هل يستطيع الكونغرس منع اتفاق نووي مع إيران؟

25 مارس 2015

كيري ونظيره الإيراني جواد ظريف في جنيف (يناير/2015/أ.ف.ب)

+ الخط -

وجّه 47 عضوًا جمهوريًا في مجلس الشيوخ الأميركي رسالة إلى الحكومة الإيرانية، يحذّرون فيها من أنّ أيّ اتفاق نووي مع إدارة الرئيس باراك أوباما قد لا يستمر، بعد خروجه من الرئاسة. وورد، في نص الرسالة التي صاغها السناتور الجمهوري توم كوتون، أنّ أيّ اتفاق لا يقرّه الكونغرس سيكون "إجرائيًا" لا غير؛ بمعنى أنّه قرار تنفيذي، وغير ملزم قانونًا الولايات المتحدة، وبإمكان الكونغرس، أو أيّ رئيس مقبل، أن يبطله. وقد أثارت الرسالة التي تعدّ تدخّلًا حزبيًا غير مألوف في السياسة الخارجية نقاشًا بشأن مدى قدرة الكونغرس فعلًا، والذي يسيطر الجمهوريون على مجلسيه، النواب والشيوخ، على أن يفشل مساعي الإدارة الديمقراطية في التوصّل إلى اتفاق مع إيران بخصوص برنامجها النووي. وبحسب خريطة طريق المفاوضات، الجارية الآن، مع إيران، فإنّه من المفترض أن يجري التوصل إلى اتفاق إطار، قبل نهاية الشهر الجاري، وإلى اتفاق نهائي مع نهاية شهر يونيو/حزيران المقبل.

موقف الجمهوريين
يشكّك الجمهوريون، ومعهم بعض الديمقراطيين في الكونغرس، في جدوى أيّ اتفاق مع إيران، بخصوص برنامجها النووي. وتعدّ هذه الرسالة ثاني خطوة يقومون بها في بحر أسبوع، لإفشال مساعي الإدارة في هذا الصدد؛ فقد جاءت بعد دعوتهم رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، مطلع مارس/آذار الجاري، ليخاطب الكونغرس بشأن "مخاطر" الاتفاق مع إيران. ويتّفق الجمهوريون وبعض الديمقراطيين مع التخوفات التي طرحها نتنياهو في خطابه أمام الكونغرس، وأهمّها، حديثه عن أنّ أيّ اتفاق سيتضمّن تنازلَيْن كبيرين لفائدة إيران، وهما: أولًا، ترك بنية نووية تحتية كبيرة جدًا لإيران، ما يؤهّلها إلى الوصول سريعًا إلى صنع قنبلة نووية، حتى مع وجود إجراءات رقابة شديدة. ثانيًا، إنّ القيود التي تريد إدارة أوباما فرضها على البرنامج النووي الإيراني ستنتهي خلال عشر سنوات. وهو فعلًا ما صرّح به أوباما.

 
وبحسب السيناتور كوتون، فإنّ الهدف من تسطير الرسالة يتمثّل في توجيه إشارة واضحة إلى الزعماء الإيرانيين، مفادها بأنّه لا بدّ من أن يدلي الكونغرس برأيه في المفاوضات النووية معهم. وبحسب الدستور الأميركي، فإنّ أيّ معاهدة دولية لا تصبح نافذة، إلا بعد تصديق مجلس الشيوخ عليها.
وبناءً على ذلك، يطالب الجمهوريون، وعددٌ من الديمقراطيين، بدورٍ أوسع للكونغرس في أيّ اتفاق مع إيران. ويرى زعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ، ميتش ماكونيل، أنّ الرسالة لم تكن "خطأً"، ذلك أنّ إدارة أوباما على وشك إبرام "اتفاق سيء للغاية... مع أحد أسوأ الأنظمة في العالم بما سيسمح له باستمرار امتلاك بنية تحتية نووية". وأضاف أنّه إذا توصلت الإدارة إلى اتفاق مع إيران، فإنّ مجلس الشيوخ سيصوّت على مشروع قانون، يُلزم الإدارة بعرضه على المجلس، الأمر الذي هدّد أوباما باستخدام الفيتو لإحباطه.

