وثائق تكشف عن تعاون بريطانيا مع نظام القذافي لملاحقة معارضيه

09 نوفمبر 2017
توطدت علاقة القذافي ببريطانيا وأميركا بعد هجمات سبتمبر (Getty)
+ الخط -


كشفت صحيفة "ذا غارديان" البريطانية، في تحقيق نشرته اليوم، عن العلاقات التي ربطت أجهزة المخابرات البريطانية والأميركية بنظيرتها الليبية، في عهد الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي.

وبنت الصحيفة تحقيقها بشكل أساسي على الآلاف من الوثائق التي تم الحصول عليها من مكتب موسى كوسا، رئيس جهاز المخابرات الليبية (جهاز الأمن الخارجي)، في الفترة بين 1994-2009، إضافة إلى عدد من الوثائق التي تم الحصول عليها من بريطانيا ذاتها.

وتلقي هذه الوثائق الضوء على التقارب بين الولايات المتحدة وبريطانيا وليبيا بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول 2001، والتركيز الغربي على محاربة الإرهاب، حيث تكشف استغلال القذافي لهذا التحول لملاحقة معارضيه في المنفى.

كما تكشف هذه الوثائق عن قلق القذافي بعد سقوط نظام صدام حسين نتيجة الغزو الأميركي البريطاني وعرضه التعاون التام، وهو ما استغلته بريطانيا والولايات المتحدة لإقناع القذافي بالتخلي عن برامجه النووية والكيمائية.

وفي المقابل، حصلت أجهزة المخابرات التابعة للقذافي على مساعدة غير محدودة من قبل جهاز المخابرات المركزية الأميركي "سي آي إيه"، وأجهزة المخابرات البريطانية الداخلية "إم آي 5"، والخارجية "إم آي 6"، في ملاحقة واختطاف وتعذيب وقتل المعارضين لنظامه في بريطانيا وخارجها.

وبحسب الوثائق، فقد ساعدت المخابرات البريطانية والأميركية القذافي في اختطاف معارضين ليبيين، أحدهما من هونغ كونغ والآخر من بانكوك، وساهمتا في ترحيلهما إلى طرابلس مع زوجتيهما وأطفالهما. وتعرض كلاهما للتعذيب، واستُخرجت منهما أجوبة ومعلومات لصالح "إم آي 6".

كما قام جهاز "إم آي 5" بالتضييق على المعارضين الليبيين المقيمين في بريطانيا، وجرى اعتقال بعضهم من قبل الشرطة الليبية، كما حاولت الحكومة البريطانية ترحيل بعضهم إلى طرابلس. كما أن عناصر جهاز مخابرات القذافي جالت في شوارع لندن ومانشستر، تحت أعين المخابرات البريطانية، وتم التضييق على معارضي القذافي. كما أن المخابرات البريطانية سلمت لنظيرتها الليبية معلومات عن عناوين وأرقام هواتف وتفاصيل مكالمات المعارضين الليبيين، ما أدى إلى اعتقال وتهديد عوائلهم وأصدقائهم المقيمين في ليبيا.

وبعد صدمة هجمات الحادي عشر من سبتمبر، توصل مديرو أجهزة المخابرات الغربية إلى قناعة مفادها أن التعاون مع أجهزة مخابرات الدول الإسلامية ومنها الدكتاتوريات العربية أمر لا مفر منه لهزيمة تنظيم "القاعدة". وانطلاقاً من هذه النقطة، بدأ التقارب مع أجهزة مخابرات  القذافي.

إلى ذلك، تكشف الوثائق حالة الفزع التي أصابت القذافي بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر، لدعمه الهجمات الإرهابية التي طاولت مواطنين غربيين، كتفجيرات برلين عام 1986 وإسقاط الطائرة المدنية فوق قرية لوكربي الإسكتلندية عام 1988، والتي راح ضحيتها 270 شخصاً. وحاول جمع القادة العرب في قمة بهدف إدانة هجمات القاعدة قبل أن تقوم الولايات المتحدة بمهاجمة نظامه.

