27 ابريل 2016
هيكل بأقلام بعضهم
لسنا ضد أن يأوي صحافي، أو كاتب، إلى صحيفة سعوديةٍ أو خليجيةٍ، أياً كانت، فيجد لنفسه مساحة للتعبير على رأيه وموقعاً للعمل، غير أن نفراً ممن لا اعتراض على خيارهم العمل في مطبوعات خليجية، تراهم يركّزون فيما يكتبون، على ما يصفونه بــ "الدكتاتوريات العربية" فيشملون بالهجاء، فضلاً عن الحكّام المستبدين الذين أبغضتهم شعوبهم؛ زعماء رحلوا، وكانوا في موضع محبة شعوبهم وتأييدها، كجمال عبد الناصر وهواري بومدين مثلاً. وهؤلاء، لا يتوقفون أمام الفارق بين زعيم مقدّر، وحاكمٍ فاسد، يُعاند مشاعر المجتمع الذي يحكمه، ويتعمد سفك دمه وإذلاله، وإفقاره، وشطب إرادته، كحافظ الأسد الذي أصرّ على توريث ابنه الحكم في النظام الذي يُفترض أنه جمهوري. كذلك، لا يتوقف هؤلاء أمام الفارق الفاجع بين ما كان عليه حال الأقطار إبّان حكم زعيم زاهد ووطني ويحبه شعبه، وحالها بعد غيابه. ولا يتوقفون أيضاً، أمام حقيقة غياب الديمقراطية في البلدان التي يعملون في صحفها، فترتسم بهذا التجاهل مفارقةٌ تبعث على السخرية، إذ يطرح الكاتب نفسه، من موقعه في الصحيفة، منافحاً عن الحكم الديمقراطي الذي لا تأتيه مذمة من يمين أو يسار.
في مقالات بعض الصحف، المحسوبة على المملكة العربية السعودية، عرض بعض الكتّاب ما يُفترض أنها ملخصات عن مسيرة محمد حسنين هيكل لمناسبة رحيله. أنكرت بعض هذه الملخصات على الرجل مآثر كثيرة، وتجاهلت مسائل لا يختلف عليها اثنان، منها أن ذلك الكاتب والمحقق الصحافي اللامع كان رقماً مهماً في المشهد الإعلامي المصري والعربي، قبل أن يظهر جمال عبد الناصر، وأنه كان، فضلاً عن ذلك، قد أسدى خدمة جليلة لقرائه، على صعيد الثقافة التاريخية، بما أصدر من كتبٍ بعد وفاة جمال عبد الناصر، وقدّم وثائق مراحل حرب فلسطين، والصراع على الشرق الأوسط، وحروب 1967 و 1973 وحرب الخليج، وقضايا التسلح، والعلاقات مع الشرق والغرب.
بعضهم ممن كتب يغمز من قناة هيكل أنكر اعتداد الرجل بنفسه، وتمسّكه بمهنة الصحافة، ورفضه العمل في غيرها، ووضع الراحل في خانة ما يعتبرونها دكتاتورية ناصرية، وليس في أية خانة سواها. كأنما هم، أولاً، هانئون بديمقراطيةٍ وُلدت بعد أن قُبر جمال عبد الناصر الذي شيّعه عشرة ملايين من شعبه استطاعوا من بين 30 مليوناً أيامها، الوصول إلى ساحات التشييع وشوارعه!
كأن لا قيمة عند هؤلاء للمعاني التي ظل الرجل يمثلها، حتى الرمق الأخير من حياته، ولا لرؤيته لمسائل الاستقلال الوطني والكرامة القومية والتنمية. وكأن محمد حسنين هيكل كان صديقاً لدكتاتورية خائنة وفاسده، أو كأن نقيضها الديمقراطي كان شائعاً في أيام عبد الناصر، أي في زمن حركة التحرر العربي، وحركات التحرر في أفريقيا وأميركا اللاتينية، وما يسمى الديمقراطيات الشعبية التي أعلت من شأن الزعامات النبيلة، ومن قضايا التنمية وتصفية النفوذ الاستعماري.
عندما يُكتب التاريخ، بموضوعيةٍ، لا يُؤخذ بمثل هذا المنطق، فعبد الحميد الثاني، آخر السلاطين المحترمين في الدولة العثمانية، خُلع بعد أربعين عاماً من تعليقه الدستور. لكن مجرد خلعه كان بمثابة خلع قلوب الناس في الولايات العثمانية آنذاك. ذلك لأنه، في السياق العام، كان زعيماً نبيلاً يحبه الناس، ويحترمون مسعاه، ويؤيدون وجهته.
