ورشة لإعادة تأسيس أمن أوروبا في مواجهة "داعش"

27 مارس 2016
يرغب البعض في توحيد الملفات الأمنية (آدم بري/Getty)
+ الخط -
أعادت تفجيرات بروكسل، الثلاثاء الماضي، الحديث عن أسباب الإخفاقات والثغرات الأمنية في أوروبا، فضلاً عن قوة الاختراق التي تتمتع بها الخلايا الإرهابية، لا سيما أن تقارير غربية كانت قد كشفت عن وثائق مسرّبة تظهر أن تنظيم "الدولة الاسلامية" (داعش)، بصدد تنفيذ عدد من الهجمات، في وقت يعقد فيه مسؤولو الاتحاد اجتماعات لتعزيز وتطوير منظومة الأمن الأوروبية، إذ من المفترض أن يتم اعتماد مقترحات عملية، من شأنها إعادة تنظيم الهيكل الأمني الأوروبي، بعيداً عن إلقاء الاتهامات والاتهامات المضادة.


وانطلاقاً من هذا الواقع، بات واضحاً أن الأولوية منصبة في سبيل اتخاذ تدابير عاجلة لاستباق المخططات الإرهابية، وبعدما بيّنت المعلومات أن أكثر من 120 انتحارياً تمّ إعدادهم وتدريبهم لهذه المهمة، وهم يتوزعون على عدد من عواصم الدول الأوروبية، منها فرنسا وألمانيا وبلجيكا وإسبانيا.

في هذا الإطار، يُشدّد خبراء بالأمن الأوروبي على أهمية إنشاء ملف يحتوي على قائمة بالأشخاص الموضوعين تحت شبهة الإرهاب، والسماح لـ"اليوروبول" (وكالة تطبيق القانون الأوروبية، وظيفتها حفظ الأمن في أوروبا عن طريق تقديم الدعم للدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي في مجالات مكافحة الجرائم الدولية الكبيرة والإرهاب) بالوصول الى المعلومات بشكل تلقائي، فضلاً عن اعتماد نظام تقييم أوروبي منفصل لتّتبع المصادر المالية للإرهاب.

كما يدعو الخبراء إلى رفع مستوى التعاون، وربط تبادل المعلومات والبيانات التي ترصدها الأجهزة والدوائر المعنية بتسجيل إقامات الأجانب، والإفصاح عما لديهم من بيانات من أجل المساعدة في عمليات الرصد والمراقبة لحماية ومكافحة خطر الجريمة والإرهاب، وهو ما كان قد طالب به وزير الداخلية الألماني توماس دي ميزيير.

كذلك، يرى عدد من المراقبين أن هناك حاجة للعمل على دعم مؤسسات الأمن، معتبرين أن هناك الكثير من المسؤولين الأوروبيين مّمن لا يزالون غير واعين لخطورة ما يحدث في أوروبا التي تجتاحها موجة من الإرهاب، في غياب أي خطوات عملية لافتة، باستثناء التصريحات المطالبة بتعزيز الأمن المشترك، كتلك الصادرة عن وزير الداخلية الفرنسي برنار كازنوف، التي أكد فيها على ضرورة المراجعة المنهجية لنظام "شينغن"، مطالباً البرلمان الأوروبي بـ"الإسراع في تبنّي اعتماد سجلّ أسماء الركاب"، الذي بات أساسياً في عملية مكافحة الارهاب.

اقرأ أيضاً بروكسل: اعتقال 7 وكيري يعرض المساعدة

وكان رئيس نقابة الشرطة في ألمانيا أوليفر مالخوف، قد حثّ دول الاتحاد الأوروبي، على اعتماد استراتيجية مشتركة ضد الإرهاب، وقال: "على الدول الأعضاء أن تقتنع بأنه علينا اعتماد سياسة قضائية وأمنية مشتركة وتعاون استخباري وتبادل صريح للمعلومات بشكل أفضل لحماية مواطنينا".

مع العلم أن رئيس الشرطة المحلية في ولاية بافاريا، فيلهلم شيمدباور، كان قد ذكر أخيراً أن المتهم صلاح عبد السلام، أحد مدبّري اعتداءات باريس كان قد قضى بصحبة شخصين آخرين ليلة في شهر سبتمبر/أيلول الماضي في الولاية الألمانية. وكان وزير داخلية الولاية يواخيم هيرمان، قد طالب في تصريح لصحيفة "مونشنر ميركور"، بإنشاء نظام لتسجيل القادمين إلى أوروبا والمغادرين منها. وأضاف قائلاً إن "هذا الأمر بديهي في الولايات المتحدة، أما نحن في أوروبا فرؤيتنا محدودة، ولن يكون ذلك عن طريق حل سحري. لكن إذا أردنا رفع مستوى الأمن في بلادنا، فإن هذه الخطوة ضرورية للغاية".

