هل يعود صراع الطاقة والمعادن مع الدول المجاورة لليبيا؟

20 مايو 2019
احتجاجات ليبية في ميناء الزويتينة النفطي (Getty)
+ الخط -

تتزايد المخاوف من تطور النزاع على السلطة بين مليشيات خليفة حفتر وبين الحكومة الشرعية التي يقودها فايز السراج في طرابلس، إلى نزاعات عسكرية متعددة مع دول الجوار، حول الموارد المعدنية والنفطية التي توجد في هذه المناطق الحدودية.

وتستند هذه التخوفات إلى وجود خلافات حدودية قديمة لليبيا مع دول الجوار لم يتم حلها بعد استقلال البلاد عن الاستعمار الإيطالي في ديسمبر 1951، وأن لدى الأطراف الدولية الداعمة للجنرال خليفة حفتر مصالح مادية وسياسية في إحياء هذه الصراعات.

وحسب مصادر غربية، فإن هيمنة الجنرال المتقاعد حفتر على الحكم في ليبيا، ستفتح المجال أمام صراع المصالح الدولية المتعارضة على موارد ليبيا ودول الجوار، خاصة أن هناك مصالح فرنسية في النفط والمعادن والطاقة بدول الجوار، وهناك مصالح مصرية في التمدد الجغرافي، كما أن هناك مصالح سعودية وإماراتية في منع قيام حكومات مدنية ديمقراطية في بلدان المنطقة.

كما أن لدى كل من أميركا وروسيا صراعا على الهيمنة على الطاقة العالمية وممراتها وتجارتها. 


في هذا الصدد، دعا الباحث ناثان فيست، من مؤسسة راند الأميركية، في مقال نُشر خلال شهر مارس/آذار الماضي، الولايات المتحدة، إلى الضغط على الدول الداعمة لحفتر حتى يجلس إلى مائدة الحوار، وتفادي انزلاق ليبيا إلى حرب شرسة تهدد الاستقرار السياسي في المنطقة الأفريقية.

وحسب دراسة أميركية بعنوان "حان الوقت للتسوية"، صدرت عن "مجموعة الأزمات الدولية التابعة للأمم المتحدة"، فإن مسؤولين أميركيين كبارا يتخوفون من إشعال نار "التطرف الإسلامي" في ليبيا وعلى حدودها الأفريقية، في حال ترك النفوذ السياسي للجنرال حفتر. أما المسؤولون في المفوضية الأوروبية، حسب ذات الدراسة، فإنهم يتخوفون من انفراط الأمن الحدودي الليبي على الهجرة.

من جانبهما، يرى الخبيران الروسيان، يوري فوروتنيكوف وألكسندر شيبيلوف، في تعليق لصحيفة "إكسبرت أونلاين" الروسية، أن ليبيا ربما تصبح منطقة عدم استقرار تهدد دول البحر المتوسط كلها، إذا لم تتم تسوية الحرب الدائرة بين أطراف الصراع. ومعروف أن هذه المنطقة غنية بالنفط والغاز، خاصة دول شرق البحر المتوسط.

وترتبط روسيا، التي وقّعت شركاتها عقوداً لاستخراج النفط والغاز في العام الماضي مع شركة النفط الوطنية الليبية، كما ترتبط بعلاقات قوية مع الجنرال المتقاعد حفتر.

لكن ما هي الخلافات الحدودية والمصالح التي من المتوقع أن تهدد الاستقرار في منطقة المتوسط ودول الجوار الأفريقي؟

على صعيد الموارد النفطية الحدودية مع الجزائر، يلاحظ أنه في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، طالبت طرابلس بحوالي 30 ألف كيلومتر مربع من شرق الجزائر، وذلك باعتبار أن هذه المنطقة ربما تكون غنية بالمواد الهيدوكربونية. وكانت الشركات النفطية الغربية تهيمن على نفط ليبيا في تلك الفترة، حيث وضعت يدها على إنتاج النفط الليبي باحتياطاته الكبيرة.

ومن شرق الجزائر بالذات، في الستينيات وأوائل السبعينيات، مدت الشركات خطوط أنابيب التصدير الرئيسية للنفط. 