في الحقيقة، يصح السؤال: لمصلحة من استذكر بعضهم صداقة هيكل جمال عبد الناصر، لكي يضعوها في إطارٍ ذميم؟ وأين هي مواقعهم وما هي صفتها، وما هي أحوال من يساندونها، قياساً على موقع هيكل قبل عبد الناصر وأثناءه وبعده؟
لا نغمط أحداً حقه في أن يعمل أينما شاء، لكن مهنة الكتابة لا ترتقي إلا بالموضوعية، حتى في ممارسة الخلاف، ثم إن الموت يستدعي ذكر محاسن الموتى، لا اصطناع ذمائم وذكرها!
في مقالات بعض الصحف، المحسوبة على المملكة العربية السعودية، عرض بعض الكتّاب ما يُفترض أنها ملخصات عن مسيرة محمد حسنين هيكل لمناسبة رحيله. أنكرت بعض هذه الملخصات على الرجل مآثر كثيرة، وتجاهلت مسائل لا يختلف عليها اثنان، منها أن ذلك الكاتب والمحقق الصحافي اللامع كان رقماً مهماً في المشهد الإعلامي المصري والعربي، قبل أن يظهر جمال عبد الناصر، وأنه كان، فضلاً عن ذلك، قد أسدى خدمة جليلة لقرائه، على صعيد الثقافة التاريخية، بما أصدر من كتبٍ بعد وفاة جمال عبد الناصر، وقدّم وثائق مراحل حرب فلسطين، والصراع على الشرق الأوسط، وحروب 1967 و 1973 وحرب الخليج، وقضايا التسلح، والعلاقات مع الشرق والغرب.
بعضهم ممن كتب يغمز من قناة هيكل أنكر اعتداد الرجل بنفسه، وتمسّكه بمهنة الصحافة، ورفضه العمل في غيرها، ووضع الراحل في خانة ما يعتبرونها دكتاتورية ناصرية، وليس في أية خانة سواها. كأنما هم، أولاً، هانئون بديمقراطيةٍ وُلدت بعد أن قُبر جمال عبد الناصر الذي شيّعه عشرة ملايين من شعبه استطاعوا من بين 30 مليوناً أيامها، الوصول إلى ساحات التشييع وشوارعه!
كأن لا قيمة عند هؤلاء للمعاني التي ظل الرجل يمثلها، حتى الرمق الأخير من حياته، ولا لرؤيته لمسائل الاستقلال الوطني والكرامة القومية والتنمية. وكأن محمد حسنين هيكل كان صديقاً لدكتاتورية خائنة وفاسده، أو كأن نقيضها الديمقراطي كان شائعاً في أيام عبد الناصر، أي في زمن حركة التحرر العربي، وحركات التحرر في أفريقيا وأميركا اللاتينية، وما يسمى الديمقراطيات الشعبية التي أعلت من شأن الزعامات النبيلة، ومن قضايا التنمية وتصفية النفوذ الاستعماري.
عندما يُكتب التاريخ، بموضوعيةٍ، لا يُؤخذ بمثل هذا المنطق، فعبد الحميد الثاني، آخر السلاطين المحترمين في الدولة العثمانية، خُلع بعد أربعين عاماً من تعليقه الدستور. لكن مجرد خلعه كان بمثابة خلع قلوب الناس في الولايات العثمانية آنذاك. ذلك لأنه، في السياق العام، كان زعيماً نبيلاً يحبه الناس، ويحترمون مسعاه، ويؤيدون وجهته.
في الحقيقة، يصح السؤال: لمصلحة من استذكر بعضهم صداقة هيكل جمال عبد الناصر، لكي يضعوها في إطارٍ ذميم؟ وأين هي مواقعهم وما هي صفتها، وما هي أحوال من يساندونها، قياساً على موقع هيكل قبل عبد الناصر وأثناءه وبعده؟
لا نغمط أحداً حقه في أن يعمل أينما شاء، لكن مهنة الكتابة لا ترتقي إلا بالموضوعية، حتى في ممارسة الخلاف، ثم إن الموت يستدعي ذكر محاسن الموتى، لا اصطناع ذمائم وذكرها!