هل للعلاقة السوية بين الرجل والمرأة مكان بيننا؟
للوهلة الأولى قد يبدو السؤال الذي يحمله العنوان مستغرباً، بل ربما مستهجناً لدى العديدين ممن يرون أن القاعدة المفترضة بديهياً، هي كون العلاقة بين الرجل والمرأة في المجمل معافاة، وبالتالي طرح السؤال بهذه الصيغة فيه نوع من التجني على هذه القاعدة ومحاولة لإزاحتها إلى خانة الاستثناء، ومن ثم إصدار حكم يقضي بوجود اختلال عام في علاقة الرجل والمرأة في مجتمعاتنا.
والواقع أن اعتراضاً كهذا يعد مقبولاً ومستساغاً، إذا ما ألقينا نظرة بسيطة على سير مجتمعاتنا، حيث الروابط وطيدة بين الرجل والمرأة، وحيث حاجة كل منهما للآخر حيوية ومصيرية في المعاش اليومي، غير أن هذا المعطى لا يكفي لوحده بنظرنا للقول بصحة وسلامة علاقة الرجل بالمرأة لدينا، حتى وإن بدت الصورة في ظاهرها مطمئنة، ففي المجتمعات التي تتسم بالتخلف كما هو حال المجتمعات العربية، كثيراً ما لا يتفق ظاهر الأمر مع باطنه، وكثيراً ما تخفي حالة السكون والاستقرار البادية على السطح حالة من الغليان والفوضى في العمق، ولذلك يتم التفريق في علم النفس بين الوعي واللاوعي، حيث تشكل الحياة اللاواعية الوجه الخفي للتجربة الوجودية للإنسان، فنظام التسلط والقهر الذي تنطبع به البلدان العربية يفرز حالة من التوتر الوجودي العام الذي يأخذ على مستوى اللاوعي الجمعي شكل اضطرابات لا تلبث أن تنعكس على مستوى العلاقات الاجتماعية، وطبعاً أكثر هذه العلاقات تأثراً هي علاقة الرجل والمرأة بالنظر إلى محوريتها داخل المجتمع.
في خضم حالة الاستبداد السياسي التي يرزح تحتها الإنسان العربي وما تنتجه هذه الحالة من علاقة تسلط ورضوخ، ولأن القاعدة التاريخية تقول إن الناس على دين ملوكهم وحكامهم، فإنه تبعاً لذلك وفي تماهٍ معه تأخذ العلاقات الإنسانية بشكل عام طابع علاقات جامدة تسير في اتجاه واحد خاضع لثنائية التسلط- القهر، ومن أبرز تجليات هذه الوضعية ما تتسم به ذهنية الإنسان العربي من جمود وقطعية وما تفتقر إليه من جدلية ومرونة.
إن الأنظمة السلطوية على غرار تلك التي تحكمنا لا يمكن أن تعطي إلا نموذجاً سلبياً، يشجع على فقدان الالتزام تجاه الآخرين، فالسلطة هنا ما هي إلا فرصة من أجل الاستغلال، وهكذا فكل من تمكن من شيء من قوة أو سيطرة فإنه سيسلك النهج نفسه، وفي إطار هذا النظام التصريفي للاستغلال من الأقوى إلى الأضعف، تبرز المرأة كأفصح مثال على وضعية القهر بكل أوجهها في مجتمعاتنا المتخلفة، فهي تتحول إلى أحد أكثر العناصر الاجتماعية تعرضاً للتبخيس في قيمتها، بما يجعلها على المستوى اللاواعي سنداً لكل العقد والمخاوف والتصورات والرغبات والإحباطات المكبوتة، كل ذلك في إطار سلسلة السيادة والرضوخ تلك التي تجعل منها موضوعاً لإسقاط قهر الرجل ووسيلة تعويضية عن مهانته، فبمقدار تهديد مكانة الرجل في الخارج يحاول في توجه تعويضي تعزيز قوته داخل المنزل.
وعلى امتداد هذا التاريخ الانسحاقي الطويل الذي وجدت المرأة نفسها نهباً له خدمة للرجل في مخطط هروبه من هوان استغلال المتسلط له، طورت المرأة أساليب دفاعية وتعويضية، فالإسقاطات التبخيسية التي تقع على كاهل المرأة غير قابلة للتحمل ومن شأنها أن تجعل التوازن النفسي مستحيلاً.
ولذلك تلجأ المرأة في سبيل مجابهة مأزقها ولأجل تحقيق اعتبارها الذاتي إلى ردود فعل تتراوح بين الاعتداد بقيم الأنوثة وخصائصها وبين السيطرة الخفية على الرجل، في الأولى يصل كيان المرأة إلى حالة من التضخم النرجسي سواء من خلال تلك الوظيفة المثالية المنوطة بها عبر وظيفة الأمومة، التي تجلب لها شعوراً عالياً بالرضى الداخلي لما تحظى به الأمومة من معاني السمو والقدسية، ليس ذلك فحسب بل إن وضع الأم يمكن المرأة من أداة تعويضية تتمثل في أبنائها الذين يشكل امتلاكهم تضخيماً لكيانها، وبالإضافة إلى الأمومة تحصل المرأة على تعويض نرجسي من خلال جسدها كموضوع جنسي مرغوب فيه، ويتضخم هذا الإحساس مقتاتاً من حرمان الرجل جنسياً ومما يحيط بجسد المرأة من ممنوعات، مما يجعلها تحس بامتلاك شيء ثمين تملك منعه عن الرجل، وبالتالي تملك بين أيديها سلاحاً يمكنها استخدامه للسيطرة على الرجل، إنها ترضخ لكنها تصبر حتى تأنس من الرجل ضعفاً فتحول عجزها إلى انتصار مستغلة ضعفها الظاهري كسلاح للتمويه على قوتها الضمنية، وهي إن كانت بنهاية هذه اللعبة تجد متعة تغطي على قهرها لكن اللعبة تظل عقيمة وغير ذات مكاسب حقيقية بالنسبة للطرفين، فيما عدا مكسب التفافي صغير اسمه وهم إرضاء الذات.
إن دفاعات المرأة تذهب جلها في اتجاه مرضي لأنها وليدة علاقة مرضية بين الرجل والمرأة، علاقة قوامها القهر والتسلط، على أن غبن المرأة هنا هو جزء من غبن الرجل والقهر الذي يفرض عليها لا ينفصل في المحصلة عما يتعرض له هو من قهر، مما يغلق أي مجال أمام بروز علاقات معافاة تحمل الإثراء المتبادل للطرفين، ذلك مستحيل في وضعية القهر، ووحده التحرر من هذه الوضعية ما سيعطي للإنسان العربي (رجل وامرأة) ذلك التوازن النفسي والاعتبار الذاتي، الذي سيسمح ببزوغ علاقة بين الرجل والمرأة قوامها فضائل المودة والرحمة، بدلاً من مخططات السيطرة والسيطرة المضادة.