24 أكتوبر 2024
هل تنجح الجهود الروسية في إعادة تأهيل الأسد دوليًا؟
ما إن انتهت قمة هلسنكي بين الرئيسين الأميركي، دونالد ترامب، والروسي، فلاديمير بوتين، في 16 تموز/ يوليو 2018، حتى شرعت روسيا في حملة علاقات عامة على المستوى الدولي، سعت من خلالها إلى إعطاء انطباع مفاده أنّ "الحرب" في سورية قد انتهت، أو قاربت نهايتها، وأنّ عمليتَي إعادة الإعمار وإعادة اللاجئين والمهجّرين السوريين إلى مدنهم وقراهم تُوشكان أن تبدآ. وكان الرئيس الروسي قد دعا، في المؤتمر الصحافي المشترك مع ترامب، إلى ضرورة تعاوُن البلدان في معالجة الجوانب الإنسانية للأزمة السورية، وتسهيل عودة اللاجئين والمهجّرين السوريين إلى بيوتهم.
وعلى الفور، أرسلت الخارجية الروسية فريق عمل إلى تركيا والأردن ولبنان، أكبر ثلاث دول تستضيف اللاجئين السوريين في المنطقة، لشرح "الخطة الروسية" المتعلقة بإعادة اللاجئين. وأشار رئيس مركز مراقبة الدفاع الوطني الروسي، الجنرال ميخائيل ميزينتسيف، الذي يبدو أنه بات مسؤولًا عن تنسيق الجهود الإقليمية، من أجل إعادة اللاجئين السوريين من دول الجوار، إلى أنّ بيانات مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية أكّدت له أنه "يمكن أن يعود نحو 890 ألف مواطن سوري إلى وطنهم خلال الأشهر المقبلة"، وأضاف قائلًا: "أنشأت الحكومة اللبنانية فريقًا عاملًا لتشكيل لجنة مشتركة للتعاون مع سورية بخصوص عودة اللاجئين. وقد أفادت مراكز اللاجئين الإقليمية اللبنانية أنها تلقّت 10 آلاف طلب من مواطنين سوريين [يسعون] إلى العودة إلى وطنهم". وقال ميزينتسيف، أيضًا، إنّ الأردن "اتخذ عددًا من الخطوات لتشجيع أكثر من 200 ألف مواطن سوري على التعبير عن رغبتهم في العودة إلى أماكن إقامتهم الدائمة".
لكن هذا الموقف الروسي الذي أوّل موقف موظفي المنظمة الدولية، بحسب رغبته، وبما يبرّر
تفاؤله المعدّ سلفًا، اصطدم بموقفٍ غير متحمس من الأمم المتحدة ووكالاتها المختصة؛ مثل مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، اللذيْن وجدا "تسرّعًا" غير محسوبٍ في الخطة الروسية، ما دعا المنسق الروسي إلى انتقاد وكالات الأمم المتحدة المختلفة، واتهامها بأنها "تسترشد بموقف الغرب، وتنتظر حتى يتغير هذا الموقف الغربي". وقد بدا الفتور الغربي غير مفهوم بالنسبة إلى روسيا التي اعتقدت أن إعادة اللاجئين السوريين ستمثّل نقطة جذبٍ مهمة للسياسة الغربية، أو على الأقل لأوروبا تحديدًا؛ فموضوع الهجرة كان محور سياسات القارة الأوروبية منذ عام 2015، حين شهدت موجات غير مسبوقة من اللاجئين والمهاجرين، وقد كانت نسبة السوريين منهم كبيرة. فهل هي خطة لعودة اللاجئين إلى منازلهم وبيوتهم "المدمّرة"؟ أم هي إعادة بعضهم مشهديًا من أجل تأهيل نظام الأسد؟
خلفيات الخطة الروسية
منذ انطلاق الثورة السورية في ربيع عام 2011، مثّلت روسيا، لأسباب مختلفة، ظهير النظام السوري الرئيس على الساحة الدولية، ووفّرت له الحماية في مجلس الأمن، بدايةً من تشرين الأول/ أكتوبر 2011؛ عندما استخدمت حق النقض (الفيتو)، في المرة الأولى، بالتعاون مع الصين، من أجل منع صدور قرارٍ يدين الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في سورية، ويهدّد بإجراءاتٍ ضد حكومة الرئيس بشار الأسد. منذ ذلك الوقت، استخدمت روسيا حق النقض في الأزمة السورية 12 مرة، كان جميعها مخصصًا لحماية النظام من أي إدانةٍ في مجلس الأمن. ولم تكتفِ روسيا بتوفير هذا الغطاء الدبلوماسي، بل أمدّت أيضًا النظام بمختلف أنواع الأسلحة، قبل أن تتدخل عسكريًا لمصلحته في أيلول/ سبتمبر 2015، بحجّة فشل التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن في القضاء على تنظيم الدولة الإسلامية (داعش). ومنذ ذلك الحين، تمكّنت روسيا من منع إلحاق هزيمة محقّقةٍ بالنظام وقلب موازين القوى في الصراع لمصلحته، والتحول إلى طرفٍ رئيس في تقرير مستقبل حل الأزمة في سورية. وقد تبيّن أن هذا هو هدفها الحقيقي الذي يمنحها أوراقًا على الساحتين الإقليمية والدولية.
