09 ابريل 2018
هل يحتاج الاخوان مصالحة؟
محجوب أحمد قاهري (تونس)
المبادرة التي أطلقها كمال الهلباوي للمصالحة بين نظام الانقلاب المصري والإخوان المسلمين في غاية الأهمية، لأنها طرحت السؤال الذي كان على كل المصريين، بل وكل العرب: هل يحتاج الإخوان إلى مصالحة؟ ومع من؟
الحقيقة هي أن نظام الانقلاب هو الذي يحتاج إلى إرساء مصالحة مع الإخوان المسلمين، فغيابهم عن المشهد السياسي في مصر لم يستطع أي حزب آخر ملؤه، ولن يمكن غيابهم من ظهور أي سلطة تعديلية في مواجهة هذا الجيش الحاكم، لذلك تغرق مصر كل يوم في عبثية يقودها العسكر.
يدرك هذا النظام الانقلابي بأنه يغرق، مثلما غرقت أحياء في القاهرة في نصف ساعة، ويحتاج إلى كل صوت يدفع نحو المصالحة، على شرط أن تكون على مقاسه، وإن لم يجد، يدفع بمن يطرحها، كما دفع بعماد أديب قبل الهلباوي.
وبعد أن يدفع بهؤلاء، يدفع آخرين ليوهمنا بأنه لا يحتاج إلى أية مصالحة، لأنه الأقوى، وصاحب السيطرة، وهو في أشد الحاجة إليها، لكي يستمر. وما أكثرهم هؤلاء الآخرون الذين يزايدون في الاستبداد وفي الظلم وفي القهر، ومن بينهم طارق الخولي، أمين سر لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب الذي رد على الهلباوي، إذ طالب بتعديل دستوري يحظر التصالح مع التنظيمات الإرهابية، وطبعا يقصد الإخوان المسلمين. وليس هذا فحسب، فقد ذهب المحامي طارق محمود إلى أبعد في الظلم، إذ تقدم ببلاغ إلى النائب العام ضد كمال هلباوي، واتهمه بالتنسيق مع الإخوان المسلمين ضد مصر.
تعيش دولة الاستبداد في دائرة مغلقة، لا تحتمل إلا المستبدين وأذرعهم والمتقربين إليهم، تبقى ما بقت هذه الدائرة، وهي أوهن من بيت العنكبوت، حتى وإن كان وقع استبدادها مؤلما جدا.
وفي المقابل، رحب إبراهيم منير، نائب مرشد الإخوان، بمبادرة الهلباوي، معتبرا أن الجماعة "مستعدة للتعاطي والتجاوب مع أية وساطة محايدة لإنهاء الأزمة في مصر". وبعيدا عن التأويلات السياسية لقول منير، منها إظهار عدم رفض الجماعة أي حل قد ينقذ مصر مما أوصلها إليه الانقلاب والعسكر، فعلى أية قاعدة يريد نظام الانقلاب المصالحة، والتي عبّر إبراهيم منير عن استعداده للتعاطي معها؟
تقوم المصالحة التي يسعى إليها العسكر مع الإخوان المسلمين على أربعة أسس: بقاؤه في سدة الحكم واستمرار سيطرته على الرقاب. إسقاط الإخوان كل جرائم العسكر في حق أبناء الجماعة وأنصارهم، وإسقاط كل الدعاوى القضائية التي أقيمت ضده. اعتراف الإخوان بارتكابهم لعمليات إرهابية وتقديم اعتذارهم على ذلك. إعلان حل جماعة الإخوان، وربما السماح لبعضهم التنظّم في أحزاب أخرى.
