لا تزال صناعة الخزف، التي تعود لقرون خلت، محل اهتمام متزايد لفنانين وحرفيين في تونس، سعوا جاهدين إلى تقديم إضافات تقنية لهذا الفن، مستفيدين من تطور نمط الحياة لدى التونسيين.
وشهد قطاع الخزف في تونس خلال العشر سنوات الأخيرة نهضة كبيرة، ترجع إلى تطوّر قطاع البناء، حيث أعطاه نفسًا جديدًا وقويًا، ومعه برَزَت عدّة ورش صناعيّة لإنتاج الخزف.
ورشة "رموز" الواقعة في حي الدندان، غربي العاصمة تونس، تبدو للوهلة الأولى أشبه بعلبة كبريت، فمساحتها لا تتجاوز 10 أمتار مربعة، لكن طموح القائمين عليها جعل منها قبلة لمحبي هذه الصناعة، وكذلك الحرفيين، نظرا لخدماتها عالية الجودة، كما يراها المرتادون.
وقبل الدخول إلى الورشة، يشد انتباه أي زائر عدد من التحف والمنتوجات المتنوعة التي تزين واجهة المحل، حيث تختلف كل قطعة عن الأخرى، ولا تشبهها إلا في مادتها الأولية التي صُنعت منها.
وبعد دخولك إلى الورشة، ستجد كل حرفي قد اتخذ من أحد أركان الورشة مستقرا، وانكب على عمله في تركيز واهتمام، حيث تراهم وكأن على رؤوسهم الطير، في حالة من الصمت المعزز لتلك الحالة، والذي لا يقطعه بين الفينة والأخرى سوى صوت صاحبة المشروع وهي تقدم بعض التوجيهات إلى أي منهم.
وسام حمامي النابلي (39 عاما)، صاحبة المشروع، هي إحدى خريجات المعهد الأعلى للفنون الجميلة بتونس، قالت لوكالة الأناضول: "اشتغال والدي في مجال الفسيفساء شكل حافزا لي لإنشاء مشروع، كانت لبنته الأولى إنتاج بعض القطع التي شاركت بها في عدد من المعارض المتخصصة في الصناعات التقليدية، قبل أن تتحول إلى ورشة لصناعة الخزف أمام الإقبال اللافت لمحبي هذه المنتجات".
وتابعت النابلي: "مشروعي يعتمد أساسا على إنتاج مواد التزويق (التجميل) وأواني الفخار، في شكل رموز من بينها الخمسة (كف اليد) والحوتة (السمكة) والجمل، وجميع هذه المنتجات مستوحاة من التراث التقليدي برؤية فنية جديدة مواكبة لتطور العصر، ومادة صناعتها الأساسية، الطين".
وقطع التزويق يمر إنتاجها بعدة مراحل، أولها إخراج الطين في شكل قوالب بعد أن يتم تجفيفه كليا، ثم يتم إدخاله إلى الفرن الكهربائي في درجة حرارة تناهز الألف درجة، يلي ذلك طلاؤها بألوان خاصة بالخزف، ثم تعود مرة أخرى إلى الفرن.
وإضافة إلى ما سبق، تنتج الورشة تحفا ومزهريات ولوحات خزفية وأشكالا مختلفة من حاملات المصابيح الكهربائية، وفقا لطلبات واختيارات وأذواق الزبائن، والتي ترتفع في المواسم السياحية والمناسبات والأعياد، لكنها تتراجع في الأيام العادية، وفق النابلي.
وبحسب صاحبة المشروع، فإن إدخال الأفران الكهربائية إلى ميدان العمل عوضا عن الأفران التقليدية، ساعد كثيرا على إنجاز أعمال كانت تستغرق وقتا طويلا.
التطور شمل اعتماد الأفران الكهربائية بديلا للأفران التقليدية، إضافة إلى إدخال طرق جديدة في الزينة والألوان المستعملة في الطلاء، وخاصة في الرموز التي تتشكل منها قطعة الخزف.
وصدّرت ورشة "رموز" منتجاتها إلى دول أوروبية عديدة، من بينها ألمانيا وفرنسا وإيطاليا، إلا أن الأوضاع الأخيرة التي شهدتها البلاد بعد الثورة أثرت على المشروع، وتسببت في تراجع الطلب على منتجات الورشة، بحسب النابلي.
وأبدت صاحبة الورشة تخوفها من أن تتفاقم الأزمة التي يعانيها قطاع صناعة الخزف والصناعات التقليدية، وتؤدي بالعديد من العاملين فيها إلى البطالة، ومن ثم الهجرة إلى أنشطة أخرى.
وأشارت النابلي إلى أن المنتوجات التونسية تحظى بإقبال كبير عليها في الخارج، عندما تكون ذات جودة عالية، مضيفة: "منتجاتنا قادرة على منافسة منتجات دول أخرى، إلا أنها تحتاج إلى دعم الدولة، حيث يجب عليها أن تساند الحرفيين كي لا تتأثر منتجاتهم وتجارتهم بالأوضاع السياسية التي تمر بها البلاد".
اقرأ أيضاً: أبواب تونس شاهدة على تاريخها
ووفق المتحدثة، فإن "الأوضاع السياسية أثرت على القطاع حيث تراجعت نسب الإقبال على منتوجها وركدت بضاعتها".
أما عن الدعم الذي تطالب به الدولة، فطالبت المتحدثة بـ"دعم مادي، وذلك بتقديم حوافز مادية لأصحاب المشاريع ودعم لوجيستي لضمان استمرارية المشروع".
وتتميز بعض المدن التونسية بتلك الصناعة، ومنها محافظة مدنين (جنوب) وخاصة منطقة "قلالة" المشهورة في المحافظة، وكذلك محافظة نابل (شرق)، حيث تكثر مصانع الخزف الكبيرة ومحلات تزويق وصناعة الخزف الصغيرة، ومحلات بيع هذه المنتجات التقليدية.
وتستعمل أغلب التحف التي تنتجها الورشة في المنازل للزينة والديكور، ويتراوح ثمن القطعة بين دولار واحد إلى خمسين دولارا، وفقا للنابلي.
وتساهم الصناعات التقليدية بنسبة تفوق 4 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي لتونس.
ويوفر هذا القطاع أكثر من 400 ألف فرصة عمل، ويتوزع على 76 اختصاصا ضمن 1200 مؤسسة حرفية بالبلاد، ويرتبط قطاع الصناعات التقليدية ارتباطا وثيقا بالحركة السياسية التي تتأثر بالأوضاع الأمنية والسياسية.