ثمة توجّه في الدنمارك إلى منع جنسيّتها عن أبناء المقاتلين الأجانب في سورية والعراق، بالإضافة إلى تسهيل سحبها من المقاتلين، وذلك من خلال تعديل على القوانين المتعلقة بمثل هذه الحالات. في المقابل تبرز أصوات معارضة.
أبناء المقاتلين الأجانب في سورية من دون جنسيّة. هذا ما أصرّت عليه حكومة ائتلاف يمين الوسط في كوبنهاغن في اتفاقها مع حزب الشعب الدنماركي اليميني المتشدد، على الرغم من انتقادات مشرّعين يساريين ومنظمات حقوقية من قبيل المركز الدنماركي لحقوق الإنسان. والتعديلات المقترحة على قانون الجنسية الدنماركية من شأنها أن تسهّل كذلك سحب الجنسية إدارياً من المشاركين في حروب خارجية، من مواطنين من أصول مهاجرة.
بموجب ما اتفق عليه الجانبان، لن يكون بعد اليوم ممكناً، للأطفال الذين ولدوا لأب أو أمّ أو أبوَين دنماركيَّين من المشاركين في نزاعات مسلحة ببلدان حظرت القوانين سفرهم إليها، أن يصيروا دنماركيّين بصورة تلقائية عند الولادة، مثلما هو معمول به اليوم. وفي معرض تبريرها لذلك القرار، قالت وزيرة الهجرة والدمج في الدنمارك إنغا ستويبرغ، في بيان صحافي، إنّ الخطوة الجديدة تأتي رداً على "ما فعله ذوو الأطفال عندما أداروا ظهورهم لبلدهم الدنمارك، فليست ثمّة أسباب ليكون هؤلاء الأطفال دنماركيّين".
على الرغم من أنّ أحد الأطراف المشاركة في السجال يصف ذلك الاتفاق بأنّه تمييزي بحقّ مواطنين من أصول مهاجرة أو من أصحاب الجنسية المزدوجة، فقد أكّدت وزارة الهجرة الدنماركية أنّ التدبير سوف يشمل "كل المواطنين، بغض النظر إذا كان الوالدان حاصلَين على الجنسية الدنماركية أو من أصحاب الجنسية المزدوجة، أو دنماركيين بالأصل". وبموجب التدابير المتوقّع تطبيقها، سوف يصير هؤلاء الأطفال المولودون في خارج البلد، خصوصاً في مناطق سورية أو عراقية، أطفالاً بلا جنسية. وقد خلّف الأمر انتقادات لاذعة من اليسار الدنماركي، فقالت مقرّرة شؤون الجنسية عن حزب اللائحة الموحدة يوهنا شميت نيلسن لـ"العربي الجديد"، إنّ تشديد القوانين يعني "جعل الأطفال يدفعون ثمناً عبر تحويلهم إلى أشخاص بلا جنسية، وهو أمر يخالف تماماً مساعي مؤسسات المجتمع الدولي على مدى أعوام طويلة لإنهاء قضيّة عديمي الجنسية".
من جهته، يقول الباحث في شؤون الهجرة والسياسة الدنماركية جون فيسترغورد لـ"العربي الجديد" إنّ "القضية مضرّة بالتزامات الدنمارك، على الرغم من أنّ المعنيين يحاولون عدم إظهار تناقض في موقفهم تجاه الذين انضمّوا إلى تنظيم إرهابي مثل داعش فاستهدفوا أطفالهم". لكنّ وزارة الهجرة تؤكد أنّ "الدنمارك لا يساهم بخلق عديمي جنسية، فهؤلاء الأطفال في الأساس لم يحصلوا عليها حتى يُقال إنّنا نحوّلهم إلى أشخاص بلا جنسية".
تجدر الإشارة إلى أنّه بموجب اتفاقية عام 1961 لمكافحة انعدام الجنسية، المادة 14 منها، فإنّ "الطفل الذي لم يولد في إقليم الدول المتعاقدة (الموقّعة على المعاهدة والدنمارك منها وملزمة بهذه المادة بحسب القانونيين) لأب أو أمّ من مواطنيها، يجب أن يكسب مواطنة تلك الدولة حتى لا يصير عديم جنسية. والمسألة هنا تقرّر وفقاً للقانون والتشريعات الوطنية لدولة الأب والأمّ. وتقضي الاتفاقية بمنح الطفل الجنسية بالولادة وفقاً لتلك التشريعات، أو إذا تقدّم بنفسه لاحقاً للحصول عليها".
في السياق، يشكك المركز الدنماركي لحقوق الإنسان في قانونية الإجراء المقرّر تطبيقه. وقد صرّحت كبيرة الباحثين في المركز إيفا ارسبول للصحافة المحلية في كوبنهاغن، بأنّ المعاهدة الأوروبية لحقّ الجنسية لعام 1997 حملت في مضامينها واحداً من المبادئ الأساسية الأربعة للأمم المتحدة، في سبيل ترسيخ منع انتشار حالات عديمي الجنسية، وخصوصاً في ما يرتبط بمعاهدة حقوق الطفل التي نصّت على أنه منذ الولادة يحقّ له الحصول على جنسية. وشدّدت على أنه "بحسب اعتقادي، فإنّ تحويل الطفل إلى عديم الجنسية يتناقض مع ذلك المبدأ".
وفي حين تبذل الحكومة وحليفها في اليمين المتشدد جهوداً كبيرة، لتمرير التعديل القانوني قبيل الانتخابات العامة المقررة في يونيو/ حزيران المقبل، فإنّ حزب "اللائحة الموحدة" اليساري وحزب راديكال فيسنترا (يسار وسط) حاسمان بحسب ما تقول نيلسن لـ"العربي الجديد"، حول "عدم السماح بتمريره ومناقشته في الجلسات البرلمانية السابقة للانتخابات. فهذه المحاولة ننظر إليها على أنها محاولة لبثّ دخان انتخابي لجذب مزيد من الناخبين المتشددين". وهو ما تؤكده كذلك لـ"العربي الجديد" مقررة شؤون الجنسية في راديكال فيسنترا، لوتا رود.
من جهة أخرى، يطمح الراغبون في تعديل قانون الجنسية إلى تمرير تعديل يسمح بسحب الجنسية الدنماركية التي يحملها المقاتلون الأجانب من مزدوجي الجنسية تحت بند "تجريد إداري". والمقترح يقضي بإمكانية اتخاذ قرار سحب الجنسية من دون الحاجة إلى عرض القضايا أمام المحاكم، مثلما هي الحال اليوم. ويستشهد مؤيّدو سحب الجنسية إدارياً بما هو مطبّق في هولندا في هذا السياق، بحقّ من شارك في القتال إلى جانب تنظيمات إسلامية متشددة.