هل يحدث انقلاب شتوي في تونس؟

12 ديسمبر 2014
+ الخط -

أعلنت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في تونس، رسمياً، عن نتائج الدور الأول للانتخابات الرئاسية الذي تمّ يوم 23 نوفمبر/تشرين الثاني 2014، حيث تقلص عدد "الفرسان" إلى اثنين فقط بعد أن ناهز الـ27 مترشحاً. 27 فارساً في بداية السباق، جياد أغلبهم جولات برية وجوية مشّطوا خلالها كافة تراب الجمهورية التونسية ووطئوا أرضاً لم تطأها أقدام رجل دولة من قبل، وأسواقاً هجرها مسؤولو وزارة التجارة، منذ زمن بعيد، ومقاهٍ لا تعرف سياسة "تحديد النسل" وقاعات رياضية اختصاصها الملاكمة و"مرّ الكلام".
جاب المترشحون في الدور الأول للاستحقاق الرئاسي هذه الأماكن، وضحكوا على ناخبين هجروا السياسة، منذ أن سطت "النخب السياسية" على أحلام الثوّار إثر اعتصام القصبة 2، كما ضحك الناخبون من وعود أغلب هؤلاء المترشحين، وكيف لا يفعلون، وهم يرون رؤساء الغد يضعون أمن البلاد والعباد ومحاربة "الإرهاب" على رأس أولوياتهم، وعيد يعدون به قبل دخولهم قصر الضاحية الشمالية للعاصمة، فما بالك إثره.
أفرز الدور الأول للانتخابات مرشحين إثنين، ومباشرة إثر إعلان هذه النتائج، تعالت أصوات، من هنا وهناك، تتحدث عن استقطاب سياسي ثنائي، وهو أمر لا غرابة فيه، حيث يحدث في أعرق الدول الديمقراطية. وكان على منتقدي هذا الاستقطاب أن يتحدثوا عن زمن ليس بعيداً عندما كانت تونس تعيش استقطاباً ثنائياً من نوع آخر، طرفاه الرياضة والفن.
أحد المرشحين المارين إلى الدور الثاني يجر خلفه عقوداً من العمل السياسي، حيث تقلد في الماضي كل المناصب السياسية، ما عدا منصب الباي، وهذا المترشح قليل الظهور إعلامياً لأسباب عدّة، وخيراً فعل، فكلما أطلّ علينا عبر إحدى النوافذ الإعلامية، إلا وجاد علينا ببذيء الكلام والحركات. وفي برامجه المسجلة، وما أكثرها، يجاهر بماض مزيف، ولا يجد حرجاً في تقسيم البلاد والعباد، حيث يرى أن ثلثي البلاد أوكار للإرهاب، وثلث الذين صوّتوا لخصمه إرهابيون متطرفون.
وفي مقابل ظهوره النادر في المنابر الإعلامية، تحركت ماكينته الانتخابية، وخصوصاً الإعلامية، وطفقت تكيل السبّ والشتم لخصمه "الطرطور" و"صاحب البرنس" الذي أضاع هيبة الدولة. ولعلّ النقطة المضيئة الوحيدة التي ميّزت هذا الاستحقاق الانتخابي الرئاسي، في دورته الأولى، هي إسقاطها عدّة أقنعة، تفنّن مرتدوها في الدفاع عن ثورة 17 ديسمبر/كانون أول 2010، ثورة واكبوا أحداثها عبر شبكات التواصل الاجتماعي، مثل غالبية التونسيين، وهاهم يجاهرون بالتحالف مع جلاّدي الأمس، والاصطفاف خلفهم، والتذلل لهم.
الكل يتحدث عن هيبة القانون والدستور، وتناسى هؤلاء أن هذا الدستور سينتهي إلى مجرد فصول تدرّس في المعاهد، أو كتب تزين رفوف المكتبات، أو ملقاة على قارعة رصيف من أرصفة "نهج الدبّاغين" (أشهر نهج لبيع الكتب القديمة في تونس).
نتائج الانتخابات البرلمانية والانتخابات الرئاسة في دورها الأول فصلان من فصول الانقلاب على الثورة، نتمنى أن لا يليها انقلاب شتويّ في الـ21 من ديسمبر/ كانون أول الجاري، تدخل إثره الثورة في سبات قد يستمر عقوداً، أو قروناً أخرى.

avata
avata
يوسف بوقرة (تونس)
يوسف بوقرة (تونس)