وعندما أمّم الزعيم الليبي السابق معمر القذافي صناعة النفط، هدأت الخلافات الحدودية، في ضوء خطط وإجراءات القذافي لإنشاء مغرب واحد مناهض للغرب. الآن، الوضع مختلف، خاصة أن بعض الأطراف الليبية المتحاربة لا تعترف بالحدود (التي رسمتها السلطات الاستعمارية الإيطالية في ليبيا، والفرنسية في الجزائر، في النصف الأول من العشرينيات). 

لكن، ليست هناك مطالبات علنية بعد، فالكثير يعتمد على الموقف الذي ستتخذه الجزائر. وفي حال هيمنة الجنرال حفتر على ليبيا، فلا يستبعد أن يُحيي هذه الخلافات، خاصة أنه مدعوم من السعودية والإمارات ومصر، وهي دول ترغب وبشدة في القضاء على الربيع العربي ومنع نشوء نظام مدني وديمقراطي في الجزائر.

وبالتالي، فالتحول الديمقراطي في الجزائر يقلق حفتر وحلفاءه الذين لا يريدون عودة الربيع العربي، كما يجري في دول مجاورة لليبيا.

ويلاحظ في هذا الصدد، أن فرنسا قد تتراجع هيمنتها على الجزائر في حال سقوط حكم العسكر. وفي المقابل، تسعى باريس إلى موطئ قدم في ليبيا، عبر دعم الجنرال خليفة حفتر، وزيادة حصتها من استخراج النفط الليبي من جهة، والضغط على أي نظام ديمقراطي في الجزائر يولد من هذا الحراك الجماهيري من جهة أخرى.

ولدى شركة توتال النفطية الفرنسية تواجد تاريخي في ليبيا وتُشغل أكثر من حقل نفطي، وهي في صراع دائم مع غريمتها إيني الإيطالية. 


وكانت فرنسا أحد الرؤوس الكبرى في الصراع الليبي، وتتحرك مجدداً بعد صعود الرئيس الحالي إيمانويل ماكرون لدعم الجنرال المتقاعد حفتر، وربما استغلاله لاحقاً في النفوذ الفرانكفوني في أفريقيا.

وإلى جانب الخلافات الحدودية مع الجزائر، لا يستبعد محللون غربيون، أن تظهر خلافات حدودية بين ليبيا وبين تشاد وتونس والنيجر.

ففي عام 1973، بعد فشل طرابلس في إنشاء اتحاد ليبي تشادي، اقتطعت طرابلس من نجامينا، منطقة أوزو، التي تبلغ مساحتها حوالي 15000 كيلومتر مربع.

ومنطقة أوزو منطقة غنية بالمعادن وبها احتياطات كبيرة من اليورانيوم. وترغب الحكومة الفرنسية في العودة للتنقيب عن اليورانيوم بعد أن ألغاه العقيد القذافي في عام 1975، بعد دعم فرنسا للحكومة التشادية في صراعها مع ليبيا. وبالتالي، فإن احتمال تفجّر الصراع الليبي مع تشاد في حال سيطرة الجنرال خليفة حفتر على ليبيا غير مستبعد.

ويرى محللون غربيون أن فرنسا تضع عينها على اليورانيوم في كل من صحراء النيجر ومنطقة أوزو.

ويلاحظ أن ثمة أثرا لليورانيوم في النزاع بين ليبيا والنيجر. فحتى في فترة القذافي، كانت طرابلس تطالب بمنطقة تومو، حيث استكشفت موارد كبيرة من اليورانيوم. ولكن طرابلس كانت وقتها تخشى باريس، التي لديها اتفاقيات تعاون عسكري مع جميع المستعمرات السابقة تقريبا في أفريقيا. أما الآن، فتنتهك الجماعات الليبية باستمرار الحدود مع النيجر.

وكذلك الحال مع تونس، حيث تطالب طرابلس بالمناطق الجنوبية الشرقية وجزء من جرفها منذ الخمسينيات. وهناك صراعات حدودية بين ليبيا والسودان، وعادة ما تستخدم حركات المعارضة السودانية والتمرد الصحراء الحدودية بين ليبيا والسودان كمنطقة للصراع وتهريب الأسلحة.
المساهمون