هل تقترب إدلب من عملية تركية روسية؟

01 فبراير 2019
المعارضة المدعومة من تركيا تستعد لأي عملية(بكر القاسم/فرانس برس)
+ الخط -
تتكثف المشاورات والتحركات بين الأطراف المختلفة لحسم مصير شمال غربي سورية، بعدما وسّعت "هيئة تحرير الشام" سيطرتها أخيراً في محافظة إدلب، فيما يشهد الشرق السوري الفصول الأخيرة من المعركة ضد تنظيم "داعش"، وذلك في وقت تلقت فيه جهود الرئيس الأميركي دونالد ترامب للانسحاب من سورية، المزيد من الضربات الداخلية.
ويبدو الحراك التركي الأبرز حول ملف إدلب وتحديداً مصير "هيئة تحرير الشام" فيها، ومع استمرار المشاورات التركية-الروسية لبحث هذا الملف في موسكو، بعد وصول وفد تركي برئاسة وزير الدفاع خلوصي أكار، ورئيس جهاز المخابرات هاكان فيدان، إلى العاصمة الروسية يوم الخميس، كان وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو يكشف عن أن لدى روسيا اقتراحاً لعملية مشتركة لـ"إخراج الإرهابيين" من إدلب.

واتهم جاووش أوغلو، في تصريح لصحيفة "حرييت" التركية، بعض أعضاء التحالف الدولي ضد "داعش"، بدعم "هيئة تحرير الشام" من أجل تعطيل اتفاق سوتشي، وبهدف منع تشكيل اللجنة الدستورية في سورية. وأضاف أن هذه الدول تحرض "تحرير الشام" على انتهاك اتفاق إدلب بتقديم الدعم المالي لها، مؤكداً أن الهيئة لا تستطيع تجنيد المزيد من المقاتلين لأن الحدود التركية السورية تحت سيطرة تركيا. واعتبر الوزير التركي أن علامة الاستفهام الرئيسية في إدلب هي المكان الذي سيذهب إليه متشددو "تحرير الشام" عند مغادرة إدلب، مشيراً إلى أن بلدان المقاتلين الأجانب في الهيئة ليست على استعداد لإعادة استقبالهم.

في سياق آخر، أعلن وزير الخارجية التركي أن روسيا "لا ترفض رفضاً قاطعاً فكرة إقامة منطقة آمنة في شمال سورية، ولكن تفاصيل هذه المنطقة لم تتضح بعد وسيتم بحثها في اجتماع مجموعة عمل مشترك رفيعة المستوى تركية-أميركية تعقد في واشنطن في 5 فبراير الحالي". وأشار إلى أن تركيا ترفض قيام النظام السوري بملء الفراغ في المنطقة التي ستنسحب منها الولايات المتحدة في شرق نهر الفرات، لأن مثل هذا السيناريو قد يشكل تهديداً للأمن القومي لتركيا، فـ"وحدات حماية الشعب" الكردية يمكن أن تتعاون مع أي طرف، بما في ذلك النظام السوري، مشيراً إلى أن الولايات المتحدة تعترض أيضاً على دخول النظام إلى هذه المنطقة، لأن "دخول النظام يعني دخول الإيرانيين من وجهة نظرهم".

وفي السياق نفسه، قال رئيس دائرة الاتصال في الرئاسة التركية فخر الدين ألطون، إن تركيا "ستتخذ بنفسها ما يلزم من إجراءات ضد كل المحاولات الرامية لإنشاء ممر إرهابي في سورية". وأضاف ألطون في تصريح لمجلة "كريتر" أوردته وكالة أنباء "الأناضول"، أن بلاده "تبذل جهوداً سياسية حثيثة من أجل تطهير سورية من التنظيمات الإرهابية، لكنها مستعدة لاستخدام القوة في حال تطلب ذلك الحفاظ على أمنها القومي".

وقال إن "على واشنطن أن تدرك بأن كلفة اتخاذ خطوات رغماً عن أنقرة أكبر من كلفة تلبية تطلعاتنا والتعاون معنا لأن تركيا لا تعدم البدائل في أي مجال"، مشيراً إلى أن تركيا "خسرت قرابة 100 شخص من مواطنيها جراء عمليات إرهابية شهدتها في الأعوام الثلاثة الأخيرة، وخططت لها في شمالي سورية". وأشار إلى أن بعض الدول تميّز بين التنظيمات الإرهابية، على الرغم من أن الإرهاب يشكل خطراً على المجتمع الدولي برمته. وقال "بعض الدول تميز بين تنظيمات إرهابية على أخرى؛ لا بل تقوم بتسليح تلك التنظيمات". وتابع أن تركيا ستتابع عن كثب قرار الانسحاب الأميركي من سورية قائلاً "نرغب بإدارة عملية الانسحاب بالتنسيق والتعاون مع الولايات المتحدة". وشدد ألطون على أن "عمليات التضليل الزاعمة بأن الأكراد سيواجهون عملية تركية بعد الانسحاب الأميركي من سورية، تعد جزءاً من خطة رسم سياسة جديدة للمنطقة". وأردف "هدفنا واضح وهو تجفيف مستنقع الإرهاب على حدودنا... وسنواصل اتخاذ جميع خطواتنا في هذا النهج".


