حتى نهاية فبراير/ شباط الماضي، كان كبار المستثمرين وأصحاب القرارات المالية والسياسية، يعتقدون أن فيروس كورونا سيكون ذا أثر محدود على الاقتصاد العالمي، وقد تكون تداعياته الكبرى مقتصرة على الاقتصاد الصيني.
لكن مع تفشي الفيروس في أكثر من 150 دولة ووفاة نحو 6000، بدأت نظرة مجتمع الأعمال وأسواق المال تتغير تجاه الفيروس، خاصة بعد أن صنفته منظمة الصحة العالمية يوم الأربعاء الماضي في خانة "الوباء الخطير".
وحتى الآن من غير المعروف ما هي الآثار التي سيتركها تفشي الفيروس على الاقتصاد العالمي، لكن المؤكد أنه يواصل تمزيق الروابط التجارية والانسياب السلس للسلع والبضائع والخدمات بين الدول والقارات. وهي الروابط التي بنتها العولمة خلال عقود من الزمان.
لكن هل سيقضي الفيروس على ما بقي من العولمة ويعيد الدول إلى الانغلاق التجاري والاقتصادي الذي يدعو إليه الرئيس دونالد ترامب والتيارات الشعبوية في أوروبا؟
في هذا الشأن، يرى الخبير الاقتصادي الأستاذ في جامعة "لندن سكول أوف إيكونوميكس"، فيليب ليغرين، أن "أزمة كورونا ستحدّ من العولمة، وستضعف المنطق الذي يستند إليه دعاة الانفتاح الاقتصادي وإزالة الحدود التجارية بين الدول والانسياب الحر للسلع والخدمات الذي كان قائماً بينها".
وفي أولى الخطوات علقت الولايات المتحدة الأربعاء الماضي، جميع الرحلات من أوروبا إلى الولايات المتحدة لمدة 30 يوماً اعتباراً من منتصف ليل الجمعة، لاحتواء انتشار وباء كورونا، كذلك ألغت أوروبا عملياً اتفاقية شينغن القائمة على الحدود المفتوحة بين دول الاتحاد الأوروبي، حينما أغلقت الدول الأوروبية حدودها مع إيطاليا.
ويرى معلقون في موقع "زيرو هيدج"، أنه رغم أن هذه الخطوات التي أتخذت في اوروبا وأميركا قد تكون مؤقتة، ولكنها ستفتح الباب لاتخاذ العديد من الخطوات الحمائية الخاصة بالتجارة والهجرة التي يتزايد أنصارها في العالم.
وتفرض روسيا اعتباراً من ليلة اليوم الاثنين، قيوداً صارمة على رحلات الركاب إلى جميع بلدان الاتحاد الأوروبي وسويسرا والنرويج، تنفيذاً لقرار غرفة العمليات المعنية بمنع انتقال فيروس كورونا إلى البلاد.
ومنذ منتصف يناير/ كانون الثاني بدأ الفيروس "كوفيد 19" بخلق فوضى حقيقية في سلاسل إمداد الصناعات العالمية، حيث تقطعت سلاسل الإمداد الصناعي في العالم بين الدول والقارات، وتوقفت حركة الطيران والسفر، وأغلقت بعض الدول حدودها.
في هذا الصدد، يرى البروفسور ويلي شيه من جامعة هارفرد الأميركية، أن الشركات والصناعات ستعيد التفكير في سلاسل إمداداتها، وستضع في الحساب المخاطر المترتبة عن ذلك، إلى جانب حساب كلفة إنتاج المكونات والمواد الأساسية.
ويشير في هذا الصدد إلى أن أزمة تسونامي التي ضربت اليابان في بداية العقد الحالي، وما تلاها من أزمة التسرب الإشعاعي بمفاعلات فوكوشيما في شمال اليابان، دفعا الشركات الأميركية والأوروبية إلى إعادة النظر في سلاسل إمداد الشرائح الإلكترونية والمعالجات البرمجية التي كان ينتج معظمها في مناطق فوكوشيما وبالقرب من مناطق التسرب الإشاعي. وأشار هونغ إلى أن العديد من هذه الشركات حولت بعض مصانعها إلى تايوان.
أما الخبير في شركة كيرني للاستشارات الأميركية، بير هونغ، فقال في تعليقات نقلتها صحيفة "فاينانشيال تايمز"، إن الشركات، ولفترة طويلة، كانت تختار أماكن عملياتها بناءً على عامل الكلفة الرخيصة فقط.
وأضاف أن تفشي هذا الفيروس في الصين وما تلاه من إغلاق للمصانع وتوقف سلاسل إمدادات المكونات الأساسية للعديد من الصناعات سيقود الشركات إلى حساب المخاطر إلى جانب جدوى كلفة التصنيع، حينما تفكر في بناء مصنع من مصانع سلاسل إمداداتها في المستقبل".
ولاحظت صحيفة "نيويورك تايمز" في تقرير، أن العولمة منذ مجيء الرئيس دونالد ترامب، تواجه صعوبات حقيقية، حيث تضغط إدارة ترامب على الشركات بعودة مقارّ التصنيع في أميركا بدلاً من الصين.
ويعتقد الفريق الذي يدير التجارة والصناعة في إدارة ترامب، أن العولمة أفادت الاقتصاد الصيني على حساب الاقتصاد الأميركي، حيث نقلت إلى الصين التقنية الأميركية، ومهدت لسرقة الملكية الفكرية، كذلك منحت البنوك الأميركية القروض الدولارية التي مهدت لنمو الاقتصاد الصيني بمعدلات فوق 10%، بينما جعلت المواطن الأميركي مستهلكاً للصناعات الصينية، وبالتالي وفرت الأسواق لتمدد المنتجات الصينية.
ويرى البروفسور فيليب ليغري في تحليله بنشرة "فورين بوليسي"، أن " فيروس كوفيد 19" سيدعم التيار المناهض للعولمة في أوروبا وأميركا، وقد يمنحه أسلحة جديدة.