وجع سوري في "عناية مشدّدة"

16 أكتوبر 2014
مشهد من "عناية مشدّدة" (العربي الجديد)
+ الخط -

لم تتوقف الدراما السورية عن مقاربة التطورات الدراماتيكية التي تحدث في بلادها منذ أكثر من ثلاث سنوات. لكنّها اكتفت بتقديم مقاربات اقتصادية واجتماعية لما يحدث، متجنّبة قدر الإمكان الخوض في غمار قضايا سياسية تتعلق مباشرة، أو نقل وقائع عسكرية. فظلّت بذلك ملتزمة باشتراطات اللعبة الفنيّة من جهة وحدود المسموح رقابياً واجتماعياً من جهة أخرى. وقدّمت خطاباً درامياً على مدار أربعة مواسم، قد نختلف على تفاصيله ودرجة انحيازه إلى طرف دون آخر من أطراف الصراع، لكنّه يبقى في الظاهر على الأقل خطاباً جامعاً. اليوم ونحن على أعتاب الموسم الدرامي الخامس، نتساءل ما الذي يمكن للدراما السورية تقديمه من دون أن يبدو مكرّراً، ضمن اشتراطات الإنتاج ذاتها؟

من غير المرجّح أنْ تطالعنا دراما الحدث الساخن في سورية وخارجها باقتراحات درامية جديدة خارج التداعيات الاقتصادية والاجتماعية والنفسية للناس في ظل الحرب الدائرة في البلاد. وبالغالب، ستعمل الدراما على نبش المزيد من الوجع اليومي في سورية، الشخصي منه والعام، بوصفها مساحة تلامس الواقع من دون أن تعمّق الانقسامات الحاصلة فيه. يقول السيناريست علي وجيه الذي انتهى من كتابة سيناريو مسلسل في "عناية مشددة" في حديث إلى العربي الجديد:" إنّ وجع الناس لا يعرف موالياً ومعارضاً وحيادياً. أعتقد أنّ الألم مشترك لا ينكره أحد، ويوميات السوري تجاوزت بكثير التصنيفات والحسابات، والحكايات التي يمرّ بها اليوم أغرب من الخيال أحياناً. وهذا نبض "عناية مشددة".

شارك الفنان يامن الحجلي بتأليف المسلسل مع وجيه، وانتهى المخرج أحمد ابراهيم من تصويره مؤخراً في دمشق وأدى أدوار البطولة كل من عبّاس النوري، أيمن رضا، مهيار خضّور، يامن الحجلي، سليم صبري، فادي صبيح، رامز الأسود، أمانة والي، مرام علي، أندريه سكاف، علي كريم، محمد قنوع، مهنّد قطيش، غادة بشّور، نزار أبو حجر، عهد ديب، تولين البكري، حلا رجب، وسيم قزق، وآخرين.

بحسب السيناريست وجيه، تدور معظم أحداث مسلسل "عناية مشددة" في دمشق بين عاميْ 2013 – 2014، إضافةً إلى اللاذقية وبيروت. ويرصد العمل يوميات المواطن السوري في ظل التحوّلات الاجتماعية والاقتصادية الحادّة والأحداث الدامية التي تشهدها البلاد. ويحاول تقديم قراءة لمختلف البنى الآخذة بالتغيّر بشكل حاد في المجتمع السوري، من خلال مجموعة من الحكايا الاجتماعية والعلاقات المتشابكة وقصص الحب التي تمرّ بتحديات مختلفة".

ولكن إلى أي حد ما زالت الدراما قادرة على رصد انعكاسات ما يجري على الأرض دون مقاربات سياسية والاكتفاء برصد الجانب النفسي والاجتماعي؟ يجيب وجيه: "لا شكّ أنّ السياسة داخلة في كل تفصيل من حياة الشرق الأوسط اليوم. ربما يكون الاجتماعي والنفسي مدخلاً إلى السياسي. وفي "عناية مشددة" لا نتبنّى طرفاً سياسياً، وإنّما يهمّنا الإنسان. القراءة السياسيّة متروكة لأهلها بعد عرض المسلسل. الدراما تطرح أسئلة، وهذا أقصى ما يمكنها فعله".

وردّاً على ما سيقدّمه المسلسل من جديد درامي اعتن بالوجع ذاته وبتداعياته، قال وجيه: "لنترك كل ما يتعلّق بالطرح إلى ما بعد العرض".

لن يتأخر عرض "عناية مشددة" من خلال حديث جدي عن توجه الجهة المنتجة (قبنض للإنتاج الفني) لعرضه خارج الموسم الدرامي الرمضاني مطلع 2015. ومع عرضه لن يحسم فقط أي جديد يمكن أن يقدمه العمل، وإنّما سيحسم مدى قدرته على تجاوز التجاذبات السياسية الحاصلة اليوم في سورية بين مؤيد ومعارض وحيادي ورافض للطرفين، دون السقوط في هوة الاصطفاف السياسي.

المسألة هنا لن تتوقف على نوايا كتاب العمل فقط وإنما على طريقة تفكير المشاهد. فالجديد الطارئ الذي بات واقعاً بعد أربعة مواسم درامية، هو التغير في سيكولوجية المشاهدة السورية، حيث بات المشاهد يريد دراما على مقياس مواقفه، وبذلك بات هو رقيباً له خطوطه الحمر. ومع الانقسام الحاصل وتعدد المواقف، تعددت الخطوط الحمر التي تضاف بدورها إلى خطوط الرقيب الرسمي، فأي خطاب درامي بوسعه أن يستوعب كل تلك المتناقضات، يجمع الكل حوله؟

وفق المعلن، سيستبق عرض (عناية مشددة) الموسم الرمضاني، وهو الأمر الذي قد يمنحه فرصة المشاهدة الهادئة وربما الكثير من ردود الفعل الصاخبة، ولاسيما أن بطل العمل هذه المرة هي شخصية " أبو معتصم- الحزبي الانتهازي" (يؤديها الفنان عباس النوري)، وتناول انتهازيته من شأنه أن يثير، غير الانقسام السياسي الحاصل، انقساماً ثان، بين من قد يرى أنه الآن هو وقت محاسبة الفاسدين كمدخل للإصلاح  والتغيير، وبين من يرى أن تناول شخصية على هذا النحو من شأنها أن تمنح الأطراف المعارضة الحجة والبرهان على أسباب معارضتها.

بكل الأحوال لن نستبق العرض، ففي كثير من التفاصيل ما قد يحسم أجوبة عن أسئلة تثيرها العناوين العريضة للعمل، ولعل في تفاصيل الوجع الذي ستتناوله الدراما الاجتماعية (عناية مشددة) ما قد يرتقي إلى حد يجمع الناس حوله في زمن ازدادت أسباب فرقتهم.

المساهمون