موقف الإدارة
ترى إدارة الرئيس أوباما أنّ الرسالة "غير مسبوقة" في التقاليد السياسية الأميركية، وأنّها "مصمّمة لإضعاف الرئيس في خضمّ مفاوضات دولية حساسة"، وتقوية موقف المتشددين في إيران؛ إذ قد يكون لها "تأثير سلبي عميق" في المفاوضات، بما يمكّن طهران من إلقاء اللوم على الولايات المتحدة في حال فشلها. ويذهب مسؤولو الإدارة أبعد من ذلك، بالقول "إنّ الرسالة تمثّل تدخلًا مباشرًا" في المفاوضات النووية، بصورة تهدّد بتقويض قدرة أيّ رئيس أميركي في المستقبل، سواء أكان ديمقراطيًا أم جمهوريًا، للتفاوض مع الدول الأخرى، نيابةً عن الولايات المتحدة. ويتمثّل الأهمّ في مقاربة الإدارة الأميركية في تأكيدها أنّ السلطة التنفيذية يحقّ لها أن تبرم "اتفاقات تنفيذية" دولية، أو ما يسمّى "اتفاقات غير ملزمة"، من دون عرضها على مجلس الشيوخ للتصديق عليها. ويؤكد وزير الخارجية، جون كيري، أنّ الكونغرس لا يحقّ له تعديل أيّ "اتفاقية تنفيذية"، وإن كان يقرّ، في الوقت نفسه، أنّ عقد مثل هذه الاتفاقات يجعلها "غير ملزمة قانونًا"، وعليه، فإنّ من حقّ أيّ رئيس مقبل أن يبطلها.
وبحسب الناطقة باسم الخارجية الأميركية، جين باسكي، فإنّ الاتفاقية مع إيران، لو أبرمت، "سيكون لها طابع الترتيبات المتعارف عليها، كما في العديد من مبادراتنا الدولية السابقة ذات الطابع الأمني. (ومن ذلك) إطار المفاوضات مع روسيا، لتدمير الأسلحة الكيماوية في سورية، ومبادرة الحدّ من انتشار السلاح النووي، ونظام مراقبة تكنولوجيا الصواريخ، والمبادرات غير الأمنية، مثل الإعلان المشترك، أخيراً، بين الولايات المتحدة والصين، بخصوص التغيرات المناخية". ويقول مسؤولون في الإدارة إنّ الهدف من عدم توقيع "اتفاق ملزم" قانونًا مع إيران في هذه المرحلة، وعرْضه على مجلس الشيوخ، يكمن في الحفاظ على أكبر قدرٍ من المرونة والقدرة على المناورة، لإعادة فرض العقوبات على إيران، إذا لم تلتزم تعهداتها. غير أنّ ثمة من المراقبين من يرى أنّ السبب الحقيقي لعدم عرض الاتفاقية على الكونغرس لتصبح ملزمة قانونيًا، إن أُقرّت، أنّ إدارة أوباما تريد تجنّب أيّ رقابة يمارسها الكونغرس.

لمن اليد العليا؟
من الناحيتين السياسية والقانونية، يد السلطة التنفيذية في إبرام اتفاق مع إيران بشأن برنامجها النووي هي العليا، غير أنّ في وسع مجلس الشيوخ، أيضًا، أن يُصدر مشروع قانون يلزم الإدارة بعرض أيّ اتفاق مع إيران عليه، وهو مشروع موجود فعلًا. وفي هذه الحالة، يمكن

