وثائق مسرّبة تكشف حجم التغول الإيراني في العراق: تجنيد رؤساء حكومات ووزراء

18 نوفمبر 2019
زار سليماني العراق لإبقاء عبد المهدي في منصبه (الأناضول)
+ الخط -
كشف موقع "انترسبت" وصحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، الأحد، عن وثائق استخباراتية إيرانية سرّية توضح حجم التغول الإيراني داخل مؤسسات الحكم في العراق، بالإضافة إلى الدور الذي كان يلعبه رئيس الوزراء العراقي الحالي عادل عبدالمهدي عام 2014، حين كان وزيراً للنفط، والذي كانت لديه "علاقة خاصة مع إيران"، وفق التسريبات.

ولا تذكر الوثائق المسرّبة الطبيعة الدقيقة للعلاقة التي تجمع عبد المهدي بإيران، لكنّ أحد كبار المسؤولين الأميركيين السابقين حذّر من أنّ "العلاقة الخاصة" يمكن أن تعني الكثير من الأشياء. هذا لا يعني أنّه عميل للحكومة الإيرانية، لكن لا يمكن لأي سياسي عراقي تولّي منصب رئاسة الحكومة من دون مباركة إيران".
وأكدت الوثائق أنّ قائد فيلق القدس قاسم سليماني زار العراق في منتصف أكتوبر/تشرين الأول الماضي، لإقناع حليف في البرلمان العراقي بالمساعدة على إبقاء عبد المهدي في منصبه. وذكر "انترسبت" و"نيويورك تايمز" أن هذه الجهود تُعدّ جزءاً من حملة إيران الطويلة للحفاظ على العراق "دولة عميلة مطيعة".

وأفاد التقرير بأنّ الوثائق الإيرانية المسرّبة، والواردة في أرشيف لبرقيات استخباراتية إيرانية سريّة، تقدّم صورة مفصّلة لكيفية عمل طهران بقوّة على دمج نفسها في الشؤون العراقية، فضلاً عن الدور الفريد لقاسم سليماني.

وتكشف الوثائق أنّ السفراء إلى كلّ من العراق وسورية ولبنان، التي تعتبرها إيران دولاً حاسمة بالنسبة لأمنها القومي، يتمّ اختيارهم من كبار المسؤولين في الحرس الثوري، وليس وزارة الخارجية، وفقاً لعدّة مستشارين لإدارات إيرانية حالية وسابقة.

وتشير التقارير المسرّبة إلى أنه بعد انسحاب القوات الأميركية عام 2011، تحرّكت إيران بسرعة لإضافة مخبرين سابقين في وكالة الاستخبارات المركزية "سي آي إيه" إلى جدول الرواتب.

ويوضح الموقع والصحيفة أنّه بعد الانسحاب الأميركي من العراق، طردت وكالة الاستخبارات المركزية العديد من عملائها السريين، تاركة إياهم من دون عمل، ويخشون القتل بسبب صلاتهم بالولايات المتحدة، وربما على يد إيران، ما دفع بالعديد منهم إلى تقديم خدماتهم إلى طهران.


ويظهر قسم غير مؤرّخ من برقيات وزارة الاستخبارات، أنّ إيران بدأت العملية بتجنيد جاسوس داخل وزارة الخارجية الأميركية. وإذ لفتت إلى أنّه من غير الواضح ماذا جاء من جهد التوظيف، أشارت إلى أنّ إيران بدأت، وفق الملفات، بمقابلة المصدر، وعرضت عليه مكافأته براتب، وعملات ذهبية، وهدايا أخرى.

وفي حين لم يتمّ ذكر اسم المسؤول في وزارة الخارجية في البرقية، إلا أنّه تمّ وصفه بأنه شخص قادر على تقديم "رؤى استخباراتية حول خطط الإدارة الأميركية في العراق، إن بشأن التعامل مع "داعش" أو أي عمليات سرية أخرى". ويفيد التقرير بأنّ حافز هذا الشخص للتعاون سيكون "ماليّاً".


