وبالرغم من ارتفاع عدد الشهداء، فقد اعترضت الإدارة الأميركية حتى على صدور بيان عن مجلس الأمن الدولي يدعو إلى التحقيق بالمجزرة. وغابت غزة عن تفكير مستشار البيت الأبيض وصهر الرئيس الأميركي، جاريد كوشنر، المكلف بالملف الفلسطيني - الإسرائيلي وبهندسة "صفقة القرن"، وعن مبعوث الإدارة الأميركية إلى المنطقة، جيسون غرينبلات. وتواصل تجاهل الإدارة الأميركية للمجزرة الإسرائيلية في القطاع المحاصر، ما عدا تغريدات لم تحمل سوى تعابير فارغة عن الأسى وضرورة العودة إلى مسار السلام. أما الكونغرس فهو في عالم آخر، إذ لم يصدر عنه أي تعليق على الموت المجاني في غزة، باستثناء السيناتور والمرشح السابق للانتخابات الرئاسية المستقل، بيرني ساندرز، الذي رمى بالملامة على إسرائيل "لمبالغتها في الرد".
كذلك كان حال وسائل الإعلام الأميركية، إذ اكتفت بتغطية عابرة، جاءت عموماً بصيغة ملتبسة تعطي إسرائيل الأسباب التخفيفية، وإن كانت حملت بعض الردود والتعليقات التي لم تذهب إلى أبعد من تذكير إسرائيل بواجب "احترام الاحتجاجات السلمية وعدم استخدام الذخيرة الحية مع المتظاهرين العزّل"، كما قالت صحيفة "نيويورك تايمز"، وكأن الأمر لا يستوجب أكثر من لفت نظر إسرائيل. كلمة "إدانة" كانت مفقودة ولا أثر لها في كل هذه الردود السياسية والإعلامية. غيابها يشي بوجود تفهم ضمني للحيثيات الإسرائيلية. وفي ذلك خطورة مضاعفة، إذ يعفي إسرائيل من مسؤولية الجريمة ويطلق يدها في ممارسة البطش ضد الاحتجاجات الفلسطينية المتوقعة في مايو/ أيار المقبل على افتتاح السفارة الأميركية في القدس المحتلة وما سيرافقها من احتفالات استفزازية تعتزم الإدارة الأميركية المشاركة فيها بصورة مكثفة.
في السياسة، فإن التغطية على الجريمة بمثابة تواطؤ، وفي القانون تعتبر شراكة في الجرم، وفي الحالتين تترتب عليها محاسبة تتناسب مع حجمها. مارسها الرئيس الراحل ريتشارد نيكسون، فأدت إلى خلعه من الرئاسة بعد "ووترغيت". لكن هذه القاعدة لا تخضع لها إسرائيل، إذ إن جيش الاحتلال يمارس القتل بدم بارد ضد متظاهرين مدنيين وواشنطن تهرع كالعادة إلى تمييع الجريمة أو تدوير زواياها عبر وصم الضحية بالإرهاب. وأحياناً تتجاهل الأمر بموقف "لم نر... لم نسمع"، مكتفية بعبارات الأسف والدعوة إلى الهدوء، مع التذكير بمعزوفة أن "لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها"، بزعم أنها مستهدفة وضحية للعنف. وبتوظيفها لهذه المقولة، فإنها تؤمّن المظلة الواقية لإسرائيل، خصوصاً في مجلس الأمن، ومن جهة ثانية تضغط على الجانب الفلسطيني لإجباره على الرضوخ. كما أنها تبعث برسالة مفادها أن العنف الإسرائيلي معفى من المحاكمة، وأن الخلاص منه لا يتحقق إلا بالانصياع إلى مشاريع تصفية القضية الفلسطينية.