ويثير التركيز على موضوع اللاجئين والمهجّرين، وطرح خطة دولية تشرف روسيا على تنفيذها، أسئلةً عن حقيقة الأهداف التي تسعى موسكو إلى تحقيقها في هذه المرحلة، علمًا أن روسيا استخدمت اللاجئين قبل ذلك سلاحًا في مواجهة الغرب، والضغط عليه، لتغيير موقفه من الصراع في سورية، إذ استهدف سلاح الجو الروسي استهدافًا مباشرًا المدنيين في مناطق المعارضة؛ لدفع أكبر عدد منهم إلى الهجرة، وإغراق أوروبا بموجاتٍ منهم، الأمر الذي تسبّب بأزمة سياسية كبرى على صعيد الاتحاد الأوروبي، وأسهم في صعود التيارات اليمينيّة المتطرّفة المعادية للأجانب التي استخدمت قضايا اللاجئين، للحشد والتعبئة، بهدف الوصول إلى السلطة (تعاطفت معها روسيا علنًا، وأبدت هي إعجابًا ببوتين وبشار الأسد)؛ كما حصل في ألمانيا، والمجر، وإيطاليا، وغيرها من الدول الأوروبية. والملاحظ، أيضًا، أن روسيا تستضيف العدد الأقل من اللاجئين السوريين، ومعظمهم يعاني أوضاعًا صعبة على الأراضي الروسية، ويعتبر هذه الأراضي منطقة عبورٍ إلى الأراضي الأوروبية.
وفي محاولةٍ لفهم حقيقة الأهداف الروسية من طرح خطة إعادة اللاجئين المهجرين السوريين، يمكن أن نحيل على نقطتين رئيستين:
• رغبة روسيا في جني أرباح التدخل في سورية، على الرغم من أنه لا توجد أرقام روسية رسمية متعلقة بالتكلفة البشرية أو المادية التي كابدتها روسيا في سورية، خصوصًا في ضوء
استخدامها شركات أمنية خاصة، مثل شركة "واغنر" المتعاقدة مع وزارة الدفاع، والتي تضم مرتزقةً من الروس يقاتلون في سورية، من دون أن تدخل سجلاتهم في وزارة الدفاع الروسية، وقد سقط مئاتٌ من هؤلاء المقاتلين في سورية، بحسب تقارير مختلفة. أما التكلفة المادية فتفوق، بحسب بعض التقارير، ثلاثة مليارات دولار أميركي؛ ولذلك ترغب روسيا حاليًا في الحصول على بعض العائدات، في ضوء الصعوبات الاقتصادية التي تواجهها بسبب العقوبات الغربية. وقد وجدت القيادة الروسية أن المدخل الوحيد لإقناع الأوروبيين بتقديم التمويل اللازم لعمليات إعادة الإعمار التي تضطلع الشركات الروسية بجزء كبير منها، هو استخدام ورقة عودة اللاجئين السوريين التي تمثّل أولويةً بالنسبة إلى دول أوروبية كثيرة، أخذ الرأي العام فيها ينحرف يمينًا من جرّاء قضية المهاجرين واللاجئين.
