هيلي في مجلس الأمن... أميركا تتطوع لـ"تأديب" الفلسطينيين

21 فبراير 2018
خطاب هيلي جاء متعالياً (درو انغرير/Getty)
+ الخط -

بخلاف الإدارات الأميركية المتعاقبة التي تعاطت مع "عملية السلام" كوسيط يدّعي التوازن ويخفي انحيازه المبطن لتأمين الرضوخ الفلسطيني في آخر المطاف لـ"سلام" على مقاس إسرائيل، فإن إدارة الرئيس دونالد ترامب اختارت اختزال الطريق ومطالبة الفلسطينيين بالخضوع التام لموجبات هذا "السلام" ولمشيئة دولته.


وفي هذا الصدد، كشف خطاب السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة، نيكي هيلي، أمس، في مجلس الأمن الدولي، وبدون مواربة عن مثل هذه المقاربة، بعدما وضعت هيلي عملياً السلطة الفلسطينية أمام خيارين: إما أن تتفاوض مع إسرائيل على أرضية الأمر الواقع، وإما أن تشرب من ماء البحر.

كلمتها التي أعقبت خطاب الرئيس الفلسطيني محمود عباس أمام المجلس، طغت عليها الفوقية ولغة الإملاء المشحون بالاستفزاز "نحن مستعدون للتحدث معك. لكننا لن نجري وراءك لنتحدث ولا نطلب موافقتك على قرارنا بشأن القدس، الذي يجب أن تعرف أنه لن يتغيّر"، كما جاء في كلمتها النابضة بالكيدية والاستعلاء.

السفيرة التي لم تخف انزعاجها من مغادرة عباس قاعة المجلس فور انتهائه من خطابه ومن دون سماع كلمتها، حولت الموضوع إلى مسألة شخصية، ربما لتتحاشى الدخول في متطلبات السلام الحقيقي وتفاصيله، ولتحجب الأضواء عن واقع الاحتلال وتضاربه مع القرارات والقوانين الدولية التي استند إليها باقي أعضاء المجلس، ما عدا الإسرائيلي، في كلماتهم التي حرصت على إدانة الاستيطان والاحتلال، مع التشديد على حل الدولتين الذي لم تذكره السفيرة ولو بالتلميح.

خطاب هيلي الذي بدا كوعظة تأديبية يعكس انتماءها إلى فريق الصقور المنحازين بشكل فاقع لإسرائيل في الساحة الأميركية، كما يعكس وبصورة أساسية موقف الإدارة على حقيقته من موضوع السلام، فالرئيس الأميركي الذي وعد بتحقيق "صفقة القرن" وبأن التسوية ممكن تحقيقها "وليست بالصعوبة التي يتحدثون عنها "، كان يقصد التسوية المطلوبة بالمواصفات الإسرائيلية.

ترامب، وعلى الرغم من وعوده للرئيس الفلسطيني، وتشكيل فريق خاص للعملية بقيادة صهره جاريد كوشنر، لم يفصح مرة عن التزامه بحل الدولتين، وترك عملياً الخيار لإسرائيل لتقرر الصيغة. وهو في الحقيقة لم يتراجع. ما سبق وقاله في هذا الصدد كان للاستهلاك والتمويه. منذ البداية، كان اختياره لسفيره في إسرائيل، دافيد فريدمان، مؤشراً واضحاً على الموقف الذي كشفته السفيرة هيلي، والذي كانت قد بدأت ترجمته في قرار ترامب اعتبار القدس عاصمة للاحتلال الإسرائيلي، ثم في قطع التمويل عن الأونروا.

وإذا كانت إدارة ترامب تتميز عن سابقاتها بشيء، فهو تبنّيها الصريح والعملاني لتوجهات أقصى اليمين الإسرائيلي، واحتضان سياساته بالصورة التي كشفت عنها السفيرة هيلي. ومن هذا المنطلق، لم يكن من المتوقع أن توافق واشنطن على دعوة الرئيس الفلسطيني إلى عقد مؤتمر دولي. كما أن احتكارها لدور الطرف الثالث في المفاوضات تلبية لرغبة إسرائيل والذي التزمت به سائر الإدارات، لا يسمح لإدارة ترامب بخرق هذه القاعدة.

"لو رأينا في وقت ما أن هناك دولا أخرى يمكن أن يكون لها دور مساعد في العملية، عندئذ لا نمانع في دعوتها للمشاركة. لكن هل حان الآن وقت دعوتها لهذا الدور؟ لا أعتقد"، كما قالت الناطقة الرسمية في الخارجية، هاذر نيوارت، رداً على سؤال "العربي الجديد" عما إذا كانت الإدارة في وارد الموافقة على فكرة المؤتمر التي طرحها الرئيس عباس.



وكأن ربع قرن من الوساطة الأميركية التي تراجعت فرص السلام في ظلها، ليس كافياً لاستبدالها بصيغة دولية. لكن مثل هذه الصيغة لا تطيق إسرائيل سماع ذكرها، لأنها تحرمها من المظلة الأميركية التي تقيها من الضغوط. وفي الوقت ذاته لا ترضى بها واشنطن، لأنها تحول بينها وبين التبنّي الكامل لكل ما تريده إسرائيل، التي تعيش عصرها الذهبي في زمن الرئيس الأميركي الحالي.