هل يلجأ الكاظمي إلى إيران لخفض تصعيد المليشيات؟

16 يوليو 2020
تكفر بعض الفصائل من يخالفها الرأي (حسين فالح/فرانس برس)
+ الخط -

يطرح مسؤولون في بغداد، ونواب في البرلمان العراقي، إمكانية لجوء رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي إلى إيران، من أجل الاستحصال منها على ضمانات تهدئة، أو إعادة تنظيم لعلاقته مع الفصائل المسلحة المحلية المرتبطة بطهران، على اعتبار أن الأخيرة هي الجهة الضابطة لها. ويسعى الكاظمي إلى احتواء التوتر المتصاعد بين حكومته وتلك الفصائل، وذلك بعد فشل اجتماعين معها عقدا أخيراً في حيّ الجادرية في بغداد، وقبله في مقر هيئة "الحشد الشعبي" في العاصمة العراقية، في شهر يونيو/حزيران الماضي. ولم تترجم أيّ من التفاهمات التي تمّ التوصل إليها، سواءً بين الكاظمي ورئيس "الحشد" فالح الفياض، أو بينه وبين قيادات في تلك الفصائل، على الأرض، أو تنعكس ارتداداتها على المشهدين الأمني والسياسي في البلاد. ويأتي ذلك مع استمرار تهديدات ما باتت تعرف بـ"خلايا الكاتيوشا" للمنطقة الخضراء، وللمعسكرات التي تضم قوات أميركية.

استخدمت وسائل إعلام تابعة للمليشيات المسلحة الموالية لإيران لغة التخوين بحق الكاظمي

وتترقب بغداد زيارة لوزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف كشفت عنها مصادر دبلوماسية عراقية أول من أمس الثلاثاء، لـ"العربي الجديد"، وقالت إنها تهدف إلى بحث جملة من الملفات الهامة بين البلدين. وتعتبر زيارة ظريف المرتقبة، الأولى لمسؤول إيراني رفيع إلى العراق، منذ تولي الكاظمي رئاسة الحكومة خلفاً لعادل عبد المهدي، الذي استقال من منصبه بعد تفجر الاحتجاجات الشعبية في مناطق جنوب ووسط البلاد وبغداد.

ويزداد التوتر بين الفصائل المسلحة الموالية لطهران في العراق من جهة، وبين الكاظمي من جهة أخرى، خصوصاً مع مواصلة الأخير إجراءات التغيير في المفاصل الأمنية والعسكرية الحسّاسة، وتحركاته تجاه ملف الحدود البرّية التي تعتبر مصدر تمويل مهم لمليشيات بارزة، ظّلت لسنوات طويلة تتحكم في منافذ حدودية مختلفة، خصوصاً مع إيران وسورية. ويتزامن ذلك مع استمرار تسجيل هجمات متفرقة بصواريخٍ الكاتيوشا على المنطقة الخضراء في العاصمة، في رسالة للأميركيين، تتهم تلك الفصائل بالوقوف وراءها. كما سُجّل أخيراً هجوم جنوبي العراق استهدف شاحنات آتية من موانئ البصرة، تحمل مواد ومعدات لصالح القوات الأميركية، فضلاً عن حادثة اغتيال الباحث هشام الهاشمي، والتصعيد الإعلامي من قبل نحو 30 وسيلة إعلامية تمتلكها تلك المليشيات ضد الكاظمي. واستخدمت هذه الوسائل لغة التخوين، لدرجة أن قناة "العهد" المملوكة لمليشيا "عصائب أهل الحق"، وهي من أكبر المليشيات الموالية لإيران في العراق، وصفت جهاز الاستخبارات الذي يترأسه الكاظمي بـ"مليشيا الاستخبارات". كما وصفت تلك الوسائل الإعلامية القوات التي فضّت تظاهرات المستفيدين من قانون "رفحاء" في العراق، بأنها "قوات الكاظمي"، ما أكد عمق الخلافات بين الطرفين.
وبحسب مستشارٍ في مكتب رئيس الوزراء العراقي، ونائب في البرلمان ضمن كتلة تحالف "الفتح"، تحدث كلٌّ منهما على انفراد لـ"العربي الجديد"، فإن السيناريو أو الخيار الأقرب المتاح حالياً أمام الكاظمي للسيطرة على الفصائل ووقف التصعيد ضد حكومته، هو التوجه إلى الإيرانيين، كونهم الجهة الوحيدة التي تمتلك صفة الضامن لكل ما يرتبط بتلك الفصائل.
وبحسب المسؤول العراقي الذي تحدث عبر الهاتف مع "العربي الجديد"، فإن فالح الفياض لا يملك السيطرة على أكثر من 20 فصيلا مسلحا، مثل "حزب الله" و"النجباء" و"الطفوف" و"سيد الشهداء" و"الإمام علي" و"الخراساني" وغيرها. ويلفت المصدر إلى أن رئيس الوزراء العراقي الأسبق نوري المالكي، يسيطر على عدد من الفصائل أكبر مما يسيطر الفياض، مؤكداً أن تفاهمات وتعهدات سابقة قطعت للكاظمي في هذا الإطار، أثبتت هشاشتها واستحالة التعويل عليها. ولذلك يتوقع المسؤول أن يتجه رئيس الحكومة إلى إيران لاحتواء الأزمة، وخصوصاً إلى شخصيات سياسية ودبلوماسية في طهران، مثل أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني، والسفير الإيراني السابق في بغداد حسن دنائي فر، بهدف ممارسة هؤلاء ضغوطاً لضبط التصعيد الأمني والسياسي لهذه المليشيات ضده.
في المقابل، يقّر نائبٌ في البرلمان العراقي عن كتلة تحالف "الفتح"، في حديث لـ"العربي الجديد"، بوجود حالة تفلت وعدم سيطرة على فصائل مسلحة، يشكل عناصرها تحدياً كبيراً في حال استمرار تمردهم على الدولة. ويشرح البرلماني العراقي أن بعض تلك الفصائل باتت تتضمن أجنحة أو مجموعات عقائدية تكاد تكفّر كلّ من يخالفها في طروحات معينة، مثل مسألة الوجود الأميركي في البلاد، أو قتال الأميركيين في سورية، بالإضافة إلى ملفات أخرى تتعلق بالتظاهرات والتيار المدني أو اللاديني، والذي يتنامى في العراق بشكل واضح، بحسب قوله.

