لم يكن العثور على عبد الله كردي، والد الطفل عيلان، الذي قذفته الأمواج إلى أحد الشواطئ التركية بعدما غرق القارب الذي أمل والديه أن يوصلهم إلى أوروبا (في 2 سبتمبر/أيلول الجاري)، بالأمر اليسير، وخصوصاً بعد عودته إلى مدينته عين العرب (كوباني). بعد أيام من محاولة الاتصال به، رد على هاتفه، هو الذي صار يتحاشى الحديث إلى وسائل الإعلام. وعن سبب عودته إلى بلدته، يسأل: "ماذا عساي أن أفعل؟". يضيف: "عدتُ إلى مدينتي وكفى. لم يعد يعنيني أي شيء في هذه الدنيا. فقد غادرت مدينتي من أجل عيلان وشقيقه. وبعدما فارقاني، لم أعد في حاجة إلى شيء".
فقدان الطفلين دفعه إلى رفض الجنسية الكندية التي عرضت الحكومة منحه إياها. يسأل: "ماذا أفعل بالجنسية الكندية أو غيرها بعدما خسرت عائلتي؟ لو وافقوا على طلبنا وهم أحياء، لقبّلت أياديهم. لا حاجة لي لشيء الآن. أنا كائن يتنفس فقط وتكفيني إسفنجة أنام عليها، حتى في الشارع".
ويشرح الوالد أن شقيقته تقيم في كندا. "بعد الأحداث التي ألمّت بكوباني، سعت إلى مساعدتي وأخي الموجود في إسطنبول لنتمكن من اللحاق بها. إلا أن الحكومة الكندية رفضت الأمر. كان حلمي أن ألتحق وعائلتي بها هناك، وخصوصاً أن النزوح إلى منطقة أخرى بسبب الحرب لم يكن بالأمر السهل".
كان كردي قد غادر كوباني إلى إسطنبول حيث أقام لوحده، علماً أنه اعتاد زيارة عائلته بين الحين والآخر. وبعد فترة، وخصوصاً مع اشتداد الحرب، أخذ عائلته إلى إسطنبول، حيث أقاموا لمدة سنة. يتابع أنه كان يعمل حلاقاً، ويملك محل حلاقة في كوباني، موضحاً أنه كان يكسب المال بشكل جيد. أما في إسطنبول، فقد عمل بداية كأجير في مصنع خياطة، ولم يكن دخله يكفي لسد احتياجات عائلته، ما اضطره للعمل في البناء بحثاً عن أجر أعلى. يقول إن عمله كان شاقاً، وخصوصاً أنه لم يعتد حمل الأثقال.
يتابع: "مع الوقت، فكرنا في الهجرة إلى ألمانيا. لكن بسبب كثرة اللاجئين هناك، اخترت وزوجتي الذهاب إلى السويد أو هولندا، لأنه لم يكن بإمكاني البقاء في تركيا على الرغم من كل ما قدمته للاجئين السوريين. يكفي أن تظهر هويتك لتتلقى العلاج مجاناً"، لافتاً إلى أن أطفاله كانوا يعانون من أمراض جلدية إلا أنه لم يعد قادراً على مواصلة عمله الشاق، لكن "الله أراد شيئاً آخر".
ألا يخفف عنك أن تعلم أن صورة طفلك ساهمت بعض الشيء في تغيير وضع اللاجئين السوريين في أوروبا؟ يوضح أن الأمر "يخفّف عني قليلاً"، لافتاً إلى أننا "مدينون لكل دولة تقدم عوناً للسوريين". من جهة أخرى، يلفت إلى أن "كوباني غدت مدينة أشباح اليوم. لا يوجد فيها مياه أو كهرباء. وهناك جثث لا نعرف إذا كانت لمواطنين أكراد أو مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)". يتابع: "لا أعرف كيف يعيش الناس فيها".
بعد مرور بعض الوقت على الحادث الأليم، بات كردي قادراً على التحدث إلى الناس. يقول إنه انتهى من تشييد قبور عائلته التي يزورها بشكل يومي. يضيف: "سقيتهم الماء لأنهم عطشى. لكن ليس في وسعي أن أقدم لهم الطعام".
ماذا عن الاتهامات التي وجهت إليك بمشاركتك في عملية التهريب وقيادتك القارب؟ يشير إلى أنه قرر العودة إلى إسطنبول لملاحقة العائلة العراقية التي وجهت إليه هذه التهمة، موضحاً أنه لم يتهمه أحد من الذين كانوا على متن المركب بأمر مماثل. ويسأل: "لو كنت بالفعل مهرباً، هل كان ليسامحني أي منهم أمام القضاء وخلال التحقيقات، وخصوصاً بعد ما حدث لهم؟". ويتابع بأنه فقد أعز ما يملك على هذا القارب "فكيف لي أن أكون شريكاً في هذا؟". مع ذلك، لن يقف صامتاً أمام "هذه الأكاذيب"، وسيطالب بفتح التحقيق مجدداً في إسطنبول، لافتاً إلى أنه سيعود إلى كوباني بعد ظهور الحقيقة كاملة.
"لا أدري لماذا كذب"
أعلن أحمد هادي جواد وزوجته، وهما عراقيان فقدا ابنتهما (11 عاماً) وابنهما (9 أعوام)، لوكالة "رويترز" أنه خلال غرق القارب الذي كان يقلهم إلى أوروبا، مع عائلة كردي، أن عبد الله كردي زاد من سرعة القارب حين ارتطمت به موجة. أضاف أن "القصة التي حكاها كردي غير صحيحة (في إشارة إلى تحميله مهرباً تركياً المسؤولية). لا أدري لماذا كذب ربما بسبب الخوف". وقال إنه "قاد القارب منذ البداية وحتى غرقه".
اقرأ أيضاً: صار لك بحر