• النقطة الثانية: رغبة روسيا في إعادة تأهيل نظام الأسد دوليًا. وفي هذا السياق، تدرك روسيا أن الحاجة الدولية إلى نظام الأسد ربما انتهت تمامًا، فقد استطاعت الولايات المتحدة، ومن خلفها الحلفاء الأوروبيون، استعادةَ معظم المناطق التي كان يسيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية، وفي مقدمتها مدينة الرقة، من دون التنسيق مع النظام السوري، أو التعاون معه؛ ومن ثمّ فقد استهلكت "ورقة محاربة الإرهاب" التي غالبًا ما كان يتذرّع بها النظام السوري لدعوة الأطراف الغربية إلى الحوار معه، ولم يعد هناك سوى "ورقة اللاجئين"، بوصفها الورقة التي يمكن أن تغيّر الموقف الغربي كليًا من النظام السوري.
وعلى الرغم من أنه لا يمكن استبعاد ارتفاع بعض الأصوات الهامشية الغربية التي قد تنادي بالحوار مع الأسد في المستقبل، باعتبار وجوده في الحكم أمرًا واقعًا، بعد أن تمكّن من استعادة السيطرة على جزء كبير من الأراضي السورية، بالتعاون مع الحليفيْن، الإيراني والروسي،
سوف تكون التكلفة، أو الثمن السياسي لهذا الحوار، مرتفعةً جدًا؛ فالأسد اليوم في عين المجتمع الدولي، ربما باستثناء الموقفين، الروسي والإيراني، هو مجرم حرب، بسبب ما ارتكبه من جرائم ضد الشعب السوري، وهذا ما تؤكّده عشرات التقارير الصادرة عن مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، والجمعية العامة للأمم المتحدة، ولجنة التحقيق الدولية المستقلة، وغيرها من هيئات ومنظمات دولية؛ ما يعني أنّ أي دعوةٍ إلى لقاء الأسد، أو مساعدته، أو الحوار معه، ستكون مكلفة. لذلك يرجّح أن تصطدم محاولة روسيا إعادةَ تأهيل النظام السوري بعقبة رئيسة، متمثلة بالرأي العام الغربي الذي لن يتقبّل بسهولة عملية شرعنة "مجرم حرب". وفوق ذلك، على روسيا تجاوز مجموعة من التشريعات والقوانين التي سنّتها البرلمانات الأوروبية، وكذلك الكونغرس الأميركي، والتي تجعل أي اتصالٍ بحكومة الأسد، أو حتى طرح موضوع رفع العقوبات عنه، أمرًا غير ممكنٍ في ظل الظروف الراهنة، وقبل التوصل إلى حل سياسي عادل للأزمة السورية.
وعلى الرغم من أن الرئيس ترامب يُبدي تجاوبًا أكبر مع اهتمامات الرئيس الروسي المتعلقة بإعادة اللاجئين والمهجرين، وفقًا لأجندته الدعائية والانتخابية التي تستهدف المهاجرين واللاجئين في الولايات المتحدة وأوروبا، فإن جهات أخرى في الإدارة الأميركية تبدو، في أحسن الأحوال، غير متحمسةٍ للخطة الروسية. وهذا يفسّر الرد الفاتر الذي تلقّاه رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الروسية من نظيره الأميركي على الرسالة التي دعاه فيها إلى المشاركة في عملية إعادة الإعمار في سورية. لقد أشار اقتراح رئيس هيئة الأركان الروسي بواقعيةٍ إلى افتقار النظام السوري إلى المعدّات والوقود والتمويل اللازم لإعادة بناء البلاد، من أجل عودة اللاجئين. فكان الرد الأميركي على لسان المتحدثة باسم وزارة الخارجية أنّ الولايات المتحدة "لن تدعم عودة اللاجئين إلا عندما تكون آمنةً وطوعيةً وكريمة". وواقع الحال أنّ ملايين اللاجئين السوريين لن يختاروا العودة طواعية إلى بيوتهم، لأنه ببساطة لم يعد لديهم بيوتٌ، حتى يعودوا إليها بعد أن دمّر الأسد بيوتهم وقراهم ومدنهم، كما أنهم لا يضمنون، ولا يضمن لهم أحد، سلامتهم الشخصية من الاعتقال والتنكيل، في حالة العودة.
