صدر حديثًا كتاب "وادي الرافدين وحدة الجغرافية وبلاد الوحدة" من تأليف الأكاديمي جميل موسى النجار ويتناول فلسفة تاريخ بلاد وادي الرافدين القديم وارتابط فكرة الوحدة فيها بطبيعة الجغرافيا فيها.
يرى الكاتب أن الجغرافية الطبيعية المتميزة لهذه البلاد، التي أفرزت كياناً جغرافياً موحداً ومستقلاً تفصله حواجز الجبال والصحارى عن البلدان المجاورة له، كانت تحدو بملوكها وحكامها القدامى على توحيدها سياسيا في دولة مركزية واحدة توحيداً يتماثل مع وحدتها الجغرافية، وبدفع أيضاً بالمنجزات الحضارية لسكانها في الجنوب والوسط والشمال نحو التكامل والانصهار في بوتقة واحدة.
وكما جاء في تقديم الكتاب: "تمخضت عن هذه القراءة الفكرية الفلسفية للتاريخ الرافديني القديم جملة من النتائج التي تدحض ادعاءات تتقاطع مع وحدة العراق التاريخية، التي كادت فيها حدود بلاد وادي الرافدين في منتصف الألف الثالث قبل الميلاد تتطابق مع خارطة الدولة العراقية المعاصرة".
وهي ادعاءات أطلقت لتحقيق أهداف شتى يتصدرها هدف تفتيت العراق وتجزئته. وكان أخطرها ما ارتفع صوته بالتزامن مع الاحتلال الأمريكي للعراق في سنة 2003، كما يرى الكاتب، الذي يقول إن هذه القراءة تمخضت أيضاً عما يرد الافتئات على وقائع التاريخ ومعطياته الموغلة في القدم.. الافتئات الذي حمل بعض الأكاديميين، فضلاً عن السياسيين، على إطلاق دعوات لانفصال أجزاء ومدن مهمة هي من العراق وكيانه السياسي والحضاري الواحد في الصميم منذ آلاف السنين.
يقول النجار في حديث إلى "العربي الجديد": "إن فكرة الكتاب الأساسية أو(فرضيته) هي أن الحدود الجغرافية -السياسية الحالية للعراق هي نفسها تقريباً التي كان عليها منذ 2400 ق.م، فهي بلاد استدعت طبيعتها الجغرافية أن تكون لها حدود سياسية واحدة وحضارة واحدة".
يوضح النجار أن "الجغرافيا الطبيعية المتميزة لبلاد وادي الرافدين تشكل كياناً جغرافياً موحداً ومستقلاً يفصل البلاد بحواجز طبيعية تتمثل في الجبال والصحاري عن البلدان المجاور لها كانت تحدو بالدول الرافدينية على توحيد البلاد سياسياً توحيداً يتماثل مع وحدة الجغرافيا الطبيعية ويدفع من ثم بالمنجزات الحضارية لسكانها في الجنوب والوسط والشمال نحو التكامل والتماثل والانصهار في منطقة حضرية واحدة".
وقد سعى السومريون منذ منتصف الألف الثالث قبل الميلاد نحو تغيير نظام دويلات المدن الذي كان من ابتكارهم إلى نظام الدولة المركزية الواحدة التي تشغل مساحتها جغرافيا بلاد وادي الرافدين الطبيعية بأكملها، وقد بدا هذا التغيير واضحاً خلال عهد الملك السومري لوكال زاكيري آخر حكام عصر فجر السلالات أو عصر دويلات المدن السومرية وخلال عهد سرجون الأكدي الذي استخدم نظام الدولة المركزية الرافدينية الواحدة التي امتدت سلطاتها انطلاقا من مركزها وسط بلاد وادي الرافدين نحو اقصى جنوب الوادي وشماله.
محاولات تفتيت البلاد بدأت منذ قيام الدولة العراقية المعاصرة سنه 1921
وعلى الرغم من الانتكاسات التي سجلتها وحدة الدولة الرافدينية لأسباب عديدة، يذكر منها الكاتب الغزو الكوتي للبلاد الذي استغرق القرن الثاني والعشرين قبل الميلاد وتوافد الهجرات الآمورية بكثرة عليها بين الألفين الثالث والثاني قبل الميلاد التي قلبت موازين الحضور السكان فيها لصالح الساميين.
يبين النجار أن "نظام الدولة المركزية الواحدة الذي انطلق بقوة من أكد في وسط بلاد وادي الرافدين أصبح أيديولوجيا الدولة البابلية والآشورية والكلدانية التي قامت في البلاد خلال القرنين الثاني والاول قبل الميلاد حتى الاخمينيين واستطاعت هذه الدول ان تحول هذه الايديولوجيا الى واقع ملموس على الارض الرافدينية خلال تلك الحقبة الزمنية الطويلة تمثل في وجود دولة رافدينية مركزية واحدة كانت تخومها تتطابق تقريباً مع خارطة العراق الحالية".
"نظام الدولة المركزية الواحدة الذي انطلق بقوة من أكد في وسط بلاد وادي الرافدين أصبح أيديولوجيا
يقول الكاتب أنه اعتمد في اثبات افتراضه بان جغرافيا بلاد وادي الرافدين الطبيعيه دفعت باتجاه تحقيق وحدته السياسيه والحضاريه منذ منتصف الالف الثالث قبل الميلاد على المصادر الاساسيه التي درست تاريخ البلاد القديم وحضارتها، وأنه توصل إلى جملة نتائج تكشف زيف ادعاءات لحقت وما زالت تلحق بتاريخ بلاد وادي الرافدين ووحدة أراضيها وحضارتها ومسمياتها لأغراض مختلفة في مقدمتها محاولات تفتيتها التي بدأت منذ قيام الدولة العراقية المعاصرة سنه 1921.
يأتي الكتاب في أربعة فصول؛ الأول بعنوان "نطاق الجغرافيا وامتداداتها البشرية حتى نهاية الألف الثالث قبل الميلاد" وفيه يرصد الجغرافيا التي توجه التاريخ، والأرض والسكان، والتحوّل الديمغرافي.
أما الفصل الثاني فيأتي بعنوان "أيديولوجيا الوحدة واستراتيجيتها" ويتناول فيه مسار الوحدة من الوسط نحو الجنوب والشمال والإطار الحضاري الجامع، وتخوم دولة الوحدة ونهاياتها.
الفصل الثالث المعنون "الشمال والجنوب رؤى التوحيد المتبادل وآلياته منذ مطلع الألف الثاني قبل الميلاد" فيتطرق إلى بابل واشور ووحدة البلاد ودينامية تخوم السياسة وإلى التنوع الاجتماعي والثقافة الجامعة.
وفي الفصل الرابع "وحدة البلاد إزاء تحديات الشعوب الجبلية" نجد ثلاثة محاور الأول مواجهة اختراقات الجبال والثاني في الحضارة والدولة اقتران الوحدة، والثالث اسماء البلاد و نطاقها الجغرافي بعد سنة 359 قبل الميلاد. كما يورد الكاتب فهرسين للأعلام والأماكن في نهايه الكتاب.