ولكن، من يملك من جماعة الإخوان المسلمين وقياداتها الحق في إسقاط حق الدكتور الرئيس محمد مرسي؟ وحق الشيخ المرشد محمد بديع؟ وحق الآلاف الذين أحرقوا أحياء في ميداني رابعة العدوية والنهضة؟ وحق شباب عزل أخفاهم النظام قسرا ثم أجهز عليهم باسم قيامهم بعمليات إرهابية، وهم قابعون في سجونه السرية؟ وحق الآلاف الذي غادروا مصر إلى مصائر مجهولة؟ ومن يملك الحق في الاعتراف بجرائم إرهابية لم يرتكبها أحد من الإخوان؟ ولم يكن وقود حراكهم ونشاطهم سوى السلمية؟ السلمية التي كانت جمرا وسيفا في خاصرة الإخوان.
ومن له الحق باتخاذ قرار حل الجماعة، التي فاق عمرها المئة عام والتف حولها الملايين، ليس في مصر فحسب، وإنما في كل العالم؟ الجماعة صارت قاعدة استقرار في العالمين العربي والإسلامي؟
لا أحد بإمكانه إلغاء حق منحه الله للإنسان، مثل حق الحرية والحياة. والحديث عن مصالحة مع نظام العسكر، هو خيانة لله وللدماء التي سالت ظلما، وخيانة للذين فقدوا حرياتهم وأمنهم وأسرهم وأرضهم، لذلك توجب رفض أية مصالحة، فلن تنقذ الإخوان ولن تنقذ مصر. ولكن: هل من بديل عن المصالحة؟
نظام العسكر يحتضر، لن يبقى كثير على سقوطه، فكل الأزمات التي أوقع مصر فيها ستسقطه. وحينما يسقط، على الإخوان تحريك كل الدعاوى القضائية داخل مصر وخارجها في حق كل من ارتكب جرما في حق مصر وأبنائها.
والأهم من ذلك كله، على الإخوان تغيير منهجهم في السياسة، فلا يعقل أن يكونوا دائما الضحايا، ويتم إنقاذهم بسقوط حكم العسكر القائم، ليحل محله عسكري آخر، ثم يتكرر السيناريو.
الرهان الأكبر الذي يجب أن يسعى إليه الإخوان هو تكوين الدولة المدنية التي تفرض عودة العسكر إلى ثكناته. وحكم السيسي هو النقطة الفاصلة في ذلك، لأن ظلم العسكر بلغ منتهاه، ولم يستثن مصريا واحدا.
الحقيقة هي أن نظام الانقلاب هو الذي يحتاج إلى إرساء مصالحة مع الإخوان المسلمين، فغيابهم عن المشهد السياسي في مصر لم يستطع أي حزب آخر ملؤه، ولن يمكن غيابهم من ظهور أي سلطة تعديلية في مواجهة هذا الجيش الحاكم، لذلك تغرق مصر كل يوم في عبثية يقودها العسكر.
يدرك هذا النظام الانقلابي بأنه يغرق، مثلما غرقت أحياء في القاهرة في نصف ساعة، ويحتاج إلى كل صوت يدفع نحو المصالحة، على شرط أن تكون على مقاسه، وإن لم يجد، يدفع بمن يطرحها، كما دفع بعماد أديب قبل الهلباوي.
وبعد أن يدفع بهؤلاء، يدفع آخرين ليوهمنا بأنه لا يحتاج إلى أية مصالحة، لأنه الأقوى، وصاحب السيطرة، وهو في أشد الحاجة إليها، لكي يستمر. وما أكثرهم هؤلاء الآخرون الذين يزايدون في الاستبداد وفي الظلم وفي القهر، ومن بينهم طارق الخولي، أمين سر لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب الذي رد على الهلباوي، إذ طالب بتعديل دستوري يحظر التصالح مع التنظيمات الإرهابية، وطبعا يقصد الإخوان المسلمين. وليس هذا فحسب، فقد ذهب المحامي طارق محمود إلى أبعد في الظلم، إذ تقدم ببلاغ إلى النائب العام ضد كمال هلباوي، واتهمه بالتنسيق مع الإخوان المسلمين ضد مصر.
