هموم شعرية: مع آدم فتحي

01 أكتوبر 2018
(آدم فتحي)
+ الخط -

تقف هذه الزاوية مع شاعر عربي في علاقته مع قارئه وخصوصيات صنعته ولا سيما واقع نشر الشعر ومقروئيته.


■ من هو قارئك؟ وهل تعتبر نفسك شاعراً مقروءاً؟
قارِئِي هو من يكتُب قصيدتي كلّما استمع إليها أو قرأها. هذا النوع المبدِع من القرّاء يتبنّى التجربة الإبداعية إذا أحسّ بأنّه يَكْبُرُ بِها ومَعَهَا، ويهْجُرُها إذا أحسّ بالعكس. من هذا المنطلق أعتقد أنّ لكلّ كاتبٍ القرّاء الذين يستحقّهم ويستحقّونه.


■ كيف هي علاقتك مع الناشر، هل لديك ناشر وهل هو الناشر الذي تحلم به لشعرك؟
لدينا في تونس وفي جلّ البلاد العربيّة ناشرون جيّدون يحترمون الكاتب والقارئ. ولعلّي محظوظ بالتعامُل مع أحدهم. إلا أنّ الغلبة تظلّ للأسف لناشرين يريدون إقناع الكاتب بأنّهم "يُسْدُون له خدمة" أو "عامْلين عليه مزيّة" بحسب التعبير العامي التونسي. بعضهم "مَطْبَعْجِي" متنكّر في زيّ ناشر. يشتغل وسيطاً بين الكاتب والمطبعة ثمّ يكتف يديه ويقول للكتاب "طِرْ لِوَحْدِك". حُلْمِي أن يُصبح مُعظم الناشرين العرب أصحاب رؤية استراتيجيّة وأن تتغيّر ذهنيّتهم ومنهجيّتهم. هذا يتطلّب طبعاً سياسةً ثقافيّة مختلفة تضع الكتاب في المركز، وتسنّ القوانين اللازمة لدعم النشر.


■ كيف تنظر إلى النشر في المجلات والجرائد والمواقع؟
أتعامل مع الصّحافة منذ ثلاثين سنة بلا انقطاع تقريباً. أوّلاً تفرُّغاً للكتابة، وثانياً رغبةً في التفاعل مع الأحداث أو الفعل فيها. لا أدري أيّ وقع كان لما نشرتُ على امتداد الخارطة العربيّة. لعلّي زرعتُ بعض البذور في بعض الأذهان. أو لعلّي أهدرتُ طاقةً كان من الأجدر أن أخصّ بها تجربتي الشعريّة. مهما كان الأمر فأنا على يقين من أنّي مدين لتلك الكتابة الصحفيّة بالكثير.


■ هل تنشر شعرك على مواقع التواصل الاجتماعيّ، وكيف ترى تأثير ذلك في كتابتك أو كتابة زملائك ممّن ينشرون شعرهم على وسائل التواصُل؟
أنا مُعْجَبٌ بزملاء كثيرين أتقنوا التعامُل مع "الفضاء الرقميّ". بل لعلّي حاولتُ أن أحذو حذوهم لكنّي فشلت. الشبكة العنكبوتيّة اليوم "مكتبة بابل". أجد فيها ما أجد في المحامل الأخرى من الإبداع والرداءة. إلاّ أنّ للرداءة فيها النصيب الأكبر. ولعلّ عزوفي عنها راجعٌ إلى عجزِي عن تحمُّل منسوب الغيبوبة النقديّة والعنف الوحشيّ والجهل المتبجّح بنفسه. ولعلّه راجع أيضاً إلى حدْسٍ بأنّ الشبكة ليست مجرّد "فترينة" اتّصاليّة أو "قناة جديدة" لتمرير "ثقافة قديمة"، وليست مُجرّد ترجمةٍ رقميّة لخصوماتنا الباثولوجيّة ونتاجنا الورقيّ، بل هي تعبير عن ثقافة مُغايرة ومفاهيم مختلفة لم تتّضح ملامحها لدينا حتى الآن.


