هل تنتهي مأساة السوريين عند حدود حلب؟

30 نوفمبر 2016
+ الخط -

 

تشهد حلب هذه الأيام قصفاً جوياً روسياً سورياً عنيفاً مشكلاً أزمة إنسانية جديدة تضم إلى سجل الأزمات الإنسانية الذي امتلأت صفحاته بأخبار العالم العربي ودوله ومدنه ومآسي شعوبه. قصف يقال إنه لكسر شوكة الفصائل المعارضة هناك، بينما تتناقل الأخبار صور النساء والأطفال والشيوخ الذين يموتون تحت أنقاض بيوتهم المتهاوية أصلاً منذ قبيل انهيار الوضع السوري.

وتكاد تكون أخبار مقتل أحد عناصر الحركات المعارضة المتواجدة في مدينة حلب وضواحيها، متشابهة لأخبار مقتل عناصر من جيش الدفاع الإسرائيلي "تساهال" في الأراضي المحتلة في فلسطين.

هذه المعادلة الغريبة بين محاربة "داعش" وغيرها من الفصائل السورية المسلحة ومناظر أشلاء الأطفال السوريين هنا وهناك تثير الريبة والشك، فهل هدف الصواريخ الحربية هو  مقرات الفصائل العسكرية أم الأطفال ومقاعد دراساتهم؟؟

إن المتابع للشأن السوري منذ بدايته، يتبين له أن الضحية الأولى للصراعات الدائرة في الداخل السوري هم السوريون. ويكاد المرء يظن للوهلة الأولى أن كل ما يدور في سورية هو  أمر دبر بليل لتدمير سورية عن بكرة أبيها، وقتل أهلها وتشتيت من بقي من أهلها في أصقاع المعمورة أو تحويلهم لأفراد في دولة جديدة لا يعرف حتى الآن من سيسكنها وكيف سيكون نظام الحكم فيها وما هي حدودها أو على الأقل تقسيماتها الإدارية. فهل ستكون سوريا عراقاً جديداً تقسم فيدرالياً أم لبناناً آخر تحكمها الكانتونات الطائفية؟؟

يبدو السيناريو السوري واضحاً: مدن أو قرى يسيطر عليها فصيل سوري مسلح أو يحتلها "داعش"، تتحول إلى هدف للطائرات الروسية والسورية أو لميليشيات دينية أو حزبية مجاورة، فتصبح خراباً بعد عين ويتحول أهلها إلى شهداء أو لاجئين في الداخل السوري أو في الجوار وصولاً إلى أوروبا وكندا. 

ناهيك عن التغييرات الديمغرافية المريبة التي أدت إلى تفريغ سورية الداخلية من مسيحييها وتهجير فئات واسعة من السكان السنة في المناطق المتاخمة للبنان في ريف دمشق والقلمون وحمص صعوداً حتى حلب. يذكرنا المنظر السوري اليوم بأوروبا إبان الحرب العالمية الأولى التي شهدت إبادات لأقليات متعددة أو تهجيرها وصولاً إلى تبادلها فيما بين الدول ما نتج عنه أزمات تاريخية وثقافية كان آخرها الأزمة اليوغوسلافية في تسعينيات القرن الماضي.

سيناريو الحرب السورية يؤكد جلياً أن حلب لن تكون آخر المعارك السورية، وأن اندحار الفصائل المسلحة منها، سيدفعها نحو مدن جديدة ستتحول إلى ساحات حرب جديدة وتتصدر أخبارها نشرات الأخبار العربية؛ فالغرب أصلا لم يعد مهتما بالشأن السوري، إلا في ما خص شؤون اللاجئين الذين بدأ عددهم بالتضخم في أرجاء القارة العجوز.

لا ننسى أن الأمر ليس مقتصراً على الفصائل المسلحة السورية وإنما يتعداه إلى "داعش"؛ ذلك التنظيم الذي لم يتمكن أحد من سبر أغواره، واكتشاف ماهيته أو طريقة تفكيره الحقيقية. ذلك التنظيم الذي بدأ بوهم ثم تحول إلى كابوس في العراق وسورية، لا سيما وأن محاربته بحد ذاتها تشكل كابوساً أكبر وخطراً أشد على المدنيين السوريين والعراقيين.

الموصل اليوم لا تختلف كثيراً عن حلب؛ هاتان المدينتان اللتان تربطهما الكثير من أواصر العلاقات التاريخية والتجارية منذ قدم التاريخ، يبدو أنهما تتشاركان اليوم ذات المصير وإنما بسيناريو مختلف ظاهرياً متوافق جوهرياً. تفريغ المدينتين اليوم من الجماعات المسلحة المرابطة فيها بطريقة وحشية سيدفع إلى تفريغهما من سكانهما أيضاً ودخول قوات يقال إنها منقذة إليها، ومن يدري كيف سيكون هذا الإنقاذ، فقد يأتي على شكل جماعات جديدة سيغلب عليها التطرف والإرهاب إما لقتل من بقي من السكان أو ترحيلهم إلى مدن أو دول أخرى.

إن وجه الشرق يتغير وعلينا الاعتراف بوجود قوى جديدة سيكون لها شأن وأهمية في الشرق وعلى رأسها إيران، ولن يكون ذلك على حساب السوريين والعراقيين فحسب وإنما سينجر الأمر إلى لبنان وقد يمتد جنوباً إلى اليمن مروراً بدول الخليج العربي التي تعاني البعض منها أزمات داخلية متعددة.

إن وصول دونالد ترامب إلى السلطة لن يساعد على تخطي العقبات التي يعيشها الشرق، لا بل قد يعقدها. يبدو أن ترامب يريد رفع راية العداء لإيران وفي سبيل ذلك سيحارب مصالحها دون أن يتعرض لها في سورية على الأغلب. سيدفعه ذلك الأمر إلى مطالبة دول الخليج العربي أو معظمها بدفع فاتورة باهظة الثمن لمواجهة هذا التحدي مما سيثقل كاهلها بأعباء اقتصادية جديدة، قد تعجز الكثير منها على السداد مما قد يوقعها في أزمات جديدة تضاف إلى أزمات العالم العربي وسجلها الحافل.

المنظر العربي اليوم لا يبشر بالأمل، في الشام والعراق والخليج ومصر والمغرب تعاني الدول ومعها الشعوب من مشاكل سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية متعددة، ويتم الاستفراد بالدول واحدة تلو الأخرى فتفكك وتقسم على مرأى ومسمع العرب قبل غيرهم، دون أن يفكر أحد بالحل، والأمر بديهي فلا حل أصلاً للموضوع، وهو وإن وجد، ليس بيد العرب، وإن استطاعوا اكتشافه فسيبادون قبل استخدامه.

حلب ليست النهاية ومن يدري فقد يكون القادم مخيفاً أكثر...

D594DF08-0A9F-4CB5-ACDE-58F82742143C
علاء معصراني

كاتب لبناني مقيم في كندا، مهتم بشؤون الشرق الأوسط والعالم العربي. حاصل على درجة ماجستير في العلاقات الدولية من جامعة كيبيك في مونتريال، تمحور موضوعها حول النظرية البنائية في العلاقات الدولية واستخدامها كوسيلة للتأثير على سيكولوجية الجماهير ووعيها الجماعي. شغل العديد من الوظائف في مجال التربية والإعلام والعلاقات العامة والدبلوماسية.