 للرئيس أن يعترض على ذلك، وينقض المشروع عبر "الفيتو" الرئاسي. وهو ما هدّد البيت الأبيض بفعله. حينها سيحتاج الجمهوريون إلى 60 صوتًا لتجاوزه، والحال أنّ عدد أعضائهم في مجلس الشيوخ (54 عضوًا) لا يمكّنهم من فعل ذلك، إلا أنّ تأييد 11 عضوًا من الديمقراطيين موقفهم سوف يجعلهم قادرين على تحدّي إدارة أوباما. لكن الأمور تبدو مع ذلك أكثر تعقيدًا؛ إذ ثمّة تخوفات داخل الحزب الجمهوري من أن تسهم الرسالة التي وقّعها غالبية أعضاء الحزب في مجلس الشيوخ في إثارة الغضب بين الديمقراطيين، وتراجع بعضهم عن تأييد أيّ مشروع قانون يلزم الإدارة بعرض أيّ اتفاق مع إيران على المجلس، للتصديق عليه، كما امتنع سبعة من الأعضاء الجمهوريين في مجلس الشيوخ عن توقيع الرسالة، وفي مقدمتهم بوب كروكر الذي تكمن أهميته في رئاسته لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، وهي اللجنة التي ينبغي أن تقرّ، أولًا، مشروع قانونٍ كهذا قبل عرضه على المجلس، علمًا أنّ كروكر هو من صاغ مشروع القانون الذي ينصّ على ضرورة أن تعرض إدارة أوباما أيّ اتفاق مع إيران على المجلس.
وقد أرسل رئيس طاقم موظفي البيت الأبيض، دينيس مكدونو، رسالةً إلى كروكر، يناشده فيها عدم عرض مشروع القانون على التصويت، إلا بعد الثلاثين من يونيو/حزيران 2015، وهو الموعد النهائي للتوصّل إلى اتفاق شامل مع إيران، لكن كروكر يصرّ، حتى الآن، على عرض المشروع الذي ينصّ على إعطاء مجلس الشيوخ مهلة 60 يومًا للموافقة على أيّ اتفاق مع إيران في إبريل/نيسان المقبل، أو للاعتراض عليه؛ ما قد يسحب من يد الرئيس سلطة تعليق بعض العقوبات التي أقرّها الكونغرس على إيران. وفي حين أنّ الكونغرس هو من يحقّ له إلغاء تلك العقوبات، بما أنّها أُقرّت بقوانين ملزمة، فإنّها تضمّنت، أيضًا، بنودًا تعطي للرئيس صلاحية تعليق بعضها بقرارات تنفيذية إن رأى مصلحة في ذلك. وفي حال صوّت مجلسَا الشيوخ والنواب على تشديد العقوبات على إيران، وتمكّنا من تجاوز عقبة "الفيتو" الرئاسي، فإنّ الرئيس سيفقد هامش المناورة مع إيران.
في مواجهة تحدّي الكونغرس، بدأت إدارة الرئيس أوباما تحرّكًا مع القوى الخمس الكبرى الأخرى التي تفاوض إيران، بهدف الاتفاق على قرار يصدر عن مجلس الأمن الدولي، برفع بعض عقوبات الأمم المتحدة عن إيران، إذا جرى التوصّل إلى اتفاق نووي معها. وهي خطوة قد يصعب معها على الكونغرس تعطيلُ أيّ اتفاق محتمل أو إلغاؤُه. وتقول وزارة الخارجية الأميركية إنّ أيّ رفعٍ للعقوبات التي تفرضها الأمم المتحدة لن يكون له تأثير في العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة من جانبٍ واحد، أو الحَدّ من قدرة واشنطن على اتخاذ إجراءات، من جانبها، ضدّ إيران في المستقبل.

خلاصة
سوف يكون بمقدور البيت الأبيض على الأرجح تمرير اتفاقية إطار مع إيران، على افتراض إبرامها قبل نهاية شهر مارس/آذار الجاري، حتى لو حاول الكونغرس تعطيلها؛ فـ"الاتفاقيات التنفيذية"، أو "غير الملزمة"، هي من ضمن صلاحيات الرئيس. وستكون المشكلة في التصديق قانونيًا على "معاهدة" ملزمة، لا يرضى عنها مجلس الشيوخ، وهذا مستبعد. وسيكون بإمكان الرئيس، أيضًا، تعليق بعض العقوبات على إيران بقرار تنفيذي. لكن، سيكون بإمكان الكونغرس، أيضًا، تشديد العقوبات القائمة، أو فرض المزيد منها؛ وذلك إذا استطاع تجاوز "الفيتو" الرئاسي، غير أنّ الكونغرس لن يكون في مقدوره إفشال أيّ مسعى لتخفيف العقوبات الأممية والأوروبية على إيران. وهذا يعطي إدارة أوباما الأفضلية. 
وحتى مع انتهاء رئاسة أوباما مطلع عام 2017، سيكون من الصعب إلغاء أيّ "اتفاق تنفيذي" مع إيران، إن أُبرم فعلًا؛ فالرئيس المقبل، إذا افترضنا جدلًا أنّه سيكون معارضًا الاتفاق، سيجد نفسه أمام حقائقَ جديدة على الأرض، وحلفاء قد يكونون غير راضين عن التراجع عن التزامات قد قُطعت قبلًا. أبْعد من ذلك، قد يكون في وسع الرئيس أو الكونغرس المقبلَيْن تشديد العقوبات الأميركية على إيران. ولكن، لن يكون في وسعهما فرض عقوبات أممية جديدة، من دون توافق مع الحلفاء والخصوم في مجلس الأمن وخارجه، على السواء.