وبعدين يا مصر

05 سبتمبر 2014
مصر.. وماذا بعد؟ (Getty)
+ الخط -

عاش المصريون طويلا ينتظرون التحرر، لم ينعموا منذ قرون كثيرة بالحرية، ظل الحكام يتوالون عليهم تباعا، دون أن يتيح أحدهم للشعب فرصة لحكم نفسه بحرية. لم يحكم المصري نفسه إلا سنوات معدودة من عمر تلك الدولة الموغلة في القدم. كانت الدولة الفرعونية دولة مصرية، لكن الفرعون فيها كان بمثابة إله في أغلب العهود، وبالتالي كان المواطنون عبيدا للفرعون، ولا يملكون الحد الأدنى من الحرية.

عندما زالت الدولة الفرعونية، قبل التأريخ الميلادي بعقود، بدأ احتلال مصر رسميا، وهو احتلال استمر، وربما ما زال مستمرا حتى الآن، وإن تعدّدت أشكاله وتفاصيله. انتهى حكم الفراعنة لمصر بعد هزيمة الملكة المصرية كليوباترا في معركة "أكتيوم" البحرية ليحتل الرومان البلاد، ويحولوها لأول مرة في تاريخها إلى إقليم تابع مباشرة للإمبراطورية الرومانية. لتنتهي الحقبة "البطلمية" نسبة إلى "بطليموس"، ثم يتعاقب على حكم مصر الرومان والأقباط والمسلمون (خلفاء راشدون، وأمويون وعباسيون وفاطميون)، ثم المماليك والعثمانيون والعلويون، وصولا إلى الدولة العسكرية بعد الانقلاب على الملك فاروق. نحو خمسة وعشرين قرنا يحكم مصر آخرون، سواء أجانب احتلوها، أو مصريون يأتمرون بأمر الأجانب.

حاول المصريون أن يثوروا كثيرا، لم يكن مفهوم الثورة متبلورا كما هو الآن، لكن المصريين خرجوا مرارا على حكامهم رفضا للظلم والفساد. يظن بعضهم أن أول ثورات مصر كانت "ثورة 1919"، وربما يعتبر بعضهم محاولة أحمد عرابي الانقلاب على الحاكم العلوي ثورة، رغم أن المصريين يصفونها بأنها "هوجة"، لكن الكثير من الثورات قامت في مصر، ولم ينتبه إليها أحد، أو للدقة لم تحظ بالاهتمام الكافي لتوثيقها.

يكرّر كثيرون أن الشعب المصري لن يثور مجددا، ويروج بعضهم أن فكر الثورة ليس قائما لدى المصريين بالأساس، لكن هؤلاء يتحدثون عن الشعب الآخر المستكين، وهذا تجاهل مخل لحقيقة أن الثورات يقوم بها عدد محدود من الشعب، وأن الشعوب عادة تكون ضد الثورات، وأن هذا ليس قاصرا على المصريين وحدهم.

يكرر كثيرون أن أمام المصريين عقدين من الزمان على الأقل، قبل أن يهبوا ثائرين، مثلما خضعوا تحت حكم مبارك لثلاثة عقود، رغم أن عهد مبارك، أو على الأقل نصفه الثاني شهد الكثير من إرهاصات الثورة.

لكن الواقع اليومي المعاش يؤكد أن الثورة باتت قاب قوسين أو أدنى، وربما أقرب مما يتخيل أكثر المتفائلين. لكن هل ستعيد الثورة مصر إلى المصريين، أم أنها ستبقيها مجددا في احتلال مُقَنع، مثلما كانت منذ زوال الدولة الفرعونية؟

لننتظر.
المساهمون