هيثم عبد الرزاق: أعيد تفكيك التكرار كي لا أشعر بالملل

31 مارس 2019
هيثم عبد الرزاق: ممثلون كبار لهم جذور مسرحية (فيسبوك)
+ الخط -
"بغداد في خيالي"، أحدث أفلام المخرج العراقي، المقيم في سويسرا، سمير جمال الدين، الذي اختار أكاديميًا لتأدية دور البطولة، وهي المرّة الأولى له التي يُشارك فيها كممثل سينمائي. فهيثم عبد الرزاق حاضرٌ في المسرح منذ أعوام عديدة، وله أدوار مختلفة في مسرحيات "هاملت بلا هاملت" و"100 عام من المحبة" و"في أعالي الحب" و"حفلة الماس" و"الخال فانيا" وغيرها. عام 1988، أسّس ورشة للتمرين، قدّمت ممثلين ومخرجين للمسرح والتلفزيون العراقيين.
عن "بغداد في الخيال"، قال هيثم عبد الرزاق إنّه تناول مسألة "أهمية الآخر"، فـ"غالبية الكوارث الإنسانية في التاريخ تحصل بسبب عدم قدرة العقل على رؤية هذا الآخر المختلف عنه، والثقافة تتحوّل أحيانًا، بمرور الوقت، إلى اعتقاد مغلق وسلطة". أضاف أنه عندما "لا نستطيع رؤية الآخر، يبرز التهميش والإقصاء والعنف والاضطراب والفوضى. معظم أبطال الفيلم ضحايا هذه الفرضية، لأنهم اختلفوا مع سلطة المتمترسين خلف معتقداتهم، فتمّ تهميشهم وترحيلهم وإقصاؤهم إنسانيًا".
ناقش الفيلم أيضًا "الاختلافات السياسية والطائفية والجنسية والعرقية، والنتائج المؤلمة والقاسية لهذه الاختلافات على الوضع الإنساني"، كما قال عبد الرزاق، مُضيفًا ما يلي: "كأن الفيلم أراد تفكيك هيكل هذه الظاهرة الثقافية، التي كثرت ضحاياها في العالم الجديد، وخاصة في الشرق". بالإضافة الى ذلك، تناول الفيلم قدرة الغرب على "الكيل بمكيالين"، و"هذا نلاحظه في التحقيق مع توفيق، الشخصية الرئيسية".

ورغم أن "بغداد في الخيال" ناقش قضية ساخنة وحساسة وآنية، فإنّ "القاسم المشترك للتفاعل والتعاطف مع الفيلم سيكون لصالح شخصياته، مع الألم الذي تعرّضوا له بسبب إقصاء من دون مبرر إنساني ومنطقي"، كما قال عبد الرزاق، مُضيفًا أنه يتوقّع نجاح الفيلم "بشكل كبير".
وعن كيفية اختياره لتأدية دور البطولة، رغم أن لا تجربة سابقة له في العمل السينمائي، قال هيثم عبد الرزاق: "هناك خطأ شائع عند السينمائيين العراقيين عن الممثل المسرحي، إذْ يتناسون أن لغالبية الممثلين الكبار في العالم جذورًا مسرحية. هذا معروف. اختياري تمّ صدفة، إذْ كنتُ أعرض مسرحية لي في برلين عندما التقيت صديقتي المغتربة، الممثلة إنعام البطاط، التي طلبت صوَرًا لي لأن هناك مشروعًا لفيلم كبير في سويسرا، ذي إنتاج ألماني ـ سويسري ـ إنكليزي مشترك. ثم مرّت الأيام، ونسيت الموضوع. بعد عامين، تمّ الاتصال بي لمعرفة تفاصيل عني، وفي الوقت نفسه كان هناك اتصال مع ممثلين آخرين من مناطق أخرى. عندما جاء المخرج سمير لتقديم فيلمه "الأوديسا العراقية" (2016) في بغداد، التقيته. لكن المشكلة، حينها، كامنةٌ في ضعف إجادتي اللغة الإنكليزية. فكان الحلّ أنهم درّبوني عليها. بعد 6 أشهر، تمّت الموافقة على منحي الدور. كانت فرصة عظيمة لي لاختبار قدراتي في السينما، بعد المسرح والتلفزيون".
وشدّد عبد الرزاق على أنه واجه تلك المشكلة (عدم إجادته اللغة الإنكليزية) في البداية، "لكني تجاوزتها بالإيقاع، فكنت أحفظ إيقاع الأشياء. بالإضافة إلى اللغة، كان إيقاع إحساسي بالأشياء المحيطة بي تُشغل الآخرين عن اللكنة في لغتي، باعتباري عربيًا مغتربًا بحسب الدور والنصّ والموضوع". وأضاف: "أنا أكاديمي، أدرِّس التمثيل، وأعرف أهمية الجذر المسرحي للممثل السينمائي، لكن ليس أي ممثل، بل ذاك الذي يفهم صمت المسرح، لا ثرثرته وصراخه". وأشار إلى رغبته في أن يكون مُقنعًا للمُشاهدين، فكان يحفظ روح الإيقاع، "لأن الإيقاع لغة عالمية. ولإقناع الآخرين وإشغالهم والتأثير عليهم والتواصل معهم، انصبّ تركيزي على الوضع النفسي والعقلي والجسدي للشخصية، فباتت اللغة "تحصيل حاصل". وكما يحفظ المرء مقطوعة موسيقية، كنت أحفظ الوضع الروحي للغة الإنكليزية، بالاستماع المتكرر للعبارة، والإلحاح عليها".
أما عن تجربة العمل مع، سمير جمال الدين، فقال إنه "مخرج بمنتهى الذكاء في التعامل مع الممثل. قدرته على تقييم الأداء دقيقة للغاية. يستمع، ويترك مساحة حرية للابتكار ليريح الممثل. تقرأ إجاباته من لمعان عينيه. تشعر دائمًا أنه يراقب بشدّة كلّ شيء. لكنه يجعلك مطمئنًا وغير خائف، فهو يسأل عنك وعن راحتك".
وعن تجربته السينمائية الأولى، قال: "أؤمن بقدرة الإنسان وإرادته. لكن آفاق المستقبل قدرية بالنسبة إليّ، لأني لم أفكر بأنّ أكون ممثلاً فأصبحت ممثلاً، ولم أفكر بأنّ أكون مخرجًا فصرت مخرجًا، ولم أفكّر بتقديم أعمال في أوروبا وتكتب عني الصحف الأوروبية، فحدث هذا. هم يعتبرونني أفضل أكاديمي لتدريس الممثلين وتدريبهم وترشيحهم للاحتراف. لم أفكّر يومًا بأنّ أصبح أستاذًا في الجامعة التي تخرّجت منها، ولم أتوقّع أن أمثّل في فيلم سينمائي بإنتاج أوروبي. بالنسبة إليّ، المسألة لعبة ولهو ومتعة. أجتهد لأكسب متعتي وأفرح بنفسي. هذا، كما يبدو، يجعلني مطلوبًا. لن أكون موجودًا في المستقبل، فلماذا أُشغل نفسي بالعدم؟ أشغلها بما أفعل الآن وهنا، وبكيف أُعيد تفكيك التكرار كي لا أشعر بالملل. يبدو لي أن هذا كلّه وسيلة لترك بصمات لاحقًا".
المساهمون