واشنطن تضغط على اتفاقية "مونترو" لتصل إلى البحر الأسود

09 مارس 2018
سعت واشنطن لإطالة وجود سفنها بالبحر الأسود(أنطون ستويانوف/فرانس برس)
+ الخط -
فصل جديد من الخلافات الأميركية التركية يظهر مع مواصلة الولايات المتحدة الأميركية في السنوات الأخيرة، الضغط على حدود اتفاقية "مونترو" الخاصة بحركة المرور في البحر الأسود عبر المضائق التركية، بهدف اكتساب وجود لها هناك، وذلك في الوقت الذي تستمر فيه الخلافات بين واشنطن وأنقرة على خلفية تسليح الأولى للوحدات الكردية السورية على الحدود التركية الجنوبية، متجاهلة اعتراضات أنقرة.

وكان الأسطول البحري الأميركي السادس في البحر الأبيض المتوسط، أعلن عبر موقعه الإلكتروني، دخول باخرتين حربيتين تتبعان له من طراز "أرلييغ بوركي" إلى البحر الأسود بتاريخ 18 فبراير/ شباط الماضي. وقالت واشنطن إنّ الهدف من ذلك "استمرار وجودها العسكري في المنطقة من خلال إجراء عمليات الأمن البحري، وتعزيز الاستقرار في البحار بالمنطقة، وتقوية الجاهزية العملياتية بين الحلفاء في الناتو وشركائهم". ولم يتأخّر الجانب الروسي في الردّ على هذه الحادثة، إذ أرسل على الفور بارجة وسفينتين مخصصتين للمهام الدورية إلى البحر الأسود.

ودخلت معاهدة "مونترو" حيّز التنفيذ عام 1936، بهدف تنظيم حركة مرور السفن الحربية والتجارية عبر المضائق التركية إلى البحر الأسود وفترة بقائها في هذا البحر، وتشمل سفن الدول المطلّة على البحر الأسود (أوكرانيا، روسيا، جورجيا، تركيا، بلغاريا ورومانيا)، وغير المطلة عليه.

وخلال الحرب الباردة، كانت هذه المعاهدة تعتبر بمثابة صمام أمان بالنسبة لتركيا والدول الغربية في مواجهة التهديدات السوفييتية. أما بعد الحرب الباردة، فشهدت معاهدة "مونترو" تحولاً من حيث المفهوم والأهمية، إذ تغيّرت موازين القوى في البحر الأسود إثر تفكّك الاتحاد السوفييتي وميول الدول الواقعة تحت سيطرة روسيا نحو الدول الغربية الواحدة تلو الأخرى. ونتيجة لذلك، بدأت الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة، بالضغط لتغيير بنود معاهدة "مونترو".

ولم تكف واشنطن عن ضغوطاتها الرامية لإكساب معاهدة "مونترو" بعض المرونة، حتى في أصعب الأيام، إذ كانت قد أرسلت مستشفى عائماً (باخرة مستشفى) إلى بحر مرمرة لدى وقوع زلزال في تركيا عام 1999، على أن تذهب منها إلى البحر الأسود، إلا أنّ الجانب التركي لم يسمح لها بمواصلة طريقها.

كما ساهمت تطورات سياسية عدة في المنطقة، في إجراء تغيير عميق في بنية البحر الأسود. ومن بين هذه التطورات، الانتفاضات التي حصلت في أوكرانيا وجورجيا مثلاً ضد النفوذ الروسي، فضلاً عن انضمام كل من بلغاريا ورومانيا إلى حلف "شمال الأطلسي" أولاً، ومن ثمّ إلى الاتحاد الأوروبي. ونتيجة لذلك، أخذت الولايات المتحدة تسعى لإطالة مدة وجود سفنها في البحر الأسود أطول مدة قانونية ممكنة، وتحميل حمولة أكثر من الحد الأقصى المسموح به، حسب معاهدة "مونترو".



ورغم اعتراضات أنقرة المستمرة على المحاولات الأميركية لتعديل اتفاقية مونترو لتعزيز نفوذها في منطقة البحر الأسود، إلا أنّ ذلك لم يثنِ واشنطن عن مساعيها الرامية لتغيير موازين القوى في البحر الأسود لصالحها.

ورداً على إعلان الولايات المتحدة على لسان مسؤولين في وزارتي الدفاع والخارجية أن هدفها من التواجد في البحر الأسود هو "الحفاظ على الأمن البحري في المنطقة"، أكدت تركيا والدول الأخرى المطلّة على البحر الأسود، في أكثر من مناسبة، لحلفائها الغربيين، أن الحفاظ على الأمن في هذا البحر هو من مسؤوليتها وحدها. وإضافة إلى ذلك، أطلقت دول البحر الأسود بقيادة تركيا عملية لإدارة الأزمة، ومن ثمّ عملية أخرى تحت اسم "التجانس في البحر الأسود" للحفاظ على الأمن البحري، إلا أن ذلك أيضاً لم يؤد إلى تخلي الولايات المتحدة عن رغبة التوسع في البحر الأسود. وهو ما يثير انزعاج تركيا وروسيا اللتين عبرتا مراراً عن استيائهما من الوجود الأميركي في البحر الأسود.

وتحمل معاهدة "مونترو" أهمية كبرى بالنسبة لتركيا لكون بنودها تحدّد عدد السفن الحربية والتجارية التي ستمر من المضائق التركية، وأنواعها، ووزن الحمولة المسموحة لها، وكان تم اتخاذ الأمن التركي أساساً في صياغة هذه البنود. وتتيح الاتفاقية تسهيلات للدول المطلّة على البحر الأسود، إذ تسمح بأن تكون لها سفن حربية على مياهه، لكنها مضطرة أيضاً لإعلام الجانب التركي قبل فترة محددة من مرور سفنها الحربية من المضائق، حيث يجب أن يكون الحد الأقصى للسفن المارة من المضيق في الوقت ذاته هو 9 سفن، ويجب أن يبلغ الحد الأقصى لحمولتها مجتمعة 15 ألف طن.

كما تشترط المعاهدة على الدول المطلة على البحر الأسود، في حال كانت تريد مرور غواصاتها من المضيق، إخبار تركيا بذلك أولاً، على أن تمر منه خلال ساعات النهار والظهور على سطح المياه وقت العبور.

ومن جهة أخرى، تفرض المعاهدة عدداً من القيود على الدول غير المطلة على البحر الأسود، إذ يجب ألّا يزيد وزن حمولتها على 45 ألف طن، شريطة ألا يتجاوز وزن السفن التابعة لدولة واحدة فقط، ثلثي هذا الرقم. ورغم أن وزن السفينتين الأميركيتين المتواجدتين في البحر الأسود هو ضمن الحدود المسموح بها في المعاهدة، إلا أن تركيا وروسيا منزعجتان من هذا الأمر، وتعتبران أن لا مبرر لهذا الوجود.

ويظهر أن الولايات المتحدة ستواصل الضغط على حدود معاهدة "مونترو" بهدف اكتساب موضع قدم لها في البحر الأسود، في حين تعمل تركيا وروسيا على الوقوف في وجه المحاولات للتواجد الأميركي في هذه المنطقة.


(الأناضول، العربي الجديد)

المساهمون