هيئة الانتخابات التونسية توصي بعدم تطبيق التعديلات الانتخابية: أزمة جديدة في الأفق؟

19 يوليو 2019
رئيس الجمهورية لم يختم التعديلات الجديدة (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -

طالبت الهيئة المستقلة العليا للانتخابات في تونس، اليوم الجمعة، مكاتبها بالمحافظات بتطبيق القانون الانتخابي القديم، وعدم إدراج التعديلات الجديدة التي أقرها البرلمان مؤخراً، وصادقت عليها هيئة مراقبة دستورية مشاريع القوانين، بسبب عدم ختمها، حتى الآن، من قبل الرئيس الباجي قائد السبسي، كما ينص القانون.

وأكدت عضو هيئة الانتخابات حسناء بن سليمان، في تصريح لـ"العربي الجديد"، اليوم الجمعة، أنّ "الهيئة وجدت نفسها في مأزق كبير، بسبب عدم وضوح الرؤية أمامها، خاصة وأنه لم يبق سوى يومين على بدء تقديم الترشيحات، فيما يتزامن ذلك مع عطلة نهاية الأسبوع، ولا يوجد أي إجراء بدعوة الإدارات لفتح أبوابها استثنائياً لتقديم وثائق للمترشحين"، مبينة أنّ المترشحين سيقدمون ترشيحاتهم بدءاً من 22 يوليو/ تموز إلى الـ29 منه، بحسب القانون القديم.

وأوضحت بن سليمان أنّ الهيئة ستعمل وفق القانون الجاري به العمل "طالما أنّه لم يوضع ختم رئيس الجمهورية على التعديلات التي أجريت على القانون الانتخابي، ولم يرد على الهيئة ما يفيد اعتماد التعديلات الجديدة"، مشيرة إلى أنّ "الهيئة تعمل بحسب ضوابط قانونية ومنظومة إعلامية وترتيبات، وليس لها صلاحية للعمل وفق قانون ليس ساري المفعول، وبالتالي فهناك ضبابية أمام الهيئة، التي كان من المفروض أن يكون كل شيء واضحاً أمامها لتتمكن من تقديم إيضاحات للمترشحين". 

ورأت أنّ "إمكانية توقيع رئيس الجهورية في الساعات القليلة القادمة على القانون الانتخابي ستعقّد الوضع أكثر، لأنّ وضع تعديلات تزامناً مع تقديم الترشحات مسألة تطرح عدة إشكالات قانونية وعملية أمام الهيئة"، مشيرة إلى أنّ "رئاسة الجمهورية وحدها يمكنها أن توضح موقفها من هذا الموضوع".

وتتعلّق ھذه التعديلات بإدخال "العتبة الانتخابية" في الانتخابات التشريعیة، بحیث لا تدخل في توزيع المقاعد القوائم المترشحة التي تحصلت على أقل من 3% من الأصوات المصرّح بھا على مستوى الدائرة الانتخابیة.

كذلك تضمن مشروع القانون الانتخابي تعديلات تتعلّق بعدد من الشروط الواجب توفرھا في المترشح للانتخابات، كرفض ترشيحات وإلغاء نتائج من تبیّن استفادته أو قیامه بالإشھار السیاسي خلال السنة التي سبقت الانتخابات بالنسبة للتشريعیة والرئاسیة.

واشترط القانون الجديد إدلاء المترشح للتشريعیة ببطاقة أمنية قضائية تسمى قي تونس بطاقة عدد 3 خالیة من السوابق العدلیة، فیما يجبر القانون المترشح للرئاسة، إلى جانب ھذه البطاقة، على تقديم ما يفید التصريح بالمكاسب والمصالح في الآجال، وما يفید التصريح الجبائي للسنة المنقضیة قبل سنة الانتخابات.

وتفرض التعديلات أيضاً على ھیئة الانتخابات رفض ترشح كل من يثبت قیامه بخطاب لا يحترم النظام الديمقراطي ومبادئ الدستور، أو يمجد انتهاكات حقوق الإنسان.

واعتبرت أحزاب ومنظمات أنّ "هذه التعديلات جاءت لتمنع الأحزاب الصغيرة من دخول البرلمان، وتقصي مرشحين جدد قدمتهم التوقعات في مقدمة نوايا التصويت"، في حين اعتبر الداعون إلى التعديلات أنّها جاءت لـ"تمنع استغلال الجمعيات ووسائل الإعلام لخدمة مصالح سياسية والتحايل على الناخبين".


وطرحت هذه القضية جدلاً دستورياً وسياسياً واسعاً في تونس، والتي تترقّب إجراء الانتخابات التشريعية في 6 أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، والرئاسية في 10 نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل.

واعتبر أستاذ القانون الدستوري جوهر بن مبارك، في تدوينة نشرها، مؤخراً، على صفحته في "فيسبوك"، أنّه "عند تجاوز آجال الختم المنصوص عليها بالفصل 81 يُعتبر القانون مختوماً بحكم النصّ الدستوري حتى لو لم يمضه رئيس الجمهورية مادياً، وكذلك الأمر بالنسبة للنشر"، مؤكداً أن ّ"هذا التأويل هو الوحيد الذي يحترم النص وبنية الدستور وروحه، وأي تأويل آخر يصب في النهاية إلى إسناد رئيس الدولة اختصاصاً ضمنياً خارقاً وخرافياً، يمكنه من الضرب عرض الحائط بكامل العملية التشريعية وتحويلها إلى عملية عبثية محكومة بإرادته المنفردة".

واعتبر بن مبارك أنّ "هذا الفصل لم يسند لرئيس الجمهورية صلاحية قطع العملية التشريعية والالتفاف على الدستور برمّته، وحتى على حق الردّ المقّيد بآجال و إجراءات (التعليل وإعادة التصويت)، لأن أي تأويل آخر يعطي لرئيس الجمهورية حق (فيتو) مطلق ونهائي على أي مشروع قانون يمكّنه من قبر أي قانون لا يحلو له أو لا يروق له، وهذا كان موجودا في أنظمة الملك المقدّس الغابرة من القرون الوسطى، ولم يعد موجوداً حتّى في أنظمة الاستبداد الحديثة".


وختم بن مبارك بالتأكيد أنّ "أي تأويل آخر يفرغ مبدأ فصل السلط من مفعوله الدستوري، ويجعل السلطة التشريعية تحت وصاية كاملة لرئيس الجمهورية. أنا لست من أنصار التأويل العدمي الذي يوصل فقط إلى مخانق وأزقة لا مخرج منها".


وذهب القاضي الإداري أحمد صواب، في حوار تلفزيوني، إلى اعتبار تمنع الرئيس السبسي عن ختم التعديل "مخالفة صريحة للدستور تقتضي توجيه لائحة عزل للرئيس".

وتساءل مراقبون عن سبب صمت الرئيس السبسي وعدم اتخاذه أي موقف، فقد كان بإمكانه أن يرد القانون إلى البرلمان أو يدعو للاستفتاء عليه في أجل خمسة أيام، إذا كان معارضاً للتعديلات، ويعتبر أنّها "تشكل إخلالاً دستورياً أو تهديداً للعملية الديمقراطية"، ولكنه اكتفى بالصمت، إذ لم يقم بأي نشاط منذ يوم 8 يوليو/ تموز الماضي، بعد أن كان أمضى قرار دعوة الناخبين وتمديد حالة الطوارئ عقب مغادرته المستشفى العسكري، وهو ما خلّف أسئلة كثيرة في الأوساط السياسية، وحتى الشعبية في تونس، من دون إجابات.