في غضون ذلك، تواصل الجدل في الولايات المتحدة حول قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب الانسحاب من سورية. وتلقت استراتيجية ترامب لسحب القوات الأميركية من سورية وأفغانستان، صفعة أخرى من قِبل مجلس الشيوخ، الذي صوّت بغالبية كبيرة على تعديلٍ ينتقد قرار ترامب سحب القوات الأميركية من سورية. وعبّر هذا التعديل "عن شعور مجلس الشيوخ بأن الولايات المتحدة تُواجه حالياً تهديدات من مجموعات إرهابية تعمل في سورية وأفغانستان، وأن انسحاباً متسرّعاً للولايات المتحدة يُمكن أن يعرّض التقدّم الذي تمّ إحرازه، وكذلك الأمن القومي، للخطر". وجاء التصويت بغالبيّة كبيرة من أعضاء مجلس الشيوخ (68 مقابل 23)، وبالتالي ينبغي الآن طرح هذا التعديل على التصويت النهائي في الأيام المقبلة. هذا التعديل كان قد قدّمه زعيم الأغلبية الجمهورية ميتش ماكونيل، وهو غير ملزم، ولكن يسلط الضوء على عدم توافق الجمهوريين في الكونغرس مع قرار ترامب، بحسب وسائل إعلام أميركية. وقالت صحيفة "نيويورك تايمز" إن التصويت يضمن إضافة التعديل إلى مشروع قانون أوسع حول سياسة واشنطن تجاه الشرق الأوسط، من المقرر أن يصوّت عليه مجلس الشيوخ في الأيام المقبلة.

لكن ترامب لم يتأخر للرد أمس عبر "تويتر"، قائلاً إنه ورث فوضى عارمة في سورية وأفغانستان، "الحروب التي لا نهاية لها، من إنفاق غير محدود وموت"، موضحاً أنه خلال حملته الانتخابية قال إنه يجب أن تنتهي هذه الحروب في نهاية المطاف. وأضاف: "سورية كانت مليئة بداعش حتى وصلت، بينما قريباً سنكون قد دمرنا 100 في المائة من دولة الخلافة، لكننا سنبقى نراقب الوضع عن كثب"، خاتماً بالقول "حان الوقت للبدء بالعودة إلى الوطن".

يأتي ذلك بعدما كانت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية، كشفت أن الولايات المتحدة عرضت على حلفائها مقترحاً جديداً يتضمن تشكيل ائتلاف من الدول الغربية لإنشاء منطقة عازلة شمالي سورية، مع وعود بتقديم مساعدات عسكرية أميركية. ونقلت الصحيفة عن مسؤولين في البيت الأبيض قولهم إن إدارة ترامب حاولت إقناع حلفاء من بينهم بريطانيا وفرنسا وأستراليا، "بتحمل المسؤولية في شمالي سورية، لمعالجة المخاوف التركية من الأحزاب الكردية، مع الإبقاء على القوات التركية بعيداً عن المقاتلين الأكراد". وكان الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، رفض في وقت سابق سيطرة أي جهة على المنطقة الآمنة المقرر إنشاؤها في شمالي سورية غير تركيا. وبحسب الصحيفة، رفض المسؤولون الأميركيون في وزارتي الخارجية والدفاع التعليق على هذا المقترح، وقال وزير الدفاع، بات شاناهان، إن "واشنطن تتحدث مع عدد من العواصم بشأن دعم شمالي سورية".

وفي موقف لافت، أعلنت رئيسة الهيئة التنفيذية لـ"مجلس سورية الديمقراطية"، التابع لـ"قوات سورية الديمقراطية"، إلهام أحمد، أمس الجمعة أنهم مستعدون لعقد مباحثات مع تركيا. ونقلت وسائل إعلام كردية عن أحمد التي تزور الولايات المتحدة على رأس وفد كردي قولها خلال ندوة في مركز الشرق الأوسط للأبحاث في واشنطن أنه "من الضروري إنهاء الصراع بيننا وبين تركيا"، مضيفة "نحن لسنا طرفاً في الصراع الدائر في تركيا". وتعد هذه المرة الأولى التي يدعو فيها مسؤول بارز في "مجلس سورية الديمقراطية" لعقد مباحثات مع الجانب التركي.

ميدانياً، ذكرت مواقع محلية أن طيران التحالف الدولي شن فجر أمس الجمعة عدة غارات جوية استهدفت قريتي السفافنة والعرقوب وأطراف بلدة الباغوز شرقي دير الزور، ما أدى إلى مقتل امرأة وإصابة آخرين بجروح. وكان طيران التحالف ارتكب مجزرة قبل أيام في بلدة الباغوز أيضاً، عندما استهدف تجمعاً للمدنيين النازحين من البلدة، ما أدى إلى مقتل ثمانية مدنيين من عائلة واحدة. وتفيد تقديرات بأن "داعش" بات ينحصر في مساحة تقدر بكيلومترين مربعين قرب بلدة الباغوز على الحدود السورية العراقية، في وقت سلّم فيه عشرات العناصر والقادة من التنظيم أنفسهم إلى "قسد" خلال الأيام الماضية.

المساهمون