هل يفعلها ويعترف؟

10 يناير 2019
+ الخط -
تعقيباً على مقالي في "العربي الجديد" بعنوان "سطو شعري مسلح"، (27/12/2018)، ذكّرني أحد الزملاء بحادثةٍ شخصيةٍ، يمكن إدراجها في سياقات السطو الشعري، ولكن غير المسلح!
تعود الحادثة إلى سنوات قليلة مضت، كنّا حديثي عهد بالإنترنت وعوالمه، ما أتاح لأحدهم أن يسطو على بعض القصائد الكاملة وغير الكاملة من شعراء عرب معاصرين، وينشرها باسمه في واحد من المنتديات التي كانت قد انتشرت آنذاك بين المتعطشين للنشر من الموهوبين وغيرهم. ويبدو أن لا أحد من المسروقين انتبه إلى تلك السرقات التي تكرّرت على يد شخصٍ واحد، ربما لأن معظم هؤلاء هم من الأدباء الكبار في السن، ممن لم يفهموا بعد فكرة الإنترنت، علاوة على خوض غماره.. وهكذا مضت تلك السرقات بسلام، خصوصا أن "بطلها" كان قد غيّر في بعض معالمها، ما ساهم في إخفائها عن أصحابها وقرائهم أيضا. لكن نجاحه في الأمر شجعه على أن يصدق أن تلك القصائد والمقطوعات له فعلا، وأنه كتبها في زمن سحيق، ثم نسيها قبل أن ينتبه إلى أهمية نشرها من جديد، ولكن هذه المرة في كتاب، فيصدر الكتاب فعلا عن دار نشر شهيرة. والغريب المريب أن الكتاب قد انتشر انتشارا كبيرا بين القراء الشباب تحديدا، حتى اكتشفت إحدى المدونات النابهات أمر السرقة الواضحة، والتي راح ضحيتها شعراءُ وكتابٌ كبارٌ ومشهورون جدا، مثل محمود درويش وأدونيس وغادة السمان وفاروق جويدة وبدر بن عبد المحسن، بالإضافة إلي أيضا!
لم تكتف المدوّنة باكتشاف السرقات، بل بادرت إلى توثيقها ومطابقتها مع الأصول بشكل واضح جدا، ما اضطره، كما يبدو، للتواصل معي، وربما مع غيري من الضحايا (الأحياء منهم)، للاعتذار، ومحاولة تفسير ما حدث على أنه لبس وقع في أثناء النشر، وأنه كان قد أشار إلى أصحاب القصائد والمقاطع في هوامش صفحات الكتاب، لكن الهوامش قد سقطت في أثناء الطباعة، ولم ينتبه إلى الأمر إلا بعد صدور الكتاب وانتشاره. وحلا للمشكلة التي وجد نفسه فيها، بعد أن انفضح أمره، عبر المدونات ووسائل التواصل الاجتماعي، عرض علي طرحاً بدا لي مقبولا جدا، وهو الاعتذار العلني المنشور، والإشارة الى العبارات والنصوص المسروقة باسم كاتبها الحقيقي في الطبعات التالية من الكتاب.. خصوصا بعد نفاد الطبعة الأولى فعلا.
تقبلت الأمر بحسن نية، وقبلت بالحل الذي اقترحه، على اعتبار أنه سيعيد الأمور إلى نصابها، والحقوق إلى أهلها، من دون أن يتضرّر أحد فعليا. لكن المفاجأة أن طبعات الكتاب توالت، الطبعة تلو الأخرى، وبقي الأمر على ما هو عليه، حيث بقيت نصوصي ونصوص غيري ممن تمت سرقتهم منشورةً باسمه فقط في الكتاب الذي أصبح يتباهى بنجاحه وانتشاره.. وبراءة الأطفال في عينيه.
لا أدّعي أنني تضررت فعليا من تلك السرقة، ولا أظن أن الآخرين قد تضرّروا. وبالتالي لم أهتم بملاحقته، حتى بعد أن طالبني كثيرون بذلك، فقصيدتي التي سطا عليها منشورة قبل صدور كتابه بسنوات كثيرة، وكذلك قصائد الآخرين ونصوصهم، فلا يُخشى أبدا على ضياعها، أو التباس الأمر على القراء الحقيقيين ببساطة. ولكن ما بقي في نفسي، منذ ذلك الموقف، هو سؤال عن شعور كاتبٍ أو شاعر يفرح بنجاحاته لدى القراء، وهو يعرف ويعترف بأنها مزيفة، وأن كثيرين يعرفون ذلك.
أتمنّى أن يقرأ ذلك "الشاعر" مقالتي هذه، ليواجه نفسه بالإجابة، إن كان يملكها فعلا. وليعرف أنني قد سامحته، ليس على سرقته قصيدتي وحسب، بل أيضا على كذبه علي، وعدم تنفيذه الوعد الذي قطعه على نفسه بنفسه أمامي، في سبيل تصحيح ما قال إنها مجرد غلطة غير مقصودة، شرط أن يواجه نفسه بالإجابة، أو بمحاولة البحث عنها.. فهل يفعل!
دلالات
CC19B886-294F-4B85-8006-BA02338302F0
سعدية مفرح

شاعرة وكاتبة وصحفية كويتية، من مجموعاتها الشعرية "ليل مشغول بالفتنة" و"مجرد امرأة مستلقية"، ولها مؤلفات نقدية وكتب للأطفال. فازت بعدة جوائز، وشاركت في مهرجانات ومؤتمرات عدة.