من جهتهم، اعتبر مسؤولون آخرون أنه لا بدّ من مراقبة الواصلين عبر الحدود الخارجية، خصوصاً أن هناك أنواعاً من التجارة، التي من الممكن أن تتحوّل إلى أموال نقدية، والتي عادة ما يتم نقلها في الخفاء، ومنها المعادن الثمينة والأعمال الفنية والمواد الممنوعة، ليُصار إلى اعتماد نهج يُمكن بنتيجته الوصول إلى حال أكثر آمناً في أوروبا.

في هذا السياق، قدّم خبراء أوروبيون المشورة للاتحاد الأوروبي لاعتماد مقترح يقضي باعتماد 3000 وظيفة جديدة في الشرطة الاتحادية، بهدف تعزيز أمن المطارات، على أن تستتبع بتأمين أعداد إضافية لحماية الحدود وأمن الطيران والجمارك.

ويؤكد مراقبون أن هجمات بروكسل دليل آخر على أنه لا بديل من تعاون أوثق بين دول الاتحاد الأوروبي، عدا عن المطالبة بزيادة الاعتمادات المخصصة لأجهزة الشرطة وعمليات التدريب الخاصة وتحديث منظومة المعلومات، لتتمكن الأجهزة المعنية من درء الخطر قبل حصوله. ويعتبر خبراء أن "تنفيذ الاعتداءات كان نتيجة تقصير أجهزة الشرطة، إذ إنه كيف يمكن لإرهابيين القيام بها، رغم علم السلطات المسبق بوجودهم، وهي في حالة تأهب أساساً، وبعضهم مشتبه بهم بالتورط بتفجيرات فرنسا. أي أن تلك الخلية كانت مكشوفة لأجهزة الأمن".

وبعد التفجيرات التي ضربتها، أصبحت بروكسل محط أنظار المراقبين الذين يعتبر بعضهم أنها أصبحت الخاصرة الأضعف لأوروبا، كون أجهزة الأمن فيها لا تتمتع بالقدرات الكافية، ولا يتجاوز عديدها الألف عنصر من الاستخبارات الداخلية و600 من الاستخبارات الخارجية، في وقتٍ تُشير فيه تقارير أمنية إلى وجود أكثر من 8900 متطرف في دول الاتحاد الأوروبي. وتعتبر بروكسل نقطة الانطلاق الأولى لتلك المجموعات. ودفع هذا الوضع مفوّض الاتحاد الأوروبي غونتر أوتينغر، للقول لصحيفة "بيلد" الألمانية"، إنه "لا يوجد سوى في بروكسل وكالات مختلفة عدة للشرطة، التي لا تتعاون بما فيه الكفاية، وهذا لا يمكن أن يستمر".

وما يجب التوقف عنده هو أن الخلايا الموجودة في بروكسل، قد اختبرت أجهزة الأمن وأصبحت على معرفة بطريقة عملها، لكون أعضائها من أصحاب السوابق، ويملكون ملفات جنائية. قبل أن يتحوّل هؤلاء فيما بعد للمشاركة بالتحضير لاعتداءاتٍ، نتيجة انغماسهم مع مجموعات كمجموعة فؤاد بلقاسم، المتهمة بتجنيد شبان وإرسالهم للقتال في سورية، ومنهم من تمّ تجنيدهم داخل السجون، خصوصاً أنه لا يتم عزل المساجين المتورطين في جرائم بسيطة، عن أولئك المتهمين بالتخطيط لعمليات لها طابع جرمي.

ويعزو الكثيرون سبب التقصير الأمني إلى عدم وجود ضوابط للعمل المشترك، على الرغم من التعاون الاقتصادي الأوروبي الناجح، انطلاقاً من أن بعض الدول لا تبدي رغبة بالتعاون في نظام المعلومات. بالتالي فإنها تودّ الاحتفاظ بالبيانات الخاصة لديها، خشية من إساءة استخدام البيانات، ما قد يؤثر على الحرية الفردية وانتهاكات حقوق الإنسان.

وعن الخوف من تحوّل أوروبا إلى أرض مواجهة، يرى المطلعون أنه بنتيجة الانتكاسات التي يتعرض لها "داعش" في سورية والعراق، بات من المرجّح أن يعمد إلى تنفيذ المزيد من الهجمات في أوروبا وأميركا، ونقل الحرب إلى "عالم الكفار" حسب دعاية التنظيم، التي يعتمدها وهو يغري المتطرفين بنشر الرعب في أوروبا، من خلال تنفيذ أهداف إرهابية سهلة.

ويضاف إلى ذلك الخسائر التي تعرّض لها التنظيم في الفترة الأخيرة، والتي أدت إلى تراجع الروح المعنوية في صفوف عناصره، بعدما فقد أكثر من 21 ألف كيلومتر مربّع في العراق، أي حوالي 40 في المائة من الأراضي التي استولى عليها سابقاً. كما خسر في سورية حوالي 10 في المائة بحسب ما أعلن الجيش الأميركي.

اقرأ أيضاً: الإرهاب ينقضّ على العواصم الأوروبية

المساهمون