل عام 1975، ما يعد تمييزا وفق النقابات.

ومن بين أبرز تفاصيل مشروع تعديل نظام التقاعد، إنهاء "أنظمة التقاعد الخاصة" التي يبلغ عددها 42 نظاما، ودخول النظام الجديد وهو "نظام شامل" حيز التطبيق في عام 2022، فضلا عن منح 1000 يورو كمعاش أدنى لجميع المتقاعدين.

وسيرتكز نظام التقاعد الجديد، حسب رئيس الحكومة، على نظام "النقاط"، مشيرا إلى أن كل ساعة من العمل يقوم بها شخص ما سيتم احتسابها بالنقاط، وذلك خلافا لما كان معمولا به في النظام السابق. وقيمة "النقطة" سيتم تحديدها من قبل الشركاء الاجتماعيين (النقابات العمالية والجمعيات التي تمثل أرباب العمل)، وفق النظام المقترح.

ويزداد تعقد الموقف، بعد أن استقال مهندس مشروع تعديل أنظمة التقاعد، جان بول دولوفوا، وسط شبهات بتضارب المصالح، لعمله لصالح عدة جهات منها مؤسسات في قطاع التأمين. وكان قد أصبح متعذّرا على دولوفوا البقاء في منصبه بعدما تبيّن أنه أغفل التصريح عن توليه مناصب في شركات خاصة بموازاة رئاسة المفوضية العليا لأنظمة التقاعد.

بينما قال دولوفوا في رسالة استقالته، إنه كان "ضحية لهجمات عنيفة وخَلط كاذب"، وبرر استقالته بأن "بقاءه في الحكومة سيُضعف هذا المشروع الأساسي لفرنسا".

وفي ظل هذه التطورات توعدت النقابات بمواصلة التصعيد حتى إجبار الرئيس الفرنسي على التخلي عن مشروعه الذي يؤكدون أنه يدفع الملايين إلى إرجاء تقاعدهم. ويعتمد الساخطون، على تراجع شعبية ماكرون، إلى ما دون الـ30 في المائة، وفق آخر استطلاع للرأي. ويرى محللون أن فرنسا تعيش اليوم أزمة كبيرة قد تقودها إلى أزمة 1968 التي رحل على إثرها الرئيس شارل ديغول.

وأكد لوران بيرجيه، أمين عام الكونفدرالية الديمقراطية الفرنسية للعمل (سي اف دي تيه) أن "الحكومة ترتكب خطأ فادحا في موضوع العدالة الاجتماعية وخطأ سياسيا إذا قررت التعنت".

ورغم تأييدها إصلاح أنظمة التقاعد، تعتبر هذه النقابة أن الحكومة تخطّت الخط الأحمر بتحديدها سن التقاعد الكامل عند 64 عاما. ودعا بيرجيه قطاعات النقل إلى تعليق الإضرابات في فترة عيد الميلاد.

إلا أن أمين عام "الكونفدرالية العامة للعمل" (سي جي تي) فيليب مارتينيز أكد أن التحركات ستستمر ما لم يتم سحب مشروع تعديل أنظمة التقاعد.

وبعد انضمام المراقبين الجويين، أمس، للإضراب طلبت الإدارة العامة للطيران المدني من شركات الطيران تخفيض عدد رحلاتها 20 بالمائة من وإلى مطار أورلي الواقع في ضواحي باريس، والذي يعتبر ثاني أكبر مطار في فرنسا.

كما أعلنت شركة "إير فرانس" أنها تتوقع تسيير كل رحلاتها الطويلة ونحو 80 بالمئة من الرحلات الداخلية من وإلى مطار أورلي. لكن الشركة أوضحت على موقعها الإلكتروني أنه "لا يمكن استبعاد حصول تأخير أو إلغاء رحلات في اللحظات الأخيرة".

ويتخوّف التجار وأصحاب الفنادق والمطاعم من تواصل الإضرابات مما يؤثر على مداخيلهم ويؤدي إلى تراجع عدد الزبائن، فيما تقول هيئات القطاع السياحي إن حجم الأعمال تراجع ما بين 25 و60 بالمائة مقارنة مع العام الفائت في الفترة التي تسبق الأعياد التي عادة ما تكون الأكثر ازدهارا.

ويتزايد تصعيد المضربين يوما تلو الآخر، فقد تم إغلاق 8 خطوط للمترو، ونحو 20 محطة، إلى جانب خطوط أخرى تعمل على فترات متقطعة يوم الإثنين الماضي. كما تسببت الازدحامات المرورية التي امتدت على طول نحو 630 كيلومترا إرباكا شديدا لحركات السير في العاصمة باريس ومحيطها في ذلك اليوم. كما أضرب، 61% من مشغلي القطارات العاملين لصالح شركة السكك الحديدية الوطنية المملوكة للدولة.

وتشهد فرنسا، منذ نحو عام، احتجاجات عمالية اعتراضا على إجراءات حكومية، أبرزها حراك "السترات الصفراء"، الذي ينظم مسيراته أيام السبت من كل أسبوع.

والمزيد من الإضرابات سيدفع نحو تكبد الاقتصاد خسائر مضاعفة. واتسع عجز الميزانية إلى 67.2 مليار يورو (75.6 مليار دولار) بنهاية إبريل/نيسان الماضي، من 54.3 مليار يورو قبل عام، وفقاً لبيانات رسمية صادرة في يونيو/حزيران الماضي.

وفي ديسمبر/كانون الأول الماضي، قال رئيس الوزراء، إن عجز الميزانية سيتجاوز على الأرجح حد الـ 3 في المائة من  إجمالي الناتج المحلي المتفق عليه في الاتحاد الأوروبي، متوقعاً أن يسجل نحو 3.2 بالمائة العام المقبل.

وكان الرئيس الفرنسي، قدم تنازلات للمحتجين من أصحاب "السترات الصفراء نهاية 2018، مما تسبب في عجز بالميزانية قدره 10 مليارات يورو، حيث أعلن عن زيادة الحد الأدنى للأجور وخفض الضرائب على معظم المتقاعدين. وقبل تلك الإجراءات كانت التوقعات تشير إلى عجز في الميزانية بنسبة 2.8 بالمائة في 2019.

ذات صلة

الصورة
معرض يورونيفال في فرنسا، 27 أكتوبر 2008 (Getty)

سياسة

بعد منع فرنسا مشاركة الشركات الإسرائيلية في معرض الأسلحة يوروساتوري، ها هي تمنع الآن أيضاً مشاركة إسرائيل في معرض يورونافال.
الصورة
امرأة في منطقة الصحراء، 3 فبراير 2017 (Getty)

سياسة

دخلت العلاقات بين فرنسا والجزائر في أزمة بعد إعلان فرنسا دعمها مخطط الحكم الذاتي الذي قدمه المغرب بشأن الصحراء وهو ما قد لا يساعد في حل القضية.
الصورة
إضراب في نابلس شمالي الضفة حداداً على هنية 31/7/2024 (زين جعفر/فرانس برس)

سياسة

عم الإضراب الشامل محافظات الضفة الغربية والقدس المحتلة، تنديدا باغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في غارة على مقر إقامته في طهران.
الصورة
تنظيم داعش/فرنسا

سياسة

رفعت فرنسا، أول من أمس الأحد، مستوى التأهب الأمني إلى الدرجة القصوى، وذلك في أعقاب هجوم موسكو الدموي الذي تبناه تنظيم "داعش"، مستعيدة تهديدات عدة للتنظيم.
المساهمون