مع اقتراب موعد انتخابات الرئاسة الروسية المقرر إجراؤها بعد أقل من عام، يواجه الكرملين مجموعة من التحديات بين إيجاد أجندة مناسبة للحملة الانتخابية، وتحقيق نسبة مشاركة عالية، وتجنّب فضائح تزوير وخروج احتجاجات حاشدة، بالإضافة إلى كيفية جني ثمار ضم شبه جزيرة القرم الأوكرانية، الذي رفع شعبية الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، إلى أكثر من 80 في المائة. ولعل هذا ما دفع السلطات الروسية إلى تغيير موعد الانتخابات الرئاسية من 11 إلى 18 مارس/ آذار 2018، حتى تتزامن مع الذكرى الرابعة لـ"استعادة الوحدة" مع شبه الجزيرة ذات الأغلبية الروسية في عام 2014.
في هذا السياق، يرجّح الصحافي الروسي، أندريه أرخانغيلسكي، أن "يكون الكرملين في طور الدراسة حالياً ما إذا كان سيقدم على مزيد من التضييق على المعارضة أو سيسمح ببعض الليبرالية أو سيجدد السياسة الداخلية على حساب ملفات خارجية، وقرر ربط موعد الانتخابات بذكرى ضم القرم لتعبئة الناخبين". ويضيف لـ"العربي الجديد"، أنه "حتى الآن، لم يجد الكرملين حيلة سوى إجراء الانتخابات في ذكرى ضم القرم، أملاً في أن يؤدي ذلك إلى تعبئة الروس مرة أخرى".
ومع ذلك، يشير الصحافي الروسي إلى أن "هناك مؤشرات لانتهاء ما عرف بالإجماع ما بعد القرم"، مضيفاً أنه "رغم أن الاحتجاجات ضد الفساد في 26 مارس/ آذار الماضي لم تكن حاشدة، إلا أنها أصدرت رسالة واضحة للكرملين بأن المواطنين باتوا مهتمين بالسياسة الداخلية وليس الخارجية، ومن الواضح أن نائب مدير ديوان الرئاسة الروسية، سيرغي كيريينكو (المسؤول عن السياسية الداخلية)، يبحث حالياً عن أغلبية جديدة ما بعد القرم".
وكانت عشرات من المدن الروسية قد شهدت في نهاية مارس الماضي تظاهرات مناوئة للفساد دعا إليها مؤسس "صندوق مكافحة الفساد"، أليكسي نافالني، الذي أعلن عن نيته خوض سباق الانتخابات الرئاسية في عام 2018.
إلا أن أرخانغيلسكي يستبعد احتمال أن يشكل نافالني أي منافسة لبوتين، ويقول: "لا يزال نافالني بعيداً عن أن يراه أحد بديلاً لبوتين، ولكنه الوحيد الذي قد يقترب من هذه الصفة. يُعتبر نافالني اليوم أبرز المعارضين في عيون مستخدمي شبكات التواصل الاجتماعي فقط، بينما يكاد مشاهدو التلفزيون يرون فيه عميلاً أجنبياً".
من جانب آخر، يوضح المحلل السياسي، إيفان بريوبراجينسكي، أن "الأغلبية المؤيدة لضمّ القرم لم تختف، بل انكمشت بعض الشيء لا سيما بين الشباب". ويبدي اعتقاده في حديث لـ"العربي الجديد"، بأن "أغلبية ما بعد القرم تآكلت، وانكمشت، ولكنها لا تزال تشكل نحو نصف السكان".
وحول مدى فاعلية قرار إجراء الانتخابات في ذكرى ضم القرم، يرى أن "إدارة بوتين تريد تحقيق أكبر نسبة مشاركة وشرعية للانتخابات، ومن المؤكد أن التاريخ الرمزي 18 مارس أفضل من تاريخ محايد". وفي ما يتعلق بموقف الشباب من ضم القرم، يتابع: "ربما لا يثير ذلك اهتمام الشباب الذين شاركوا في الاحتجاجات، ولكن القرم لا تزال تشكل قيمة للمواطنين من الجيل الكبير وترتبط في أذهانهم ببوتين وحده".
وتشهد الولاية الثالثة لبوتين التي تنتهي بعد عام، مجموعة من فضائح فساد بسبب ضلوع كبار المسؤولين الروس، بمن فيهم وزير الدفاع السابق، أناتولي سيرديوكوف، ووزير التنمية الاقتصادية، أليكسي أوليوكايف، بالإضافة إلى ملاحقة بضعة حكام أقاليم، قبل أن تتوج بتداول تقرير يتهم رئيس الوزراء، دميتري مدفيديف، بامتلاك "أصول سرية" أدى إلى خروج تظاهرات 26 مارس.
وفي مقال بعنوان "زمن التغيير. لماذا التأييد العالي لبوتين مخادع؟"، تشير رئيسة قسم التحليل بمركز التكنولوجيا السياسية، تاتيانا ستانوفايا، إلى أن "التظاهرات الأخيرة جاءت حدثاً مفصلياً، يضع خطاً تحت (ثلاث سنوات من إجماع القرم) ويُشكّل تحدياً اجتماعياً وسياسياً جديداً للسلطة". وتوضح كاتبة المقال الذي نشر بصحيفة "ريبابليك" الإلكترونية، أن "تأييد ضم القرم أصبح أمراً روتينياً، بينما يثير الفساد استياء السكان وقد يتحول إلى قضية سياسية تؤدي إلى عودة عامل الشارع إلى السياسة الداخلية".
وحول عامل ضم القرم في السياسة الروسية، ترى أن "موقف الروس من ضم شبه الجزيرة إيجابي، ولكن هناك تراجعاً في أعداد من يعتقدون أن القرم وسيفاستوبول يجب أن تحصلا على دعم أكبر من الميزانية الفيدرالية مقارنة بالأقاليم الأخرى". وتخلص ستانوفايا إلى أن "القرم لنا، لكن ليس بأي ثمن، كما يتحول معنى هذا الشعار من بوتيني إلى شعبي"، وهو ما يزيد من صعوبة "توظيف عامل القرم كآلية لتعبئة التأييد للسلطة بشكل عام ولبوتين في إطار حملته الانتخابية".
ومع بقاء نحو 11 شهراً على الانتخابات، تؤكد كل المؤشرات أن بوتين سيرشح نفسه، في الواقع، لولاية رابعة مدتها ست سنوات وسط غياب منافسين حقيقيين، ليكون الاستحقاق أشبه بـ"استفتاء"، كما وصفه مصدر في الكرملين في تصريحات لصحيفة "كوميرسانت" أخيراً.
ورغم أن الدستور الروسي لا يسمح بشغل منصب الرئاسة لأكثر من ولايتين متتاليتين، إلا أن بوتين تمكن من الالتفاف على هذه المادة عن طريق مغادرة الكرملين وشغل منصب رئيس الوزراء خلال الفترة من عام 2008 إلى عام 2012، قبل أن يعود إلى الرئاسة من جديد.