إلا أن اهتمام "سي آي إيه" باختراق صفوف الجماعة الإسلامية المقاتلة بليبيا، والتي كانت تحارب القذافي في شرقي ليبيا، وكان عدد من عناصرها من بين مقاتلي القاعدة في أفغانستان، دفع إلى التقارب بين أجهزة المخابرات، وخاصة لملاحقة عبد الحكيم بلحاج، رئيس حزب الوطن الإسلامي حالياً.

وتبع هذا التقارب المخابراتي ردم للهوة الدبلوماسية والاقتصادية مع نظام القذافي، حيث تم قبول سيف الإسلام القذافي في كلية لندن للاقتصاد، وجرت استضافة عدد من المسؤولين الليبيين في بريطانيا لأول مرة منذ الثمانينيات.

وبحجة محاربة الإرهاب، طلبت المخابرات الليبية من نظيرتها البريطانية تسليم معلومات عن 79 معارضاً مقيمين في بريطانيا عام 2002. وبالفعل، ومنذ أواخر ذلك العام، تبدلت السياسة البريطانية تجاه المعارضين الليبيين المقيمين في بريطانيا، حيث تم إيقافهم في المطارات واستجوابهم، كما قامت الشرطة البريطانية بتفتيش منازلهم في لندن ومانشستر.

وشهد العام 2003 تحولاً جديداً في العلاقة بين الطرفين، حيث إن الحرب على العراق دفعت القذافي إلى مهاتفة رئيس الوزراء الإيطالي حينها، سيلفيو برلسكوني، راجياً إياه: "قل لهم سأفعل أي شيء يريدون".

كما دفع فشل الغزو الأميركي للعراق في الكشف عن أسلحة الدمار الشامل التي كانت حجة الغزو في المقام الأول، إلى الطلب من القذافي التخلي عن مشاريعه لتطوير أسلحة كيميائية ونووية، لاستخدام ذلك كإنجاز للحرب في العراق، مقابل توفير المزيد من المعلومات عن أنشطة المعارضة الليبية، بما فيها مكالمات سامي السعدي، المقيم حينها في طهران، إضافة إلى آخرين في لندن وبرايتون وبيشاور ولوس أنجليس.

وعلى الرغم من أن الحكومة البريطانية دفعت أجهزة مخابرات للتوقيع على تعهدات بعدم اغتيال أو تعذيب أي شخص تتم إعادته إلى ليبيا، فقد كانت الجهة المقترحة للمراقبة لهذا الاتفاق هي مؤسسة القذافي التي أدارها سيف الإسلام، نجل العقيد معمر القذافي. إلا أن القضاء البريطاني رفض طلبات الحكومة البريطانية بترحيل المعارضين الليبيين لعدم التأكد من حصولهم على محاكمة عادلة.

أما هؤلاء الذين تم اختطافهم وتحويلهم إلى طرابلس، مثل بلحاج، فقد تعرضوا فعلاً للتعذيب على يد المخابرات الأميركية والليبية، وتم استجوابهم أيضاً لصالح المخابرات البريطانية على يد المخابرات الليبية.

وتكمن المفارقة في أن هذا التقارب مع نظام القذافي لم يحم نظامه من السقوط على يد معارضيه، الذين ساهمت الدول الغربية في التضييق عليهم لصالحه. كما أن عثور المجلس الوطني الانتقالي على مخازن من الأسلحة الكيميائية العائدة إلى حقبة القذافي، أثبت أنه تمكن من خداعهم.

ولا يبدو أن هذه العقلية الغربية في إعطاء الأولوية لمحاربة التنظيمات المتطرفة مقابل التعاون مع الدكتاتوريات العربية قد تبدلت، وإن كان قد ظهر فشلها، فهو ما قامت به الولايات المتحدة مع نظام بشار الأسد عندما تعاونت مع أجهزة مخابراته خلال حرب العراق. والأمر ذاته ينطبق على نزع أسلحة نظام الأسد الكيميائية، والتي أثبت تقرير الأمم المتحدة عن مجزرة خان شيخون، أن النظام السوري لم يتخلص منها كلياً.