هل طويت صفحة الثورة السورية؟

30 يونيو 2018
+ الخط -
لا بد أن نرى، منذ يومنا هذا، واقعنا السوري على حقيقته، المأساوية والمؤلمة. ولا حديث بعد اليوم عن الثورة، وكأنها ظلت تلك التي عرفناها وأسهمنا فيها خلال انطلاقتها الأولى، آن كانت نقية وطاهرة، خرج خلالها ملايين البشر من دون سلاح، غير حناجرهم التي طالبت بما ينقص المواطن، ويعيد إليه هويته ووطنه: الحرية والعدالة والمساواة.
لسنا اليوم في تلك الثورة التي قوّضها أكثر فأكثر، وإلى حد التلاشي، صعود الطائفية لدى الأسدية، وتيار المذهبية والعسكرة لدى تيارٍ يرفض الحرية والقول بوحدة الشعب السوري، ويقاتل من أجل إقامة دولة دينية يعرف استحالتها، ويعلم أن النتيجة الوحيدة لتمسّكه بها هي التضحية المجانية بمئات آلاف السوريين، والقضاء على ثورة الحرية، بيده وأيدي الأسد وروسيا وملالي إيران ومرتزقتهم، ومشاركة أميركية/ إسرائيلية.
بغياب العسكرة، تبقى السياسة، وهي في حال يُرثى لها، فإن بقيت كما هي، علينا الاعتراف، بنزاهة، بأننا فشلنا، أو على الأصح، أن هذه الحلقة من ثورة شعبنا من أجل حريته ستنقطع بعض الوقت، وأن علينا إعداد العدة لعودتها في أقرب فرصة، اعتماداً على مفجّرها الأول والرئيس، الاستبداد الأسدي الذي فجرها أمس، وسيفجرها غداً.
يضعنا واقعنا الراهن أمام الاستسلام، أو العمل لتحقيق هدفين متكاملين:
أولاً، إعادة الثورة إلى مسارها الأصلي، ثورة حريةٍ لشعب سوري واحد، ليس ولا نسمح أن يكون طوائف ومذاهب أقلوية تتصارع وتتقاتل مع أغلبيته من "أهل السنة والجماعة". وكذلك، إعادة رسم أولويات الثورة، كي لا ترتهن من جديد لأوهام التدخل الخارجي، ويكون الشعب رافعتها الوحيدة، لكونه مرجعيتها وحاملها الذي يقرّر هويتها، وينهض بها ويحميها، بالتعاون مع قادةٍ يمثلونه، يعلمون بجوامع السوريين ومشتركاتهم الوطنية، ويُخضعون لها الحزبي والولاء الأدنى والجزئي، وليس العكس، مثلما حدث إلى اليوم، ويقدّمون لها خططاً وبرامج تتفق وحاجات استمرارها ونموها، ترسم مسارها، وتحشد القدرات الوطنية الضرورية لتحقيق أهدافها المرحلية والنهائية، ولمواكبة حراكها خطوة بعد خطوة، وتغطيتها إعلامياً بما يتفق ونبل مقاصدها، بفضل عمل مؤسسي ومتخصص، يخدم شعب سورية أينما كان، ويحظى بقبول الشعب ورعايته.
ثانياً، استكمال الثورة من خلال بناء ساحة خارجيه لها، لطالما افتقرت إليها في سنواتها السبع المنصرمة، تحتوي ما قد يقع من تراجعٍ في ساحتها الداخلية، وتتحول إلى قوة رفع لها، عبر مأسستها بجهود ملايين السوريين، إناثاً وذكوراً، الذين يعيشون ويعملون، منذ عقود، في الدول الأجنبية، وملايين المهجرين الذين انضموا إليهم بعد الثورة، ولا بد أن يتحولوا إلى قوة دفعٍ لها، وأن يبرزوا عدالة الثورة وشرعيتها أمام الرأي العام العالمي، ويمدّوها بالتمويل، ويشكلوا حالةً ضاغطةً على سياسات بلدانهم وحكوماتها، بما لهم من حضور ونفوذ فيها، وكاشفة الأسدية وفاضحة لها ولممثليها الذين ستلاحقهم في المحاكم المحلية والدولية، وستعمل لمصادرة أموالهم، وفرض عقوبات على الأسدية وعليهم، وستدعو إلى مقاطعتهم في كل المناسبات والمحافل، وتنظم لوبياتٍ نشطةٍ في كل دولة، وخصوصاً في أميركا، لنزع أي شرعية عنهم، وتقليص حضورهم خارج الغيتو الأسدي الذي أجبر السوريون على العيش فيه نصف قرن، وسيتحول إلى معسكر إبادة من الآن فصاعداً، إن توقفت الثورة وفشلنا في مواصلتها.
هذه ساعة للشعب والحرية، لن يبقى شيءٌ بعدها كما كان قبلها، فإما أن نكون قادرين على إبقاء ثورتهما حية، أو أن نشارك في جنازتها؟. ماذا نختار، وأي معنى يبقى لوجودنا، إن سلّمنا بهزيمتنا؟.
E4AA2ECF-ADA6-4461-AF81-5FD68ED274E9
ميشيل كيلو

كاتب سوري، مواليد 1940، ترأس مركز حريات للدفاع عن حرية الرأي والتعبير في سورية، تعرض للاعتقال مرات، ترجم كتباً في الفكر السياسي، عضو بارز في الائتلاف الوطني السوري المعارض.