هل فرح الأميركيون بالربيع العربي؟

16 ديسمبر 2014
لم يفهم الأميركيون مشاركة النساء في الربيع (GETTY)
+ الخط -


سألني أميركي كان يشاكسني دائماً في النادي الرياضي، عندما أشاهد أخبارا عن الوطن العربي وأفغانستان: هل أفرح يا سمر لما يحدث في شوارع تونس؟

لم أستطع أن أقرر ساعتها، أريد أن أفرح لأن مشاهدة شباب وبنات وسيدات ورجال في الشوارع يهتفون من أجل الحرية، أمر إيجابي جدا، لكنّ الأميركيون ليسو معتادين على رؤية أخبار إيجابية عن العرب، وخاصة أنباء عن طلب الحرية.
سألني الرجل وأنا وسط قاعة كبيرة مليئة بأجهزة لتقوية العضلات وتوسيع الرئتين وتقليص الكروش، وأنا العربية الفلسطينية المسلمة الوحيدة بين الأميركيين، وكنت مندهشة ليس من السؤال، بل مما وصل إليه حال العرب، ذلك أن مظاهرات سلمية تطالب بالحرية باتت خبرا عالميا محيراً لا يستطيع أميركي أن يحلله بنفسه.

كنت أشاهد وأنا في ولاية فلوريدا الأميركية أخبارا لما يحدث في تونس، وأكاد لا أصدق عقلي لأني عانيت على مدار 24 عاما قضيتها في أميركا من التعامل مع الانطباع الأميركي السلبي عن العرب والمسلمين، وخاصة اعتقاد الكثير منهم أن العربي لا توائمه الديمقراطية ولا يحبها، ولا يستطيع أن يحيا في ظلها، وكنت أدافع عن المواطن العربي وأحاول أن أشرح لهم مخاطر التظاهر تحت أنظمة شمولية قمعية، وأذكرهم دوما أن ضرائبنا الأميركية تساهم في دعم هذا القمع، وأنه لا يحق لنا أن نستخف دائماً بقدرات المواطن العربي المغلوب على أمره.

كان تعامل الإعلام الأميركي الربحي مع أخبار تونس عاديا كأي خبر يحدث في أمكنة بعيدة غير مفهومة لأميركا، وكان من الملاحظ أن المعلقين يستغربون من وجود فتيات وسيدات يصرخون بحماسة الرجال نفسها، لأن انطباعاتهم عن المرأة العربية سلبية نوعا ما.
أما الناس العاديون الذين كنت أتعامل معهم كل يوم في فصولي الدراسية وعبر برنامجنا الإذاعي فكانت أسئلتهم متنوعة وحائرة، كانوا يريدون أن يفهموا سر حرق بو عزيزي نفسه، وإن كان هذا الفعل جزءا من الثقافة الإسلامية أو العربية.

وتبدل حال التغطية الإعلامية وزاد فضول الناس بشدة بعد بدء المظاهرات في ميدان التحرير، ومن المثير أن الإعلام الأميركي ظل يصر على تعريف ما يجري في مصر بـ"الفوضى"، أو "الإضرابات"، ولم يصف ما يحدث بصورة إيجابية باعتبارها حركة تحررية ضد نظام فاسد، إلا عندما تعرض صحافيون أميركيون للطرد والضرب في ميدان التحرير من بلطجية النظام.
ومن حسن حظ ميدان التحرير أن الكاميرا التقطت محاولات ضرب أندرسون كوبر، أحد أشهر مذيعي أميركا، وعرضت هذه الصور على الهواء عدة مرات، ولم يكن هناك مجال أمام الإعلام الأميركي إلا أن يقف بجانب ميدان التحرير ويغير من أسلوب تغطيته.

ولأن الإعلام الربحي الأميركي يعد منحازا للحزب الجمهوري، ويهاجم الرئيس أوباما الذي ظل مساندا لنظام مبارك حتى قبل ثلاثة أيام من تنحّيه، استغل الإعلام موقف الرئيس ووزيرة خارجيته هيلاري كلينتون التي تغنت بصداقتها وزوجها وابنتها، بمبارك وعائلته، فجأة ساند الإعلام التحرير، وأصبحنا نقرأ عناوين مثل "ثورة التحرير" و"ميدان التحرير"، وتعليقات عن مشاركة الشباب، وبالأخص الشابات المحجبات، وكأن الإعلام الأميركي اكتشف فجأة أن هناك نساءً بين الشعوب العربية.

أصبحت أردد يوميا "تحرير سكوير" عشرات المرات، وبدأ تلاميذي الأميركيون في الجامعة يتحدثون عن شعورهم المماثل لشباب تونس ومصر، وكيف أنهم معزولون عن قرارات الحرب التي تتخذها واشنطن، من دون الاكتراث لآراء الشباب، وسرعان ما بدأت في أميركا حركة "احتلال شارع المال"، أو "وول ستريت" وسرعان ما انتشرت في كل مدينة كبري في أميركا، لكن بالسرعة نفسها أحبط رأس المال والطبقة الحاكمة الظاهرة، كما أُحبط الربيع العربي.
ولكن إلى متى؟

• إعلامية من (فلسطين) مقيمة في أميركا