■ من هو قارئ الشعر العربيّ اليوم في رأيك؟
ينطبق على قرّاء الشعر العربيّ اليوم ما ينطبق على "مستخدمي الإنترنت". هناك من يحفر بحثاً عن الكنوز الحقيقيّة وهناك من يكتفي بالنّقر فيحصد معرفةً سطحيّة يسهل اختراقها وتوظيفها ضدّ أصحابها. للشعر العربيّ اليوم قرّاء متعدّدون لا قارئ واحد. هناك من يقرأ بأُذن النّميمة أو بعين الفضول التي تهتزّ للـ"بوز" والفضيحة، وهناك من يقرأ بحواسّه كلّها كي يعيد كتابة ما يقرأ. القارئ الذي يعنيني هو القارئ المُبدع. يعنيني القارئ الذي ينتمي إلى ثقافة الحَفْر لا إلى ثقافة النَّقْر.


■ هل توافق على أنّ الشعر المُتَرجَم من اللغات الأخرى هو اليوم أكثر مقروئيّة من الشعر العربيّ، ولماذا؟
يحتاج هذا الرأي إلى شيء من التنسيب. الشعر المُتَرجَم إلى العربيّة يصِلُنا محفوفاً بهالة الترجمة وما تعنيه أو تفترضه من قيمة وأهميّة. تلك "الهالة" تحلّ محلّ "المتابعة النقديّة" و"الحفاوة الإعلاميّة" الضروريّتين لجلب اهتمام القارئ. وهي للأسف الحلقة المفقودة حتى الآن بالنسبة إلى معظم الكُتُب العربيّة.


■ ما هي مزايا الشعر العربيّ الأساسيّة وما هي نقاط ضعفه؟
أعتقد أنّ الشعر لغة عالميّة إنسانيّة عابرة للغات. لذلك يصعب الحديث عن مزايا ونقاط ضعف خاصّة به في هذا المكان أو ذاك، إلاّ بالنظر إلى خصوصيّات المكان. من هذا المنطلق قد يجوز القول إنّ للشعر العربيّ حتّى الآن مكانةً في الوجدان العامّ تحسده عليها اللغات الأخرى. في المُقابل هو يُعاني من سياسةٍ رسميّة ما انفكّت تُهمّش الشيء الثقافيّ وتُعادي الإبداع.


■ شاعر عربيّ تعتقد أنّ من المهمّ استعادته الآن؟
علينا أن "نستعيد" شعراءنا كلّهم لأنّنا نتعامل معهم باعتبارهم "إشاعات" ولا نعرفهم معرفة حقيقيّة. هذه الاستعادة ليست حاجة الشعراء. القرّاء العرب هم المحتاجون اليوم إلى استعادة مبدعيهم بشكل عامّ. جيلُ الأبناء اليوم يكاد لا يعرف شيئاً عن شعراء جيل الآباء. والأمر يشمل مختلف جوانب الثقافة. لا أحد يبدو منتبهاً بما يكفي إلى خطورة غياب الرصيد الثقافيّ المشترك بين أبناء الجيل الواحد فما بالك بالأجيال المختلفة. وتعزيز هذا الرصيد المشترك شرْطٌ أساسيّ من شروط بناء الشّعوب والتصدّي للتفكُّك والارتقاء من مستوى المُتساكنين إلى مُستوى المواطنين.


■ ما الذي تتمنّاه للشعر العربيّ؟
أتمنّى له ما أتمنّى للمواطن العربيّ: الحريّة والكرامة وتحقيق الذات. الشعر تَعدُّدٌ والبعض يتعامل معه بذهنيّة "البُعْد الواحد". هو تفتُّحٌ والبعضُ "إقصاء". هو بحثٌ والبعضُ "يقين". هو تحرُّرٌ والبعض "أقفاص ودكاكين". الغريب في الأمر أنّ هذا "البعض" يُضيّق عليه بدعوى الدفاع عنه. لقد "نُعِيَ" الشّعر أكثر من مرّة وأثبت في كلّ مرّة أنّه حَيٌّ "يُكْتَب" ويُدافع عن نفسه. فَلْيُجَنَّبْ شرَّ البعض من "أصدقائه" أمّا أعداؤُه فهو كفيل بهم.


أيامُه وأعمالُه
شاعر ومترجم وكاتب أغنية وإعلامي تونسي من مواليد 1957. من مجموعاته الشعرية: "سبعة أقمار لحارسة القلعة" (1982)، "أغنية النقابي الفصيح" (1986)، "أناشيد لزهرة الغبار" (1991) و"المعلّقة" (1994)، و"نافخ الزجاج الأعمى.. أيامه وأعماله" (2012). من ترجماته إلى العربية: "يوميات شارل بودلير"، و"مثالب الولادة" و"تاريخ ويوتوبيا" لـ إميل سيوران، وروايات لـ جيلبرت سينويه، ونعيم قطّان.

المساهمون