والت ويتمان .. طبعة فراش الموت بلغة الضاد

01 مايو 2017
والت ويتمان، 1884
+ الخط -

ليس ديوانًا بالمفهوم المتعارف عليه، فليس ثمة مجموعات شعرية أخرى، بل هو كتاب واحد فقط في طبعات متتالية، كل طبعة جديدة تحمل ما استجد من قصائد، لذلك لا تشبه طبعة من "أوراق العشب" سابقتها، بدايةً من الأولى التي صدرت عام 1855 وكانت تضم 12 قصيدة، وصولًا إلى الطبعة الأخيرة عام 1892 المعروفة "بطبعة فراش الموت"، والتي كانت تتجاوز الـ 400 قصيدة وتمثّل الأعمال الكاملة للشاعر الأميركي والت ويتمان (1819-1892)، وهذه هي النسخة التي صدرت بترجمة الشاعر والمترجم رفعت سلام عن "الهيئة المصرية العامة للكتاب".

تضمّ هذه الطبعة قصائد ويتمان كلّها، كما راجعها بنفسه، ووضع وصيته حولها "نظراً لوجود طبعات متعددة، ونصوص وتواريخ مختلفة، لـ "أوراق العشب" فأود القول بأنني أفضّل وأوصي بهذه الطبعة الكاملة، للنشر المستقبلي، فيما لو كان ثمة طبعات قادمة؛ كنسخة أو صورة طبق الأصل من نصوص هذه الـ 438 صفحة".

يقول سلّام في مقدّمته "ثمة سمة أسلوبية مهيمنة لدى ويتمان هي تكرار تركيبة لغوية معينة في البيت الشعري نفسه، أو بناء المقطع على تركيبة متكرّرة من سطر إلى سطر؛ وربما تكرّرت في البيت الشعري الواحد ثلاث مرات، مثل ما ورد في قصيدة "النائمون"...". إضافة إلى التكرار، حافظ سلّام على نسق السطور الشعرية كما وردت في الأصل، باعتبارها "سمة أسلوبية" أخرى؛ فلم يقم بتجزئة السطر الشعري الطويل، وإعادة توزيعه مهما كان طول السطر؛ حتى لا تتحوّل الترجمة إلى تدخل يشبه المشاركة في إنتاج النص الشعري.

"ينام الأعمى، وينام الأصم والأبكم
ينام السجين جيداً في السجن، والابن الهارب ينام
والقاتل الذي تقرر أن يشنق في الغد، كيف ينام؟ والقتيل، كيف ينام؟
والأنثى التي تحب من طرف واحد تنام
والرجل الذي يحب من طرف واحد ينام
ورأس جامع المال التي انهمكت في التخطيط طوال اليوم تنام
وجميع الأمزجة المهتاجة والغادرة، جميعها، جميعها تنام".

عند قراءة "أوراق العشب" يجب ألا نغفل طبيعة الكتابة الشعرية السائدة في الوقت الذي كتبت فيه أوّل مرة، إذ جاءت ضربة للنمط الشعري السائد في ذلك الوقت، لابتعاد ويتمان عن القوافي والأوزان واعتماده على الشعر الحر، واللغة البسيطة؛ الأقرب إلى حياة الإنسان العادي وصراعه اليومي؛ حاول ويتمان عن طريق الشعر أن يكون أكثر صلة بالحشود، ليلعب دورًا في تحويل طريقتهم في التفكير، ويركّز على التواصل والقرب بين البيض والسود، والجمع بين السيد والعبد، لإيمانه المتجذر بالديموقراطية، واعتقاده أن وظيفة الأدب تتمثّل في كسر القواعد القمعية التي تفرضها المؤسسات، والكنائس والتشريعات، وتحرير القوة الروحية الكامنة في كل فرد.

يبقى الجسد حاضرًا بوضوح في شعر ويتمان، الأعضاء الحميمة تحضر كاملة من دون توريات، الشبق كاحتفال رفيع بالحياة في صورتها البدائية التي لم تتهذّب بعد ولم تصبح رهنًا لقواعد المجتمع والدين. تعامل في قصائده مع الجسد والروح في آن، ويرى أنهما معاً وسيلة لفهم النفس البشرية، من دون طغيان أحدهما على الآخر، ومن دون خجل من شهوانيته التي يراها شأن العقل والروح تكمّل كينونته ووجوده كإنسان.

تنبع أهمية ويتمان لا من خصائصه الأدبية فحسب، لكن من موقفه كمبشّر بالحرية والثورة، لذلك لا يمكن أن يعتبر "أوراق العشب" مجرد كتاب شعري، فهو يحمل طبقات متعددة من حياة ويتمان ومشاعره، وأفكاره المندفعة من روح شعرية شمولية، تجسد أميركا بحسبها نموذجاً للتمازج الإنساني والتعدّدية؛ وتصبح "أوراق العشب" وثيقة إنسانية تحتفي بكل عناصر الكون بداية من حركة العشب الصغير في الأرض وصولاً إلى حركة النجوم والأجرام السماوية في الفضاء.

المساهمون