تشير كل المؤشرات إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، سيعمل بكل قوة من أجل الحيلولة دون أن يترك قرار المستشار القضائي للحكومة، أفيحاي مندلبليت، بتوجيه لوائح اتهام ضده في قضايا الفساد، تأثيرا كبيراً على موازين القوى الحزبية عشية الانتخابات التشريعية التي ستنظم في التاسع من إبريل/ نيسان المقبل.
نتنياهو لا يسعى إلى تحقيق انتصار في هذه الانتخابات لضمان مستقبله السياسي فحسب، بل إنه ينطلق من افتراض مفاده أن تحقيق اليمين بقيادته نصراً حاسماً في هذه الانتخابات سيمثل رافعة ضغط على مندلبليت قد تجعله يعيد النظر في بعض بنود الاتهام التي تضمنتها اللوائح التي قدمت في قضايا الفساد الثلاث، لا سيما بعد إجراء جلسات الاستماع له، وهو ما قد يقلص من فرص محاكمته وإرساله لسجن "معسياهو"، الذي يعتقل فيه عادة كبار الساسة المدانين بقضايا فساد.
ونظرا لأن نتائج الاستطلاعات التي أجرتها قنوات التلفزة الرئيسة وكشفت عن نتائجها ليلة أول أمس الجمعة قد دللت لأول مرة، منذ الإعلان عن موعد الانتخابات، على أن أحزاب اليمين لن تحقق أغلبية مطلقة في الانتخابات القادمة؛ يخشى أن يدفع هذا الواقع نتنياهو للإقدام على خطوات سياسية وعسكرية، يعتقد أنها قد توقف التآكل في شعبيته وتعزز من فرص تجاوزه تأثير القرار بتقديم لوائح الاتهام.
فعلى الصعيد العسكري، وبشكل غير مفاجئ، فقد بدا من خلال الكلمة التي ألقاها في مطلع اجتماع حكومته صباح اليوم الأحد، أن نتنياهو، كرئيس للحكومة وكوزير للحرب ينوي استنفاد الطاقة الكامنة في العمل العسكري داخل الجبهة السورية.
فقد لمح نتنياهو أمام وزرائه بأن إسرائيل ستكثف عملياتها العسكرية في سورية، وتباهى بأنه شدد على مسامع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماعهما الأسبوع الماضي في الكرملين بأن إسرائيل عازمة على إحباط قدرة إيران على التمركز عسكريا في سورية بكل ما أوتيت من قوة.
وقد أثبتت التجربة أن الساحة السورية تمثل ساحة مثالية للعمل العسكري لنتنياهو، على اعتبار أن أوساط التقدير الاستراتيجي في إسرائيل ترى أن فرص أن تقوم إيران أو نظام بشار الأسد بالرد على الهجمات متدنية جداً.
في الوقت ذاته، فإن عدم صدور أي رد فعل روسي على تأكيد نتنياهو على مسامع بوتين بأن إسرائيل ستواصل العمل لمنع تمركز إيران عسكريا في سورية، يعني أن موسكو تمنح عمليا تل أبيب ضوءا أخضر لمواصلة هجماتها في العمق السوري.
في الوقت ذاته، فإن نتنياهو، بخلاف الساحات الأخرى، يعي أن المؤسسة العسكرية والأمنية في تل أبيب، تبدي حماسة للعمل في سورية، ناهيك عن أن بنك الأهداف التي يتم ضربها هناك يتم إعداده من قبل هذه المؤسسة.
وفي المقابل، فإن التصعيد العسكري في الساحة الفلسطينية لا يخدم أهداف نتنياهو الانتخابية. فرئيس الحكومة الإسرائيلية يبدي أقصى درجات الحذر إزاء العمل عسكريا في قطاع غزة، على الرغم من الانتقادات التي توجه له داخليا لفشله في وضع حد لحراك مسيرات العودة على الحدود، التي تمثل أنشطتها الأسبوعية تحديا للمستوطنين في منطقة "غلاف غزة".
فنتنياهو يعي أن عدم امتلاك غزة ما يمكن أن تخسره، في ظل تهاوي الأوضاع الاقتصادية والإنسانية، يجعل المقاومة مستعدة للذهاب حتى النهاية في حال انفجر تصعيد عسكري. ويدرك نتنياهو أن آخر ما يخدم مصلحته أن تنفجر مواجهة قد تتواصل حتى إجراء الانتخابات، على اعتبار أن هذا التطور سيقدم من قبل المعارضة على أساس أنه دليل على فشل سياساته إزاء غزة.
وفي المقابل، فإن نتنياهو يوظف ساحة الضفة الغربية في محاولة لتعزيز التأييد له في صفوف جمهور ناخبي اليمين، من خلال التدليل بالأقوال والأفعال على عزمه على تعزيز المشروع الاستيطاني والتهويدي.
فنتنياهو، يعي أنه في حال تسربت، ولو نسبة ضئيلة من أصوات اليمين، للأحزاب التي تمثل "الوسط" و"اليسار" احتجاجا على تقديم لوائح الاتهام بالفساد ضده، فأنه سيخسر الانتخابات، مع كل ما ينطوي عليه الأمر من تداعيات سياسية وشخصية.
وينتهج نتنياهو استراتيجية واضحة في محاولته الحفاظ على تماسك كتلة مصوتي اليمين، عبر إعلانه المتواصل عن أنه لن يسمح باجتثاث أية مستوطنة بغض النظر عن موقعها الجغرافي في الضفة الغربية، ناهيك عن أنه يستغل الوقت المتبقي حتى إجراء الانتخابات في تنظيم زيارات للمستوطنات والإعلان هناك عن مشاريع استيطانية جديدة، فضلا عن تأكيده أنه سيعمد إلى تمرير قوانين تتيح إضفاء شرعية على النقاط الاستيطانية التي دشنت في أرجاء في الضفة بدون الحصول على إذن من الحكومة.
إلى جانب ذلك، فإن نتنياهو سيستغل الفترة المتبقية في القيام بالعديد من التحركات على الصعيد الدبلوماسي والسياسي التي تدلل على تحسن مكانة إسرائيل الدولية في عهده. وقد تمكن نتنياهو من إقناع الرئيس البرازيلي الجديد جيير بولسنارو بتنظيم زيارة لتل أبيب قبل أيام من إجراء الانتخابات، إلى جانب أنه يسعى حاليا إلى إقناع المزيد من قادة الدول بزيارة إسرائيل قبل الانتخابات.
في الوقت ذاته، فإن نتنياهو سيواصل تذكير الإسرائيليين بالدور الذي لعبه في دفع بعض نظم الحكم العربية لتحسين علاقاتها مع إسرائيل، دون أن تكون إسرائيل مضطرة لإبداء أي تراجع عن مواقفها من الصراع.
وتدلل كل المؤشرات على أن نتنياهو عازم على القيام بكل ما يضمن تحقيق فوزه، بشرط ألا يكون مرتبطا بمخاطر يمكن أن تفضي إلى نتائج عكسية.