تعيش دولة الاستبداد في دائرة مغلقة، لا تحتمل إلا المستبدين وأذرعهم والمتقربين إليهم، تبقى ما بقت هذه الدائرة، وهي أوهن من بيت العنكبوت، حتى وإن كان وقع استبدادها مؤلما جدا.
وفي المقابل، رحب إبراهيم منير، نائب مرشد الإخوان، بمبادرة الهلباوي، معتبرا أن الجماعة "مستعدة للتعاطي والتجاوب مع أية وساطة محايدة لإنهاء الأزمة في مصر". وبعيدا عن التأويلات السياسية لقول منير، منها إظهار عدم رفض الجماعة أي حل قد ينقذ مصر مما أوصلها إليه الانقلاب والعسكر، فعلى أية قاعدة يريد نظام الانقلاب المصالحة، والتي عبّر إبراهيم منير عن استعداده للتعاطي معها؟
تقوم المصالحة التي يسعى إليها العسكر مع الإخوان المسلمين على أربعة أسس: بقاؤه في سدة الحكم واستمرار سيطرته على الرقاب. إسقاط الإخوان كل جرائم العسكر في حق أبناء الجماعة وأنصارهم، وإسقاط كل الدعاوى القضائية التي أقيمت ضده. اعتراف الإخوان بارتكابهم لعمليات إرهابية وتقديم اعتذارهم على ذلك. إعلان حل جماعة الإخوان، وربما السماح لبعضهم التنظّم في أحزاب أخرى.
ولكن، من يملك من جماعة الإخوان المسلمين وقياداتها الحق في إسقاط حق الدكتور الرئيس محمد مرسي؟ وحق الشيخ المرشد محمد بديع؟ وحق الآلاف الذين أحرقوا أحياء في ميداني رابعة العدوية والنهضة؟ وحق شباب عزل أخفاهم النظام قسرا ثم أجهز عليهم باسم قيامهم بعمليات إرهابية، وهم قابعون في سجونه السرية؟ وحق الآلاف الذي غادروا مصر إلى مصائر مجهولة؟ ومن يملك الحق في الاعتراف بجرائم إرهابية لم يرتكبها أحد من الإخوان؟ ولم يكن وقود حراكهم ونشاطهم سوى السلمية؟ السلمية التي كانت جمرا وسيفا في خاصرة الإخوان.
ومن له الحق باتخاذ قرار حل الجماعة، التي فاق عمرها المئة عام والتف حولها الملايين، ليس في مصر فحسب، وإنما في كل العالم؟ الجماعة صارت قاعدة استقرار في العالمين العربي والإسلامي؟
لا أحد بإمكانه إلغاء حق منحه الله للإنسان، مثل حق الحرية والحياة. والحديث عن مصالحة مع نظام العسكر، هو خيانة لله وللدماء التي سالت ظلما، وخيانة للذين فقدوا حرياتهم وأمنهم وأسرهم وأرضهم، لذلك توجب رفض أية مصالحة، فلن تنقذ الإخوان ولن تنقذ مصر. ولكن: هل من بديل عن المصالحة؟
نظام العسكر يحتضر، لن يبقى كثير على سقوطه، فكل الأزمات التي أوقع مصر فيها ستسقطه. وحينما يسقط، على الإخوان تحريك كل الدعاوى القضائية داخل مصر وخارجها في حق كل من ارتكب جرما في حق مصر وأبنائها.
والأهم من ذلك كله، على الإخوان تغيير منهجهم في السياسة، فلا يعقل أن يكونوا دائما الضحايا، ويتم إنقاذهم بسقوط حكم العسكر القائم، ليحل محله عسكري آخر، ثم يتكرر السيناريو.
الرهان الأكبر الذي يجب أن يسعى إليه الإخوان هو تكوين الدولة المدنية التي تفرض عودة العسكر إلى ثكناته. وحكم السيسي هو النقطة الفاصلة في ذلك، لأن ظلم العسكر بلغ منتهاه، ولم يستثن مصريا واحدا.
مقالات أخرى
29 مارس 2018
23 مارس 2018
21 مارس 2018