قد تسعى طهران إلى تحريك أوراق معينة لإشعار الكاظمي بصعوبة ابتعاده عنها خلال فترة توليه منصبه

من جهته، يخشى القيادي في "التيار الصدري"، حاكم الزاملي، أن يؤدي توجه الكاظمي نحو الخارج، إلى نتائج عكسية، وزيادة منسوب التوتر بينه وبين تلك الفصائل. ويعتبر في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "الحشد" جزء أساسي من التركيبة العسكرية العراقية، واتسم دوره خلال الحرب على تنظيم "داعش" بالتميز، لافتاً إلى أن أي تشنج في العلاقة بين الحكومة و"الحشد" سيأتي بالضرر على البلد وشعبه. أما المسؤول عن ذلك فسيكون القائد العام للقوات المسلحة، وهو رئيس الوزراء، بحسب رأيه. ويرى الزاملي أن "الكاظمي بإمكانه حلّ مشاكله مع الحشد دون الاستعانة بإيران أو أي جهة خارجية أخرى، لأن كثيراً من الاتهامات بالتبعية بين الأطراف المتخاصمة في البلاد، هي منافية للحقيقة، وقد تركت أثرها السلبي على المشهد العراقي".
أما المتحدث باسم جماعة "حركة أنصار الله الأوفياء"، وهي أحد الفصائل العراقية المسلحة المرتبطة بإيران، عادل الكرعاوي، فيشدد على أن الحشد الشعبي تشكيل عسكري لا يختلف عن الجيش والشرطة العراقييين، وهو المنظور الذي يُفترض على أيّ رئيس للحكومة أن يتعامل معه من خلاله. ومن وجهة نظر الكرعاوي في حديثه لـ"العربي الجديد"، فإن الحكومة العراقية "تفتح المجال أمام الجانب الأميركي لاستهداف الحشد وتهديد قادته، ما يثير أسئلة عدة"، منها ماهية ردّ الكاظمي إذا ما كان هذا الاستهداف موجهاً للجيش. ويؤكد المتحدث باسم "أنصار الله الأوفياء"، عدم وجود أي خلاف بين "الحشد" والكاظمي، إلا أن الأول سيواصل المطالبة بخروج القوات الأجنبية من البلاد، وهو الموقف الوحيد الذي يعرضه لمشاكل مع بعض الكيانات السياسية، ومع الحكومة العراقية الحالية. وفي هذا الصدد، يتحدث الكرعاوي عن "ضغوط تتعرض لها الحكومة العراقية من أجل تحجيم الحشد وتحويله إلى مؤسسة مدنية، وعدم منحه الدور الذي يليق به عسكرياً".
وأخيراً، يرى الخبير في الشأن السياسي العراقي، أحمد الحمداني، أن لجوء الكاظمي إلى إيران قد يكون بحدّ ذاته الهدف من تصعيد المليشيات الحالي، إذ تسعى طهران إلى تحريك أوراق معينة لإشعار رئيس الحكومة العراقية باستحالة ابتعاده عنها طوال فترة توليه منصبه". ويضيف المصدر أنه في حال تمّ التوافق، فلن يجري التصريح به علنياً، بل سترى البلاد انعكاساته على الواقع الأمني، وعلى المستوى الإعلامي، متوقعاً حصول ذلك قريباً.

المساهمون