هل تنجح مساعي دول الجوار في جمع الليبيين؟

06 يناير 2017
يخشى الجميع مواجهة عسكرية واسعة (عبدالله دوما/فرانس برس)
+ الخط -
يشهد الملف الليبي أخيراً تحركات سياسية غير مسبوقة، وتطورات جديدة لافتة لعدد من الممسكين بخيوط اللعبة، داخل ليبيا وخارجها. وتميزت التحركات بمجموعة من اللقاءات والمواقف التي توحي بأن شيئاً ما يتدبّر أو يتغيّر حيال الوضع السائد حتى الآن بين طرفي النزاع بين الشرق والغرب. لكن عدة أطراف تخشى أن تكون هذه التحركات والمواقف المتواترة شبيهة بمحاولات الإنقاذ الأخيرة قبل الانهيار والمواجهة الكبيرة التي يخشاها الجميع، والتي قد تدخل البلاد في حرب واسعة، إذا فشلت المساعي السياسية.

وفي الوقت الذي كان فيه رئيس المجلس الأعلى للدولة، عبد الرحمن السويحلي، يزور الجزائر، أول من أمس، كان رئيس مجلس النواب في طبرق، عقيلة صالح، يزور تونس، بينما كانت المواقع تنقل ترجمة لحوار أجرته صحيفة إيطالية مع الجنرال المتقاعد خليفة حفتر، يعتبر فيه الحوار السياسي في غير وقته أصلاً. وتعتبر زيارة عقيلة صالح إلى تونس لافتة بكل المقاييس، إذ جاءت لتكسر حالة البرود التي ميّزت العلاقة السياسية بين الشرق الليبي وتونس، منذ قرر الرئيس التونسي، الباجي قائد السبسي، التزام الحياد مع طرفي النزاع في ليبيا، وتقارب مع طرابلس التي تعتبر الامتداد الطبيعي لتونس، والمنطقة التي تتواجد فيها كثافة عمٌالية تونسية كبيرة، بالإضافة إلى موقف تونس القاطع، الداعم لحكومة الوفاق، التي يرأسها فايز السراج. الشرق الليبي (تسمية مجازية) كان يعتبر حتى الآن هذا الموقف التونسي منحازاً للغرب، بعدما كانت حكومة ما قبل العام 2014، التي ترأسها مهدي جمعة، تميل إلى عدم التعامل مع قوى طرابلس وتفضل شرق البلاد، من دون تورط كبير.

وجاءت تصريحات صالح في تونس، أول من أمس، لتعكس ربما بداية صحوة ليبية شاملة بأنه لا بديل من جلوس الجميع حول طاولة واحدة، وهو ما ترغب فيه تونس والجزائر بقوة،  اللتان دعوتا مصر للانضمام إليه، معتبراً المبادرة التونسية "خطوة في الاتجاه الصحيح"، وداعياً تونس إلى مواصلة موقفها الرافض للتدخل الأجنبي. صالح، الذي عاد من زيارة إلى موسكو والقاهرة، قال في تصريحات سبقت زيارته تونس، إنه حصل على دعم مصري لعدة مقترحات تهدف إلى حل الأزمة، تشمل تقليص عدد أعضاء المجلس الرئاسي، المنبثق عن حكومة الوفاق، إلى أربعة، هم الرئيس وثلاثة نواب، يمثل كل واحد منهم أحد الأقاليم الليبية الثلاثة، والإبقاء على صفة القائد العام كما هي لدى مجلس النواب، وأن يتم الفصل بين رئاسة الوزراء والمجلس الرئاسي، وإلغاء منصب وزير الدفاع في الحكومة، لوجود قائد عام للجيش بصلاحيات الوزير.