ويقول مسؤولون عراقيون إن الجواسيس الإيرانيين موجودون في كلّ مكان بالجنوب، وإن المنطقة كانت منذ فترة طويلة خلية نحل للتجسس. وفي عام 2014، التقى ضابط مخابرات عسكري عراقي من بغداد، بمسؤول مخابرات إيراني، في كربلاء، وعرض التجسس لصالح إيران وإخبارها بكلّ ما في وسعه بشأن الأنشطة الأميركية في العراق.

وقال المسؤول العراقي إنه جاء برسالة من قائده في بغداد اللواء قاسم المكصوصي، الذي أصبح لاحقاً مدير الاستخبارات العسكرية في وزارة الدفاع العراقية، جاء فيها: "قل لهم نحن في خدمتهم. كلّ ما تحتاجونه هو تحت تصرّفكم، نحن شيعة ولدينا عدو مشترك".
وتابع المسؤول العراقي: "كلّ استخبارات الجيش العراقي، اعتبرها لك"، مطلعاً ضابط الاستخبارات الإيرانية على برنامج استهداف سري زوّدت الولايات المتحدة العراقيين به، وعرض تسليمه إلى الإيرانيين.
وكشفت الوثائق أنّ المسؤول العراقي عرض تسليم الإيرانيين أية معلومات استخباراتية يريدونها بشأن نظام حسّاس للتنصت على الهواتف الخليوية، قدّمته أميركا للعراق، وكان يُدار من مكتب رئيس الوزراء ومقرّ الاستخبارات العسكرية.
ويشير "انترسبت" و"نيويورك تايمز" هنا إلى أن المكصوصي، الذي تقاعد الآن، نفى أن يكون قد عمل لصالح إيران. وإذ أشاد بها لمساعدتها في قتال تنظيم "داعش"، قال إنه حافظ على علاقة متينة مع الولايات المتحدة الأميركية. وأضاف: "عملت لصالح العراق وليس أي دولة أخرى. لم أكن قائد استخبارات للشيعة، بل قائد استخبارات لكلّ العراق".


وتشير التقارير إلى أن الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما دفع باتجاه الإطاحة برئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، كشرط لتجديد الدعم العسكري الأميركي، في ظلّ تصاعد نفوذ "داعش"، معتبراً أنّ سياساته الصارمة والحملات القمعية ضدّ السنّة العراقيين ساعدت في صعود المتشددين.
ولفتت إلى أنّ المالكي، الذي عاش في المنفى في إيران عام 1980، كان المفضّل لديها، في حين أنّه كان يُنظر إلى خلفه حيدر العبادي، الذي تلقى تعليمه في بريطانيا، على أنه أقلّ طائفية وأكثر ودّاً مع الغرب. ولهذه الغاية، عقد الإيرانيون اجتماعاً سرياً، رفضوا فيه العبادي الذي اعتبروه "رجلاً بريطانياً" و"مرشح الأميركيين"، إلا أنهم يعتقدون أنّ لديهم الكثير من الوزراء الآخرين "في جيبهم".
وتفيد التقارير بأنّ إيران اتخذت تدابير لمواجهة النفوذ الأميركي، ويظهر الكثير من الملفات أن لقاءات كبار الدبلوماسيين الأميركيين خلف الأبواب المغلقة مع نظرائهم العراقيين في بغداد، كانت تُنقل بشكل روتيني إلى الإيرانيين.
وبالرغم من أنّ إيران شكّت في البداية في ولاءات العبادي، إلا أنّ تقريراً كُتب بعد أشهر قليلة من وصوله إلى رئاسة الوزراء، أشار إلى أنه كان على استعداد تام لبناء علاقة سرية مع الاستخبارات الإيرانية.
أمّا بشأن رئيس الوزراء السابق إبراهيم الجعفري، والذي شغل منصب وزير الخارجية في أواخر عام 2014، فتمّ تعريفه كعبد المهدي، على أنّه يتمتع "بعلاقة خاصة" مع إيران. ولم ينفِ الجعفري في مقابلة أنّه كانت لديه علاقات وثيقة بطهران، إلا أنه قال إنه كان يتعامل دائماً مع الدول الأجنبية على أساس مصالح العراق.