يحدث الاستقطاب السياسي، عندما تنقسم آراء الناس ومواقفهم السياسيّة بشدة حول قضيّة معيّنة، وينقسم المجتمع بشكل صارخ على طول الخطّ تجاه تلك القضايا، ويكون الاعتدال والحيادية أبرز ضحايا الاستقطاب. وعلى عكس ما هو معتقد على نطاق واسع، بأن الإنترنت أحد أهم أسباب الانقسام والاستقطاب لما توفره من وسيلة لمتابعة السياسة ونشر الأخبار؛ إلا أنّ دراسة قادها خبير اقتصادي في جامعة "براون" ونُشرت في مارس/آذار 2017، كشفت عن أنّ النمو الأكبر في نسب الاستقطاب السياسي يكون بين المجموعات الديموغرافية التي يقل فيها احتمال استخدام أفرادها للإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي بشكلٍ خاصّ.
ويقول مؤلف الدراسة وأستاذ الاقتصاد في جامعة "براون" في رود آيلاند في الولايات المتحدة الأميركيّة، جيسي شابيرو، إنّ نتائج الدراسة لا تستبعد دور الإنترنت في رفع عملية الاستقطاب السياسي، لكنها تلقي الشكوك حول الروايات التي تربط الاستقطاب بالأخبار على الإنترنت والسوشال ميديا. وقد شارك مع شابيرو الأساتذة ماثيو جنتزكو وليفي بوكسيل من جامعة ستانفورد".
ولاحظ الباحثون أنّ العديد من الدراسات والأبحاث تشير إلى أنّ الأميركيين أصبحوا أكثر استقطاباً في السنوات الأخيرة، وأنّ العديد من الباحثين والمعلّقين يعزون زيادة الاستقطاب في جزء منه إلى ظهور وسائل الإعلام الاجتماعية والإنترنت. وذكر شابيرو وزملاؤه أنّ الدراسات الأخرى أقامت نتائجها على ميل مصادر الأخبار الشبكيّة ودوائر الإعلام الاجتماعي إلى إنشاء غرف الصدى أو تجمعات الآراء المتماثلة من الأفراد المتشابهين فكرياً، والذين ينظرون لمن يعارضهم كأنّه مجرم، ويغلقون فرص الحوار معه.
ولاختبار الفرضية القائلة "إنّ الويب هو المحرك الرئيسي للاستقطاب المتصاعد"؛ استخدم الباحثون البيانات التي وفرتها دراسة الانتخابات الأميركية الوطنية (American National Election Study) وهي دراسة أجريت وجهاً لوجه مع السكان الذين بلغوا سنّ الاقتراع ومارسوا الانتخاب من قبل، منذ العام 1948 وحتى تاريخ الدراسة، هذا العام.
وقام شابيرو ورفاقه بتقييم الاختلافات الديموغرافية ولا سيّما بالنسبة للسنّ، والتي أثرت على الاتجاهات السياسيّة في تسعة مقاييس للاستقطاب السياسي. بدءاً من التصويت المباشر بالكارت الورقي، إلى الاستقطاب العاطفي وميل الأشخاص الذين يصنَّفون على أنهم جمهوريون أو ديمقراطيون لعرض معارضيهم ومنافسيهم بشكل سلبي، والترويج لأعضاء حزبهم بشكل إيجابي.
ووفقاً للدراسة، فقد كان العمر هو المتنبئ الأكبر بالاستقطاب السياسي وليس الإنترنت واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي. فقد استخدم أقل من 20 في المائة من الذين بلغوا 65 عاماً وسائل التواصل الاجتماعي في عام 2012، على عكس من هم في الفئة العمريّة من سنّ 18 إلى 29 عاماً، والذين بلغت نسبة الاستخدام بينهم 80 في المائة. ورغم ذلك، وجد الباحثون أن ثمانية من كل تسعة أفراد بين كبار السن كان الاستقطاب بينهم أكبر من المعتاد أو أكبر من ذلك الموجود بين الأصغر سناً.
ويقول المؤلفون، إنّ نتائج هذه الدراسة تدحض فرضية أن الإنترنت بشكل عام أو وسائل الإعلام الاجتماعي على وجه الخصوص هي الباعث الرئيسي لزيادة الاستقطاب السياسي، مضيفين أنّ أي تفسير يخالف ذلك عليه أن يوضح الزيادة في الحزبية والاستقطاب بين الذين لديهم وصول محدود واستخدام قليل لوسائل السوشال ميديا والويب بصفة عامة.