وادي حُنَين... قرية فلسطينية ثريّة لاقت مصير التهجير

03 مايو 2017
ينتظر عودة أصحاب الأرض (العربي الجديد)
+ الخط -

تقع قرية وادي حنين المهجّرة على بعد 9 كيلومترات غربي مدينة الرملة الفلسطينيّة، المدينة الوحيدة التي بناها العرب في فلسطين في عام 718 ميلادية. والتي أصبحت زمن الحكم العثمانيّ مدينةً رئيسيّة بسبب أهميتها الجغرافيّة لتواجدها على الطريق الرئيسيّ الموصل بين يافا والقدس، وشمالي فلسطين وجنوبها، بالإضافة إلى أهميّتها التجاريّة وبالأخصّ الزراعيّة.

انتشرت حولها 58 قرية عامرة منذ مئات السنوات، وتمّ تهجير أهلها زمن المعارك الطاحنة التي دارت بين أبريل/نيسان ويوليو/تمّوز من عام النكبة 1948 بين الجيش العربيّ الأردني وجيش الاحتلال الإسرائيلي.
كانت قرية وادي حنين من أغنى قرى قضاء الرملة، إذ سكنتها العائلات الثريّة والتي كان أبناؤها من أكبر التجّار في فلسطين، وذلك بسبب غنى الأراضي الزراعيّة وكثرتها في تلك المنطقة.
كانت القرية مبنيّة على رقعة مستوية من الأرض في السهل الساحلي الأوسط على الطريق العام المفضي إلى الرملة ويافا وسواهما من المدن، وتصلها جملة من الطرق بقرى المنطقة، يضاف إلى ذلك أن خطّ سكّة الحديد، الواصل بين اللد ويافا، كان يمر على بعد 1.5 كلم إلى الشرق من القرية. ثمّة رواية تقول إن رهطاً من قبيلة قضاعة استوطن القرية في العصور الإسلاميّة الأولى وسمّاها باسم وطنه الأصليّ: "وادي حنين" من بلاد حضرموت في اليمن.

في الأزمنة الحديثة، كانت منازل القرية مبنية بالطين أو الحجارة أو الأسمنت، وكانت مبعثرة في الموقع على غير نظام. وكان يتوسّط القرية مسجد وبضعة متاجر. وكان سكّانها كلهم من المسلمين.
في العقد الأول من القرن العشرين، بدأت صناعة الحمضيّات في المنطقة الساحليّة، الواقعة إلى الغرب من وادي حنين، تزدهر وتجتذب العمّال من النواحي المجاورة. وقد جاء فلسطينيون كثيرون من مناطق أُخرى للعمل في زراعة الحمضيّات، واستقرّ بعضهم في وادي حنين. كما وصل بعض المهاجرين الصهاينة إلى القرب منها واستقرّوا في مستعمرة "نيس تسيونا"؛ وهي مستعمرة أُقيمت على أراض لوادي حنين في سنة 1883. وقد أدّى تدفق العمّال الزراعيين الذين وجدوا أعمالاً لهم في بساتين الحمضيّات التي يمتلكها العرب، أو في تلك التي يمتلكها سكّان مستعمرة "نيس تسيونا"، إلى زيادة عدد سكّان وادي حنين.

في العقود الأربعة الأولى من القرن العشرين، تعرّضت السياسة "الليبراليّة" التي انتهجتها "نيس تسيونا" لانتقادات حادّة من كبار الصهيونيين، لأنّها لم تُقْصِ اليد العاملة غير اليهوديّة عن المشاريع الصهيونيّة (فأهالي المستعمرة كانوا من روّاد الهجرة اليهوديّة الأولى والذين لم يقصوا العمل العربي الفلسطيني، بل رغبوا في تشغيل العرب الفلسطينيين في أراضيهم التي حرثوها).
لكن سياسة الاستبعاد العامّة كانت صعبة التطبيق في "نيس تسيونا"، لأنّه لم يكن يفصل بينها وبين وادي حنين شيء غير الطريق. فقرية وادي حنين كانت القرية الوحيدة "المختلطة" في ذلك الوقت، من باقي قرى فلسطين، والتي كان المهاجرون الصهاينة والأهالي الفلسطينيون فيها يتجاورون في عيشهم وعملهم.