حتى الآن، يبدو الموقف الغربي صلبًا بخصوص إعادة الإعمار وعودة اللاجئين، إذ يجري ربطه ربطًا وثيقًا بموضوع الانتقال السياسي. وفي الحال التي لا يكون فيها انتقال سياسي، لن تساهم الدول الغربية، في ما يبدو، في دفع "أرباح جرائم الحرب" التي اقترفها الأسد ضد شعبه.
وعلى الفور، أرسلت الخارجية الروسية فريق عمل إلى تركيا والأردن ولبنان، أكبر ثلاث دول تستضيف اللاجئين السوريين في المنطقة، لشرح "الخطة الروسية" المتعلقة بإعادة اللاجئين. وأشار رئيس مركز مراقبة الدفاع الوطني الروسي، الجنرال ميخائيل ميزينتسيف، الذي يبدو أنه بات مسؤولًا عن تنسيق الجهود الإقليمية، من أجل إعادة اللاجئين السوريين من دول الجوار، إلى أنّ بيانات مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية أكّدت له أنه "يمكن أن يعود نحو 890 ألف مواطن سوري إلى وطنهم خلال الأشهر المقبلة"، وأضاف قائلًا: "أنشأت الحكومة اللبنانية فريقًا عاملًا لتشكيل لجنة مشتركة للتعاون مع سورية بخصوص عودة اللاجئين. وقد أفادت مراكز اللاجئين الإقليمية اللبنانية أنها تلقّت 10 آلاف طلب من مواطنين سوريين [يسعون] إلى العودة إلى وطنهم". وقال ميزينتسيف، أيضًا، إنّ الأردن "اتخذ عددًا من الخطوات لتشجيع أكثر من 200 ألف مواطن سوري على التعبير عن رغبتهم في العودة إلى أماكن إقامتهم الدائمة".
لكن هذا الموقف الروسي الذي أوّل موقف موظفي المنظمة الدولية، بحسب رغبته، وبما يبرّر
خلفيات الخطة الروسية
منذ انطلاق الثورة السورية في ربيع عام 2011، مثّلت روسيا، لأسباب مختلفة، ظهير النظام السوري الرئيس على الساحة الدولية، ووفّرت له الحماية في مجلس الأمن، بدايةً من تشرين الأول/ أكتوبر 2011؛ عندما استخدمت حق النقض (الفيتو)، في المرة الأولى، بالتعاون مع الصين، من أجل منع صدور قرارٍ يدين الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في سورية، ويهدّد بإجراءاتٍ ضد حكومة الرئيس بشار الأسد. منذ ذلك الوقت، استخدمت روسيا حق النقض في الأزمة السورية 12 مرة، كان جميعها مخصصًا لحماية النظام من أي إدانةٍ في مجلس الأمن. ولم تكتفِ روسيا بتوفير هذا الغطاء الدبلوماسي، بل أمدّت أيضًا النظام بمختلف أنواع الأسلحة، قبل أن تتدخل عسكريًا لمصلحته في أيلول/ سبتمبر 2015، بحجّة فشل التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن في القضاء على تنظيم الدولة الإسلامية (داعش). ومنذ ذلك الحين، تمكّنت روسيا من منع إلحاق هزيمة محقّقةٍ بالنظام وقلب موازين القوى في الصراع لمصلحته، والتحول إلى طرفٍ رئيس في تقرير مستقبل حل الأزمة في سورية. وقد تبيّن أن هذا هو هدفها الحقيقي الذي يمنحها أوراقًا على الساحتين الإقليمية والدولية.
ويثير التركيز على موضوع اللاجئين والمهجّرين، وطرح خطة دولية تشرف روسيا على تنفيذها، أسئلةً عن حقيقة الأهداف التي تسعى موسكو إلى تحقيقها في هذه المرحلة، علمًا أن روسيا استخدمت اللاجئين قبل ذلك سلاحًا في مواجهة الغرب، والضغط عليه، لتغيير موقفه من الصراع في سورية، إذ استهدف سلاح الجو الروسي استهدافًا مباشرًا المدنيين في مناطق المعارضة؛ لدفع أكبر عدد منهم إلى الهجرة، وإغراق أوروبا بموجاتٍ منهم، الأمر الذي تسبّب بأزمة سياسية كبرى على صعيد الاتحاد الأوروبي، وأسهم في صعود التيارات اليمينيّة المتطرّفة المعادية للأجانب التي استخدمت قضايا اللاجئين، للحشد والتعبئة، بهدف الوصول إلى السلطة (تعاطفت معها روسيا علنًا، وأبدت هي إعجابًا ببوتين وبشار الأسد)؛ كما حصل في ألمانيا، والمجر، وإيطاليا، وغيرها من الدول الأوروبية. والملاحظ، أيضًا، أن روسيا تستضيف العدد الأقل من اللاجئين السوريين، ومعظمهم يعاني أوضاعًا صعبة على الأراضي الروسية، ويعتبر هذه الأراضي منطقة عبورٍ إلى الأراضي الأوروبية.
