قالت صحيفة "هآرتس"، اليوم الأحد، إنه عُثِر على وثيقة رسمية لحكومة الاحتلال الإسرائيلي، تفضح طرق التحايل التي مارستها في أوائل الثمانينيات، لمصادرة أراضٍ فلسطينية في الضفة الغربية وطرد أصحابها منها تحت ذرائع مختلفة.
وأوردت الصحيفة أن وثيقة رسمية، عُثِر عليها أخيراً، تبيّن أن رئيس حكومة الاحتلال الأسبق، أرئيل شارون، الذي شغل منصب وزير الزراعة في حكومة مناحيم بيغن الأولى، اقترح في جلسة رسمية للحكومة، في يوليو/ تموز 1971، إعلان مناطق فلسطينية جنوبي الخليل تابعة لبلدة يطا، على أنها مناطق نيران مخصصة للتدريبات العسكرية، ومنع أهاليها من الدخول إليها وطردهم منها لاحقاً. وبيّنت الوثيقة أن شارون قال لقادة الجيش إنه يفضّل أن يكون الجيش في هذه المناطق، وأن يستخدمها للتدريبات العسكرية، على أن يبقى فيها سكانها الفلسطينيون.
وبحسب "هآرتس"، فقد توجه شارون في الجلسة إلى ممثلي هيئة أركان الجيش، قائلاً: "نود أن نعرض عليكم مناطق تدريبات إضافية، ويجب إغلاق مناطق تدريبات على الحدود عند منحدرات جبال الخليل وبادية فلسطين".
وأضاف: "فهناك ظاهرة توسّع عرب القرى المجاورة في السفوح الشرقية لجبال الخليل، علينا التوسع وزيادة مساحة مناطق التدريبات هناك حتى نحتفظ بهذه المناطق، التي هي حيوية جداً، ويمكن أن نضيف لكم مناطق تدريبات واسعة، ولنا مصلحة بأن تكونوا هناك".
ولفتت الصحيفة إلى أن مَن عثر على الوثيقة، معهد "عكفوت" الإسرائيلي، الذي يهتم باستخراج وثائق رسمية مغمورة ومخبأة في الأرشيفات الإسرائيلية، تتصل بالصراع على الأرض وطرق سلب أراضٍ فلسطينية ومصادرتها لمصلحة المستوطنات.
ويأتي الكشف عن هذه الوثيقة في الوقت الذي يصارع فيه سكان من بلدة يطا الفلسطينية في المحكمة الإسرائيلية العليا ضد محاولات دولة الاحتلال لطردهم من أراضيهم كلياً. وقد أكد محامي "جمعية حقوق المواطن الإسرائيلية"، التي تمثل سكاناً فلسطينيين من يطا، أن خطوات دولة الاحتلال مناقضة كلياً للقانون الدولي. إذ لم توضع مصلحة السكان الأصليين في الأرض المحتلة في سلّم أولويات قوة الاحتلال، بل على العكس من ذلك، فإن "الإعلان عن مناطق تدريبات جاء لطردهم وإبعادهم عن أراضيهم بسبب مصالح وأطماع للحكومة"، وفق ما قال رئيس الجمعية الإسرائيلية المحامي داني يكير.
ولفتت الصحيفة إلى أن الأراضي التي أُعلِنَت مناطق تدريبات تعود لنحو ألف مواطن فلسطيني من نحو 12 قرية جنوب الخليل، أبرزها بلدة يطا. وقد أصدر جيش الاحتلال منذ عام 1999 أوامر للفلسطينيين بإخلاء بيوتهم وأراضيهم، بادعاء أنهم يسكنون ويعيشون في مناطق تدريبات عسكرية.
يأتي الكشف عن هذه الوثيقة في الوقت الذي يصارع فيه سكان من بلدة يطا الفلسطينية في المحكمة الإسرائيلية العليا ضد محاولات دولة الاحتلال طردهم من أراضيهم
وسبق لـ"العربي الجديد" أن نشر تقريراً في نوفمبر/ تشرين الثاني 2016، استناداً إلى كتاب سيرة عن شارون، كشف كل أساليب الأخير في الاستيلاء على أراضٍ فلسطينية في الضفة الغربية منذ الأيام الأولى للاحتلال عام 67.
الكتاب الذي وضعه محرر "هآرتس" السابق، دافيد لنداو، أوضح أن من أولى الخطوات التي قام بها شارون فور سقوط الضفة الغربية في أيدي إسرائيل، عندما كان مسؤولاً في جيش الاحتلال عن الكليات العسكرية، أمره بنقل جميع كليات الإرشاد والتدريب العسكرية إلى داخل الضفة الغربية المحتلة، ووضعها في ثكنات الجيش الأردني وقواعده، وذلك لسد الطريق أمام التخبطات في صفوف الحكومة الإسرائيلية بشأن مستقبل الضفة الغربية، بعيد صدور قرار مجلس الأمن الدولي رقم 242.
وأورد الكتاب أن شارون "تمكن خلال أشهر معدودة من نقل عدد غير قليل من قواعد التدريب التابعة للجيش الإسرائيلي: كلية سلاح المشاة، وكلية الهندسة العسكرية، وكلية الشرطة العسكرية، وجزء من كلية المدفعية، ومركز تدريب المجندين الجدد، إلى الضفة الغربية، مع رفد هذه القواعد والثكنات ببؤر استيطانية صغيرة، على شكل استيطان مدني لتوفير احتياجات القواعد العسكرية. وشكلت هذه الكليات والثكنات، لاحقاً، التي أقيمت في مواقع استراتيجية، نواة للمستوطنات الكبيرة التي أقيمت في قلب التجمعات الفلسطينية الكثيفة".
وقد استغل شارون يومها البند الذي يتيح في القانون الدولي للجيش المحتل، أن يصادر أراضي لأغراض عسكرية، لكنه ومعه الحكومة الإسرائيلية، جرى اللجوء إلى تجاوز ذلك. وأصبحت حكومة الاحتلال تتذرع بداية بأن الجماعات الاستيطانية، الصغيرة العدد، "هدفها توفير الخدمات الضرورية للجنود"، وهو التبرير الذي قبلت به المحاكم الإسرائيلية، لكنها سرعان ما بدأت تعلن صراحة أن هؤلاء المستوطنين جاؤوا ليبقوا، ولا سيما أن توزيعهم يأتي وفق القيود التي فرضتها المحكمة الإسرائيلية العليا، أي ألا يكون على أراضٍ خاصة، عبر تجاهل المحاكم الإسرائيلية، لدلالات القانون الدولي بهذا الشأن.