وسيكون على صالح إقناع بقية الأطراف الليبية بهذه الاقتراحات، عبر الوسيط التونسي، وسيقدم موقف "الشرق الليبي"، من فكرة المبادرة التونسية الجزائرية. وربما تحمل اجتماعاته مع رؤساء الجمهورية والحكومة ومجلس النواب ووزير الخارجية التونسي، بعض الإضاءات على هذه المساعي، بالإضافة إلى اجتماعه مع المبعوث الأممي إلى ليبيا، مارتن كوبلر. تونس والجزائر سترحبان طبعاً بأي اتفاق ليبي - ليبي ينهي صراعا يتسبب لهما بمشاكل لا تحصى ولا تعد منذ سنوات، غير أنهما على قناعة بأن الحل الحقيقي في ليبيا ينبغي أن يشمل كل الفرقاء، الإسلاميين والليبيراليين ونظام العقيد الراحل، معمر القذافي، لأن الصراع الحقيقي لا يتلخص في خلاف بين مجلس نواب طبرق وحكومة الوفاق، أو بين مؤسسات الشرق والغرب، من دون الدخول في تفاصيل النزاعات الليبية القائمة بين فصائل الشرق ذاتها، وبين قوى الغرب أيضاً، لأن تصوير المشهد الليبي بهذه البساطة يقفز فوق حقيقة الأشياء. وتأتي إشارة السويحلي، بعد لقائه بوزير الخارجية للشؤون المغاربية والأفريقية الجزائري، عبد القادر مساهل، لتكشف عن هذا الأمر، إذ بحثا "سبل توسيع دائرة التوافق الوطني... وجهود المصالحة الوطنية الساعية إلى توسيع دائرة الوفاق ليشمل كل الأطراف الليبية". غير أن مصطلح "كل الأطراف" يمر أيضاً عبر خليفة حفتر، الذي لا يبدو متحمساً إلى أي حوار سياسي، ويعتبر أن "الوضع الحالي يتطلب هزيمة التنظيمات المتطرفة، قبل استئناف التحركات السياسة". وجاءت تصريحاته الصحافية أخيراً لتجدد عدم رغبته في التحاور مع حكومة السراج "لأن المحادثات السابقة لم تسفر عن أي نتائج".

غير أن عارفين بالشأن الليبي، تحدثت معهم "العربي الجديد" في تونس، يؤكدون أن هذه المواقف محاولة من حفتر لتليين الموقف الإيطالي الهام جداً في ليبيا، وإقناع الجميع بأن وجوده حاسم في محاربة تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) والتطرّف عموماً في ليبيا. وكان حفتر قال، لصحيفة إيطالية، "إن إيطاليا، اختارت للأسف حتى الآن مساعدة الجانب الآخر من ليبيا... وقامت بإرسال 250 رجلاً من الجنود والعاملين في المجال الطبي للتعامل مع مستشفى مصراتة، ولا شيء لنا... وفي الأيام الأخيرة، وُعدنا بإرسال طائرتين لنقل بعض مصابينا بجروح خطيرة إلى المستشفيات الإيطالية، ولكن حتى الآن لم يصل شيء، ربما بسبب سوء الأحوال الجوية. نتوقع مزيداً من التعاون. لم نستحسن خطاب نهاية العام الذي ألقاه قائدكم لهيئة الأركان في مصراتة". وأضاف إن "إيطاليا تدعم مليشيات مصراتة، وهو أمر يتجاوز حدود مهمة السلام الطبية. وأنا أعرف مشاكل المستشفى. الرجل الثاني في جهاز مخابراتكم صديق جيد لي، وغالباً ما يأتي لرؤيتي وتحدثنا عن ذلك عدة مرات. لكن أود أن أوصي دولاً أجنبية ودولتكم بعدم التدخل في شؤوننا الداخلية. دعوا الليبيين يرعون ليبيا".
وتبدو معنويات حفتر مرتفعة بعد زيارته موسكو، لكن المصادر التونسية تشير إلى أن الموقف الروسي، اللاعب الجديد في ليبيا، يمكن أن يتماهى مع المبادرة التونسية الجزائرية، لقرب الجزائر التقليدي من موسكو من ناحية، وإذا نجح الطرفان في إقناع مصر من ناحية أخرى، وهو ما يفسر إصرار السبسي على قمة ثلاثية بإمكانها فرض الحل على كل الأطراف الليبية. غير أن الجميع يسعى، في الوقت ذاته، إلى تحسين وضعه التفاوضي، قبل الدخول في حوارات، وهو ما يعكس وجود عدم نضج عام لما يدفعه الجميع من خسائر إزاء استمرار المواجهات المسلحة، وأن الجميع خاسر إذا استمر الوضع على ما هو عليه.

ميدانياً، يخشى الجميع مواجهة حاسمة بين القوات المسلحة المتناحرة في ليبيا. وجاءت رسالة قائد عملية "البنيان المرصوص"، العميد محمد الغصري، أول من أمس، لتوجه رسالة شديدة اللهجة إلى من سماه "المهزوم المجرم حفتر"، متهماً إياه بأنه يحاول إشعال نار الفتنة بين الليبيين. وقال الغصري، لقناة "النبأ" الليبية، إن القصف الذي تعرّضت له قوات الكتيبة 19.9 في مطار هون يمثل إعلاناً من حفتر للحرب على قوات "البنيان المرصوص"، والتي ستكلفه الكثير، مشدداً على أنه لا يمكن القبول باستهداف هذه القوات. ودعا الغصري كافة السياسيين في ليبيا ومجلس النواب والنخب السياسية إلى اتخاذ موقف مما يحدث، مؤكداً أن "تطاول حفتر لن يطول كثيراً، وبأن رد قوات البنيان المرصوص عليه سيكون في الوقت المناسب".

المساهمون