تنص المادة 18 من الدستور المصري الذي تم إقراره سنة 2014، على إجراءات واضحة لتطوير القطاع الصحي، وهي الإجراءات التي تمت الإشارة إليها على أنها إنجاز هام، لكن تم انتهاكها وإهمالها بصورة كبيرة طوال السنوات الخمس الماضية.
ويصنف مؤشر "إنديغو ويلنس" للرفاه مصر ضمن أسوأ عشرين دولة في تصنيف الصحة العالمية من بين 191 دولة، ويعزو المؤشر احتلال مصر هذا المركز المتأخر إلى قلة الإنفاق الحكومي على الرعاية الصحية، وارتفاع خطر الإصابة بداء السكري، ومعدلات البدانة.
وبلغت موازنة الصحة في مصر للعام الحالي 61.2 مليار جنيه؛ شاملة 16 مليار جنيه مخصصات المياه والصرف الصحي؛ وبذلك تكون نسبة الإنفاق الحكومي على الصحة 1.2% فقط من إجمالي الناتج المحلي، وهذا يوازي أقل من ثلث النسبة المقررة في الدستور، والتي كان من المفترض أن تبدأ من 3% وتتصاعد تدريجيًا حتى تتفق مع المعدلات العالمية المقدرة بما لا يقل عن 7%.
وأدى تدني الإنفاق الحكومي على الصحة إلى تراجع كبير في مقومات البنية التحتية لتقديم الخدمات الصحية، من إهمال الإنشاءات الجديدة، وتراجع تطوير وتحديث المنشآت الطبية، بالإضافة إلى الشكوى المستمرة من نقص التجهيزات والآلات والأدوات والمستلزمات والأدوية الضرورية لتقديم خدمة صحية جيدة للمواطنين.
وأظهر المسح الصحي الذي أجراه المجلس القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية عام 2016، وهو مؤسسة حكومية مصرية، أن 61% من المصريين غير راضين عن مستوى الخدمات الصحية الحكومية.
وفي حين ينص الدستور على الآتي: "تكفل الدولة الحفاظ على مرافق الخدمات الصحية العامة التي تقدم خدماتها للشعب ودعمها والعمل على رفع كفاءتها وانتشارها الجغرافي العادل"، إلا أن الحكومة بدأت برنامجا واسعا لخصخصة قطاع الصحة بناء على توجيهات السيسي، بداية من اتفاقية إعادة هيكلة وتطوير مستشفى المنيل الجامعي (قصر العيني) في إبريل 2016، بين وزارة الاستثمار وصندوق التنمية السعودي، ليتم تحويل مستشفى قصر العيني إلى مجموعة من الشركات الاقتصادية.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2016، أشار السيسي إلى عرض 514 مستشفى للتكامل الصحي على نظام الشراكة مع القطاع الخاص، وتم الإعلان عن بدء التنفيذ فعليا في 70 مستشفى منها في 7 محافظات، وفي الندوة التثقيفية للقوات المسلحة في شهر مارس/آذار الماضي، كرر السيسي الحديث عن عرض المستشفيات الحكومية على القطاع الخاص للتشغيل والإدارة، وكان التبرير الذي أعلنه أن الحكومة عاجزة عن الإدارة الجيدة للخدمات الصحية.
ورغم موافقة البرلمان على قانون التأمين الصحي الجديد في نوفمبر 2017، على أن يبدأ تطبيقه رسميا من محافظة بورسعيد في شهر يونيو/حزيران 2018، كمرحلة أولى، إلا أنه حتى اليوم، وبعد مضي قرابة عام ونصف العام، فإن تنفيذ القانون لا يزال متعثرا في مرحلته الأولى لعدم توفر البنية التحتية في محافظة بورسعيد والتي لا يتجاوز عدد سكانها مليون نسمة، فكيف بباقي محافظات مصر ذات المائة مليون نسمة؟
وتتفاقم الكارثة حين يأتي الاعتداء من أفراد جهاز الشرطة أو الهيئات القضائية، إذ اعتدى عدد من أمناء الشرطة على أطباء مستشفى المطرية، ما دفع إلى مظاهرات للأطباء في فبراير 2016، أمام النقابة بوسط القاهرة لأول مرة في تاريخ النقابات المهنية، وتعدى أحد وكلاء النيابة على طبيب بمستشفى العاشر من رمضان شرق القاهرة، ثم صدر حكم بحبس الطبيب بتهمة تعطيل القانون.
وفي حين تلتزم دول العالم بتوفير كافة الإمكانيات المالية والمعنوية لدعم الصحة والتعليم باعتبارهما جناحَي التقدم والازدهار، إلا أن النظام المصري غابت عنه تلك الأولوية الدستورية الهامة، ومن المتوقع أن تظل مواد الدستور الخاصة بالصحة كما هي دون أية تعديلات، ورغم ما يثار إعلاميا عن ضرورة تعديل مواد الدستور لتتناسب مع المتغيرات على الساحة المصرية.
وخلاصة التصريحات والبيانات التي تشغل الرأي العام المصري منذ تم الإعلان عن إجراء تعديلات دستور 2014 مفادها أن "مواد الدستور ليست نصوصا مقدسة"، رغم أن دستور 2012، الذي سمي "دستور الثورة"، تم تعطيله في بيان الانقلاب يوم 3 يوليو/تموز 2013، وتم إعداد دستور جديد وصف بأنه تاريخي عند إقراره، قبل أن يقوم السيسي لاحقا بوصفه بأنه "دستور النوايا الحسنة".