هولندا والمكسيك.. العكس بالعكس والبادئ أظلم

30 يونيو 2014
روبن يحتفل بعد الفوز على المكسيك (Getty)
+ الخط -
"كرة القدم هي الشيء المهم جداً ضمن الأشياء غير المهمة في الحياة".. كلمات قالها الإيطالي حليق الرأس، أريجو ساكي، بعد خسارته نهائي كأس العالم عام 1994 في أمريكا. ضياع ركلة جزاء باجيو وفوز البرازيل في النهاية، وانهيار العلاقة تماماً بين النجم روبرتو والمدرب أريجو، والمونديال الحالي يعيدنا من جديد إلى القصص الدرامية والمباريات الملحمية في عالم الساحرة المستديرة.

المكسيك تتقدم حتى الدقائق الأخيرة، أوتشوا يتحول إلى الرجل الأخطبوط الذي يعرف كيف يغلق المرمى، فان بيرسي يخرج والكل ينتظر خروج "الطواحين"، شنايدر السيء يسجل هدفاً صاروخيّاً، وركلة جزاء مشكوك في صحتها تٌنهي الحلم اللاتيني وتصعد بالمارد الأوروبي إلى ربع النهائي في قمة مونديالية قوية.

المكسيك أفضل
بدأ المنتخبان بطريقة اللعب نفسها تقريباً، (3-5-2) التي تتحول في الدفاع إلى (5-3-2) صريحة هولندا تفوقت على تشيلي لأن سامباولي اندفع إلى الأمام وحاول فتح الأطراف بأكثر من لاعب فترك الوسط إلى فان جال الذي سيطر عليه ونجح في التحكم بالمباراة، بينما أمام المكسيك فشلت الخلطة الهولندية تماماً لأن ميجيل هيريرا يلعب بالاستراتيجية، إغلاق الملعب تماماً والعودة إلى الدفاع مع الاعتماد على المرتدات القاتلة .

يوهان كرويف انتقد فان جال كثيراً بسبب لجوئه إلى خطة دفاعية نوعاً ما، وإهماله الهجوم ودعاه للعودة إلى الكرة الشاملة الحقيقية، ربما يكون العرّاب على حق في المجمل، لكن أيضاً نقص العناصر الهجومية في المنتخب أجبر المدرب الخبير على اللعب بهذه الطريقة، وهذا كان واضحاً  بشدة أمام المكسيك، رفاق ماركيز خنقوا هولندا تماماً وحرموهم من بناء الهجمة وإذا أرادوا صناعة مرتدة، الطرق كلها مغلقة لأن الثلاثي الخلفي لا يتقدم أبداً رفقة لاعبي الإرتكاز .

خطة (3-5-2) نجحت مع المكسيك لأنها تضم أطرافاً سريعة جداً سواء في الهجوم أو الدفاع، بينما خروج دي يونج في البداية جعل الوسط الهولندي ضعيفاً على الصعيد الدفاعي مع مبالغة الأظهرة في التمركز الخلفي أمام مرماهم، وبالتالي أصبح أمام أجيلار ولايان مساحات كبيرة جداً للتحرك، بالإضافة إلى توغل دوس سانتوس داخل المنطقة الحمراء بين الدفاع الهولندي وخط وسطه.

بعيداً عن الطقس والحرارة وبقية الأعذار، ميجيل هيريرا تفوق بامتياز على الهولندي فان جال خلال الساعة الأولى من المباراة، الدفاع المنظم والوسط السريع في نقل الهجمة من الخلف إلى الثلث الهجومي السريع، مع الأطراف المندفعة أمام دفاع هولندي متراجع بشكل مبالغ فيه، لذلك هدف التقدم المكسيكي كان عادلاً إلى أقصى درجة ممكنة.

الوقت المستقطع
على طريقة كرة اليد، ساعد نظام "فيفا" الجديد لويس فان جال كثيراً، وقت الراحة قبل آخر ربع ساعة من المباراة، جعل المدرب القدير يغيّر أفكاره وطريقة اللعب، من (3-5-2) إلى (4-3-3) صريحة ثم إلى (3-4-3) الهجومية، وكأنه يعود إلى الأصل، خرج فيرهاج سريعاً ودخل ديباي ثم إشراك هانتيلار مكان روبين فان بيرسي ليصبح الانتشار في الملعب عبارة عن رباعي دفاعي ثم ثلاثي في الوسط، وثلاثي هجومي صريح.

تراجع هيريرا كثيراً، أخرج دوس سانتوس وأدخل أكوينو لتتحول (3-5-2) إلى (3-6-1)، عاد المنتخب المكسيكي إلى الدفاع وترك الملعب بأكمله للهولنديين، كويت اللاعب الذي يلعب مباراته الدولية رقم مئة بدأ المباراة كظهير أيسر ثم تحول في الشوط الثاني إلى الأيمن، وفي الدقائق الأخيرة أصبح جناحاً هجومياً صريحاً مع ثبات ثلاثة لاعبين بالدفاع.

ليس من السهل أن تبدأ المباراة بأسلوب دفاعي وبطريقة محافظة، ثم تقوم بتغيير كل شيء في الشوط الثاني، التحول من رد الفعل إلى أسلوب المبادرة الاستباقية أشبه بالصاعقة أو كما يُطلق عليها الـ "Vice Versa" أي العكس بالعكس، من التحفّظ إلى الجنون.

روبن حكاية ممتعة في هذه البطولة، من النجوم الكبار للمونديال، وقلب مركزه من العمق إلى الجناح ساعده كثيراً في الهروب من الكمّاشة المكسيكية والتحرك بحرية على أطراف الملعب. هولندا لعبت الدقائق الأخيرة في الثلث الأخير، ورغم الاندفاع إلا أن الهدفين جاءا من كرات ثابتة، ركنية ثم ضربة جزاء، لتبتسم اللعبة أخيراً "للبرتقالة" وكأنها تعوضهم قليلاً عن المآسي التاريخية في السنوات الماضية.
المساهمون