وفي محاولةٍ لفهم حقيقة الأهداف الروسية من طرح خطة إعادة اللاجئين المهجرين السوريين، يمكن أن نحيل على نقطتين رئيستين:
• رغبة روسيا في جني أرباح التدخل في سورية، على الرغم من أنه لا توجد أرقام روسية رسمية متعلقة بالتكلفة البشرية أو المادية التي كابدتها روسيا في سورية، خصوصًا في ضوء
• النقطة الثانية: رغبة روسيا في إعادة تأهيل نظام الأسد دوليًا. وفي هذا السياق، تدرك روسيا أن الحاجة الدولية إلى نظام الأسد ربما انتهت تمامًا، فقد استطاعت الولايات المتحدة، ومن خلفها الحلفاء الأوروبيون، استعادةَ معظم المناطق التي كان يسيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية، وفي مقدمتها مدينة الرقة، من دون التنسيق مع النظام السوري، أو التعاون معه؛ ومن ثمّ فقد استهلكت "ورقة محاربة الإرهاب" التي غالبًا ما كان يتذرّع بها النظام السوري لدعوة الأطراف الغربية إلى الحوار معه، ولم يعد هناك سوى "ورقة اللاجئين"، بوصفها الورقة التي يمكن أن تغيّر الموقف الغربي كليًا من النظام السوري.
وعلى الرغم من أنه لا يمكن استبعاد ارتفاع بعض الأصوات الهامشية الغربية التي قد تنادي بالحوار مع الأسد في المستقبل، باعتبار وجوده في الحكم أمرًا واقعًا، بعد أن تمكّن من استعادة السيطرة على جزء كبير من الأراضي السورية، بالتعاون مع الحليفيْن، الإيراني والروسي،
وعلى الرغم من أن الرئيس ترامب يُبدي تجاوبًا أكبر مع اهتمامات الرئيس الروسي المتعلقة بإعادة اللاجئين والمهجرين، وفقًا لأجندته الدعائية والانتخابية التي تستهدف المهاجرين واللاجئين في الولايات المتحدة وأوروبا، فإن جهات أخرى في الإدارة الأميركية تبدو، في أحسن الأحوال، غير متحمسةٍ للخطة الروسية. وهذا يفسّر الرد الفاتر الذي تلقّاه رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الروسية من نظيره الأميركي على الرسالة التي دعاه فيها إلى المشاركة في عملية إعادة الإعمار في سورية. لقد أشار اقتراح رئيس هيئة الأركان الروسي بواقعيةٍ إلى افتقار النظام السوري إلى المعدّات والوقود والتمويل اللازم لإعادة بناء البلاد، من أجل عودة اللاجئين. فكان الرد الأميركي على لسان المتحدثة باسم وزارة الخارجية أنّ الولايات المتحدة "لن تدعم عودة اللاجئين إلا عندما تكون آمنةً وطوعيةً وكريمة". وواقع الحال أنّ ملايين اللاجئين السوريين لن يختاروا العودة طواعية إلى بيوتهم، لأنه ببساطة لم يعد لديهم بيوتٌ، حتى يعودوا إليها بعد أن دمّر الأسد بيوتهم وقراهم ومدنهم، كما أنهم لا يضمنون، ولا يضمن لهم أحد، سلامتهم الشخصية من الاعتقال والتنكيل، في حالة العودة.
حتى الآن، يبدو الموقف الغربي صلبًا بخصوص إعادة الإعمار وعودة اللاجئين، إذ يجري ربطه ربطًا وثيقًا بموضوع الانتقال السياسي. وفي الحال التي لا يكون فيها انتقال سياسي، لن تساهم الدول الغربية، في ما يبدو، في دفع "أرباح جرائم الحرب" التي اقترفها الأسد ضد شعبه.