منزل قديم في وادي حنين الفلسطينية المهجرة (العربي الجديد) 


كان تلامذة القرية الخمسة والستّون كلّهم يؤمّون المدرسة المحليّة القائمة في قرية صرفند الخراب، في أواسط الأربعينيات. وكانت أراضيها الزراعيّة مستوية، على وجه الإجمال، وتربتها خصبة. وكانت أهم غلالها الحمضيّات، التي كانت بساتينها تروى بالمياه المستمدّة من الآبار الارتوازيّة الكثيرة المحفورة في القرية.
وكان سكّان وادي حنين يعملون في البساتين ويسوّقون محاصيلهم في المدن، ولا سيّما في يافا التي كانت تصدّر فوق العشرة ملايين صندوق برتقال إلى خارج فلسطين عبر الميناء الذي كان عامرًا حتى نكبة عام 1948. وفي 1944 /1945، كان ما مجموعه 1827 دونماً مخصّصاً للحمضيّات والموز، و134 دونماً للحبوب، و19 دونماً مروياً أو مستخدماً للبساتين.

احتلال القرية

يشير المؤرخ الإسرائيلي بِني موريس، إلى أنّ سكّان القرية فرّوا، في 17 إبريل/ نيسان 1948، من جرّاء الاستيلاء على بلدة مجاورة. لكن، وبما أنه لم تحدث أيّة عمليّات عسكريّة صهيونيّة مهمّة في الجوار، في ذلك الوقت، فإنّ اسم تلك البلدة المجاورة يبقى مجهولاً.
أقرب المخاطر على القرية كان يبعد مسافة ما إلى الشرق، في ممر القدس، حيث كان لواء "غفعاتي" قد أنجز عملية "نحشون"، وحيث كانت مجزرة دير ياسين قد ارتُكبت منذ أكثر من أسبوع. أمّا القرية المجاورة الوحيدة الأُخرى التي ربما كانت أُخليت من سكّانها، في ذلك الوقت، فهي صرفند الخراب التي رُوي أنها أخليت من سكانها في 20 إبريل، خوفاً من هجوم صهيونيّ.
ولئن كانت هذه التواريخ صحيحة، فمن الجائز أن تكون قرية وادي حنين استُهدفت أو هُدّدت، كجارتها صرفند الخراب، في سياق حملة التطهير التي نفّذتها "الهاغاناه" في إبريل وأوائل مايو/ أيار في السهل الساحليّ، أو في أثناء تطويق يافا في النصف الثاني من إبريل.

القرية اليوم

مع توسع مستعمرة "نيس تسيونا" في الجانب الغربي من الطريق الساحلي الممتدّ بين غزة ويافا، شُيّد بعض أبنيتها على أراضي قرية وادي حنين بعد تهجير أهلها، كما دُمجت مستعمرة "كفار أهارون"، التي أُنشئت في عام النكبة 1948 على أراضيها أيضاً، وحُوّل المسجد فيها إلى كنيس يدعى "غؤلات يسرائيل" (أي خلاص إسرائيل) وفي نفس الوقت تمّ هدم مئذنة الجامع وتوثيق هذا العمل الهمجيّ من قبل مصور إسرائيليًّ كان يوثّق أعمال الصهاينة في القرية، ووثّق أيضًا نزوح الفلسطينيين منها.
وسلم نحو عشرة منازل، منها منزل كان للشيخ سليمان الفاروقي، وتسكنه أُسر يهوديّة الآن. وهو منزل من طبقتين، له مظهر مبانٍ للشقق السكنيّة وينقسم إلى خمس وحدات لكلّ منها شرفة أماميّة. كما حُوّل منزل ابن حامد، ذو العمارة الرائقة والسقف المزوّى على شكل الجملون، إلى مستشفى للأمراض العقليّة. ويستعمل جيش الاحتلال الإسرائيليّ منزل أبو عمر أفندي، الأشبه بالقصر، لأغراض غير محدّدة ويحظر تصويره.

وفي زيارة لأحد البيوت الفلسطينيّة التي لم تُهدم، كان واضحًا أنها كانت مأهولة من قبل عائلة إسرائيليّة من فترة وجيزة، ولكن على ما يبدو تركت البيت الذي أصبح مهجورًا مرّة أخرى دون إقفاله من الخارج أو الداخل، ويُسنح حاليًا لكل شخص الدخول إلى البيت العريق والكبير من دون أي مانع أو حاجز، الأمر الذي يثير التساؤل حول مصير هذا البيت الذي لم يتم حتى الكشف عن وجوده في السجلاّت الإسرائيليّة.