هوزان عكّو: "إسبرسو" مسلسل عن سورية... في مقهى بيروتي

03 اغسطس 2014
الحدث السياسي وحده لا يكفي... والأولوية لحكايات النازحين
+ الخط -
السيناريست والمسرحيّ الكرديّ السوريّ هوزان عكّو واحد من الأسماء التي لمعت في عالم الدراما السورية خلال السنوات القليلة الماضية. هو كاتبُ مسرحية بروانة "الفراشة" (جائزة دمشق عاصمة للثقافة العربية) ومسلسل "لورانس العرب"، إضافة إلى أعمال أدبية ودرامية أخرى. كان قد جدّد الصيغة الدرامية القديمة لـ"أسعد الوراق" إلى 30 حلقة، ونال ثناءً على معالجته العميقة لواحد من أهم كلاسيكيات الدراما السورية.
في حوار خاصّ مع "العربي الجديد" قال رأيه في مسلسلات سورية عُرِضت أخيراً في شهر رمضان الفائت، وسلّط الضوء على علاقة الثورة السورية ومضاعفاتها الإبداعية الملحّة مع كتّاب ومنتجي الدراما.

عُرضت مسلسلات سورية جديدة خلال شهر رمضان، لكن خلت معظمها من تحول نوعيّ يوازي التغيير الهائل الذي عصف بكل شيء في سورية. ما السبب برأيك؟

الدراما مرتبطة بتوجّهات الشركات المنتجة والمحطات العارضة، وبمبدأ العرض والطلب، وفي أحيان كثيرة يقتصر الأمر على الطلب وحسب. بالتالي فإنّ أي تحوّل، نوعيّاً كان أو طفيفاً، يبدأ بقرار أو توجّه من الجهة المنتجة واستقرائها لأمزجة القنوات العارضة بمواقفها المتباينة. إذ ليس بالضرورة أن يكون المضمون السياسي للعمل سبباً في عرضه أو منع عرضه، وهذا أساسي في الإنتاج طبعاً. لكن في المقابل نلمس انفتاحاً نسبياً على مستوى الصورة والتقنيات، ولا أسمّيها تحوّلات نوعية، بل محاولات قابلة للتطوير، إذا استثنيا العمل الذي قدّمه المخرج حاتم علي في مسلسل "قلم حمرة" للكاتبة يم مشهدي، لأنّه ربّما يكون أكثر الأعمال جرأة وتميّزاً، سواء بالنسبة إلى المعالجة الدرامية وبنية السرد التي ابتكرتها يم مشهدي، أو الإخراج وأداء الممثلين. يضاف إلى ذلك شجاعة الجهة المنتجة (شركة إيبلا – هلال أرناؤوط) إذ دخلت في مساحات مطروقة مسبقاً بصيغ حوارية نفسية مركّبة، تناقش المواضيع الآنية ذهنياً بخلاف بقية الأعمال. 

كيف ترى أثر النزوح والتشتت على خيارات الممثلين وكتّاب الدراما التلفزيونية، لا سيما أنّ عدداً كبيراً منهم اتخذ من بيروت أو القاهرة مكاناً للعمل والعيش؟

اتّجاه بعض شركات الإنتاج إلى البحث عن مواقع آمنة للتصوير فتح الخيار أمام كتابة نصوص مشتركة وفي مدن عربية متعدّدة، خصوصاً في بيروت، نظراً إلى التداخلات الجغرافية والثقافية وتوفر بعض التماثلات البيئية. في المقابل اتّجهت بعض شركات الإنتاج اللبنانية إلى الاستفادة من الخبرات الدرامية السورية، كتّاباً ومخرجين وممثلين وفنيّين، مما أدّى إلى إنتاج أعمال مشتركة. الخيارات في هذه الحالة تبدو مفتوحة من حيث إمكانية التعامل مع نصوص عربية مشتركة من جهة، لكنّها محدودة لجهة محدّدات شرط التواجد السوري في بيروت. فإما البحث في حالة النزوح، ومشكلات النزوح القسري أو الطوعي، أو الحديث عن وجود سوري سابق، وفي كلّ الحالات لا بدّ من تأصيل تواجد السوري ضمن حكاية تجري في بيروت وفي الزمن الراهن. لكنّني أستثني من هذه الحالة الأعمال التي تؤسّس على جمع نجوم سوريين وعرب في حكايات درامية تقليدية، أغلبها مُقتبسة، لا تنظر إلى الحضور السوري في بيروت من وجهة نظر عقلانية ومتأنية تلامس الحقيقة التي هي بطبعها مركّبة وسجاليّة. بالتالي نلمس لا منطقية في العلاقات بين الشخصيات، وأغلب هذه الأعمال تُنتَج بهدف الاستفادة من القيمة التسويقية لهؤلاء النجوم. 

