واقع المؤسسة العسكريّة العراقيّة!
تُبنى الدول الحديثة على النظام المؤسساتي الكفيل برعاية مصالح المواطنين وحياتهم، وحفظ الدولة من الشرور، ومن الانتهاكات الداخلية والخارجية، وهذا ظاهر في غالبية دول العالم إلا بعضها، ومنها العراق.
تعاني الدولة العراقية، بعد عام 2003، من شلل شبه تام، وانهيار واضح في مؤسسات أمنية وخدمية عديدة، نتيجة غياب الاستراتيجيات الواضحة والمبيّنة لما ينبغي أن تكون عليه (الدولة)، وربما يمكننا أن نؤكد أن هنالك استراتيجية، لكنها على الورق فقط، وأنها مجرد شعارات حكومية، لا وجود لها في الواقع، وهي للتسويق الإعلامي ليس إلا.
ومن أبرز صور (هشاشة الدولة العراقية)، تفكك المؤسسة الأمنية والعسكرية، وهذا ما نلمسه في الواقع الأمني المنهار، نتيجة عدم مهنية وحيادية الأجهزة الأمنية. وعليه، يمكننا، اليوم، أن نشخّص الثغرات الآتية في واقع المؤسسة العسكرية (العراقية):
- عدم مهنية بعض الوزراء الأمنيين، حيث إن أحدهم زعيم في ميليشيا معروفة لجميع العراقيين، وهو، اليوم، وزير لإحدى الوزارات الأمنية، فهل سيتمكن من إيقاف انتشار سرطان الميليشيات في وزارته، التي لها أثر فاعل في عموم المشهد الأمني الداخلي، وهم غالبيتهم من رفاقه في التنظيمات المليشياوية؟!
- عدم كفاءة غالبية قادة الفرق والألوية العسكرية في تنفيذ أبسط المهام المناطة بهم، وغالبيتهم يجهلون حتى أبسط مهام القيادة، والميزة الجامعة لهم هي قلة الخبرة، والتصريحات الإعلامية المتناقضة.
- غياب التدريب العلمي والعملي الصحيح، وأيضاً انتشار ظاهرة الرتب العسكرية (التجارية)، التي تمنح لبعض زعماء الميليشيات وغيرهم، من غير أن يكون لهؤلاء أية صلة حقيقية بالمؤسسة العسكرية وعلومها.
- تغوّل الميليشيات في غالبية صنوف الأجهزة الأمنية والعسكرية، وقد تمت هذه الخطوة الكارثية في مرحلة 2005 و2006، حيث جرى دمج هذه الميليشيات في تلك الأجهزة، وخصوصاً من منظمة بدر، وهذه الخطوة التدميرية أكدتها مصادر أميركية، وهذه الشهادة الأميركية دقيقة ومهمة، لأن الأميركيين هم المسيطرون على الملف الأمني وغيره في العراق، حتى نهاية عام 2011، مرحلة الانسحاب الأميركي الشكلي من بلاد الرافدين.
- تفشي الفساد المالي والإداري في هذه المؤسسات العسكرية الحساسة والتعبوية، حيث أكدت مصادر حكومية وبرلمانية أن هنالك آلاف المنتسبين الوهميين الذين تُصرف لهم رواتب ومخصصات يستولي عليها كثيرون من آمري الوحدات العسكرية والضباط، وهذه ظاهرة جديرة بأن نقف أمامها بعد أن نهبت ميزانية العراق الضخمة، نتيجة هذا الفساد المالي والإداري المرعب. والفساد لم يتوقف عند هذا الحد، بل وصل إلى ساحات التدريب وأرزاق الجنود، وهذا انسلاخ حقيقي عن الروح الوطنية والإنسانية.
ومن الغريب أن الفساد المالي وصل إلى الولايات المتحدة. ففي منتصف ديسمبر/ كانون الأول 2007، أثبت تقرير مراجعة حسابات المشروعات، التي أشرفت الوزارة على تنفيذها في العراق، أن "البنتاغون دفع 32 مليون دولار لشركة أميركية، بهدف بناء قاعدة للقوات العراقية في الرمادي، وأن هذه القاعدة لم تُشَد قط".
- الاستخدام المخجل والتطبيق الابتزازي للقانون؛ ويتمثل ذلك بالاعتقالات الكيدية لشخصيات ثرية، لتبدأ بعدها مرحلة المفاوضات الابتزازية البشعة، الهادفة إلى الحصول على أكبر قدر من الأموال. وآخر هذه الجرائم ما وقع، قبل أسبوعين تقريباً، في مدينة هيت الغربية، التابعة لمحافظة الأنبار، حيث اختطفت الميليشيات التابعة للجيش الحكومي طبيبين، وجرت مفاوضتهما على أن يدفعا مبلغ 400 ألف دولار وترك المدينة، وبالفعل باع الرجلان كل ما يملكانه من أجل تسديد هذه المبالغ الضخمة، وبعدها تركا المدينة!
- انتشار ميليشيا الحشد الشعبي في مناطق النزاع الحالية في العراق، يعدّ من أكبر القنابل الموقوتة التي يمكن أن تفتح باباً واسعاً للحرب الأهلية في البلاد، وهذا الباب لا يمكن أن يغلق بسهولة، لأن كافة أدوات الحرب الأهلية اليوم متوفرة في الشارع، حيث الميليشيات المدعومة بالمال والسلاح، وأيضاً الأرضية المناسبة لهذه الحرب متوفرة والمتمثلة باستهتار غالبية عناصر هذه الميليشيات وإجرامها المنظّم ضد أهالي مناطق محددة في الوطن.
استمرار هذه الصور المرعبة، من حيث الفساد والفلتان الأمني، حتماً ستؤدي إلى تدمير روحية المواطنة قبل تدمير البلاد، فهل من منقذ لبلاد الرافدين من هذا المستنقع المتلاطم الأمواج؟