ما هو محور مسلسل "إسبرسّو" الذي أنجزت من كتابته 60 حلقة؟

محور "إسبرسّو" هو حالات النزوح ومشاكلها، والعلاقات الاجتماعية التي نتجت عنها في ظرف سوري ولبناني غير عادي. هناك الموقف السياسي المعقّد والمتغيّر على نحو سريع، ومزيج حالات الحنين أو البحث عن جهات نزوح عبر مراكب الموت، إضافة إلى حكايات اللاجئين والهاربين من جحيم الموت، كلّها تفرض نفسها عليّ في هذه الحالة، وهو ما اعتمدت عليه في بناء حكاية مسلسل "إسبرسو". 

تقيم في بيروت منذ سنتين تقريباً، وشهدت كيف تحولت الحياة في دمشق قبل انتقالك إلى بيروت.  ما الذي طبعته المدينة في ذاكرتك؟ وهل ترى في الوقت الحالي إمكانية للكتابة عن حدث ما زال مستمراً؟

على نحو عضوي لستُ متواجداً في دمشق، لكنّني لست غائباً عنها. لا أشهد التحولات اليومية فيها، لكنّ توارد الأخبار والتراسل اليومي يكرّسان لديّ صورة عشت بدايتها: صورة مدينة تنام على أمل انفراجة سياسية وتفيق على ترقّب موت يومي مجهول المصدر. في الذاكرة شعور مرير يتغالب داخله مزيج من النكران والحنين.

والكتابة عن حدثٍ ما زال مستمراً تجربة محفوفة بمخاطر جمّة. إذ لا توجد صورة واضحة ومتكاملة تسمح بالكتابة عن الحدث السوري العظيم والمرعب والمستمرّ. يبقى رصدُ الانعكاسات وتوثيق القصص اليومية أكثر منطقية من الناحية الدرامية؛ فاللحظة الدرامية هنا ليست حيادية ولا تفتقر إلى موقف سياسي محدّد، لكنّ الموقف السياسي وحده ليس نقطة انطلاق كافية في البناء الدرامي. النصوص التي تُبنى وتنطلق من موقف سياسي مُسبَق، بغضّ النظر عن مضمونه، يأتي بناؤها هشّاً ومتسرّعاً وغير قابل للصمود في ظلّ حدث سياسي متطوّر ومتسارع يتغير خلاله اللاعبون، أبطالاً وضحايا ومجهولين.

كان من المفترض أن يجري تصوير مسلسل "إسبرسو" الذي أنهيت كتابة 60 حلقة منه. لماذا تم تأجيل إنتاجه، وهل من عمل جديد لك خلال الموسم المقبل؟ 

نصّ "إسبرسو" يحتاج ظروفاً إنتاجية خاصّة تسمح بتنفيذه بالطريقة المطلوبة، وحسب البنية التي يقوم عليها. إذ يدور أغلب العمل داخل مقهىً في شارع الحمرا ببيروت، وستتم مباشرة تنفيذه عند توفر تلك الشروط. الأولوية هي للشروط الفنية دائماً، ولا يمكن بأيّ حال البدء بتنفيذ "إسبرسو" وفق الصيغة التقليدية. هذا النصّ الذي كان يمكن أن يزداد إلى 90 حلقة، ونصّ آخر أقوم بكتابته الآن، هما المشروعان الآتيان في الموسم المقبل، إضافة إلى نصّ مسرحي بعنوان "ساعة القنّاص" سيصدر قريباً في بيروت.

المساهمون