كنت وما زلت أتحرى العدل بين أبنائي الثلاثة ظنا مني أن العدل سيشعرهم بأمانتي وعدلي في المساواة في ما بينهم، ولكني في كل مرة أعدل بينهم في المشتريات أو الحلويات أو حتى بردود أفعالي، يقفز في وجهي سؤالهم المستفز "لماذا؟"، ويتبعه وابل من اللوم والعتب عن لماذا أحضرت الحلوى الفلانية لأخيه دونه؟ لماذا سمحتِ لأخي باللعب في وقت الاستراحة أكثر مني؟ لماذا أنام مبكرا عن أخي؟ لماذا حضنتِ أخي حينما أتى إليك باكيا.. إلخ.
كلها أسئلة تثير بداخلي الغضب المحتقن، إذ كيف أقنع كل طفل من الثلاثة أني أحمّل نفسي جهدا قاتلا في تحري المساواة بينهم وأن كمال العدل لله وحده، فكيف أقنعهم بأن الغيرة بينهم لا محل لها لأن كل موقف له معطياته ومخرجاته؟ وجدت أني ظلمت نفسي كثيرا حين أحملها تحري العدل بينهم وأنا على يقين من أني أميل للابنة الصغرى أكثر من إخوتها بحكم سنها الصغير.
راجعت نفسي ووجدت أن قلقي من غيرتهم من بعضهم ليس له أي داع، بل عليّ توقعه والاستعداد له دوما، لأن الغيرة ببساطة لن تنتهي بل ربما تزيد مع نموهم وزيادة احتياجاتهم.
قررت أن لا أخفي قلقي ومشاعري عنهم، وأن تصرفاتي معهم لا بد أن تكون مبررة، خاصة لو كان الموقف انفعاليا. وقررت أن أحتفظ بعدلي لنفسي وأن أذكرها دوما بأن كل طفل من أبنائي يتميز عن إخوته بميزة مختلفة.
تحدثت مع أبنائي عن أن لكل منهم موهبة تميزه عن إخوته قبل أقرانه، وأن ميلي للابنة الصغرى ميل طبيعي وفطري لأنها الابنة الوحيدة وأن علي احتواءها وإشعارها بالحنان والمشاركة وإلا ستنمو دون أن تسد احتياجاتها مني. أخبرتهم أن كلا منهم أخذ حقه من والديه في صغره ومن الظلم أن تدفعنا الغيرة لحرمان الصغيرة مما حصلوا عليه.
ووعدتهم بأن لا أفضل أحدهم على الآخر – وإن فعلت – فعليهم أن يراجعوني وعليَّ أن أعتذر.
قررت أن أساوي بينهم في الواجبات والحقوق والاحتياجات قدرالإمكان حتى لا أدع مجالا للمقارنة والمنافسة في ما بينهم.
أخبرتهم بأن الغيرة قد تكون سببا في تعطيل نضجهم وانشغالهم بموضوعات سطحية تشوش على تركيزهم الدراسي أو الرياضي.
اعترفت لهم بفشلي أحيانا في السيطرة على غضبي حيال بعض تصرفاتهم وأن غضبي هذا لا يعني مطلقا كرهي لهم وإنما هو شعور طبيعي مؤقت ولن يؤثر على حبي لهم.
تفهم مشاعرهم وما وراءها يلين القلوب بالفعل، بل ويجعلها أكثر تسامحا وتقبلا لتصرفاتهم، فالطفل الأوسط مثلا يسعى جاهدا للتنافس مع أخيه الأكبر، وفي الوقت ذاته يفتعل المشاكل مع أخته الصغرى، ما يظهره دوما صانعا للمشاكل، والحقيقة أنه يبحث لنفسه عن مكان بين إخوته، فهو ليس بالكبير الذي يعتمد عليه كأخيه الأكبر وليس بالصغير الذي يحتاج للمساعدة أحيانا كأخته الصغرى.
الإثابة والتشجيع على سلوكياتهم الجيدة تتضمن معاني عميقة بداخلهم، أبسطها "أني أراك"، وهذا يعزز احتياجه للأمان وبأنه موجود وله مكانه المحفوظ بقلبي.
أعطيتهم تعليمات صارمة أن التعبير عن مشاعرهم بالصراخ أو بالأذى الجسدي لن يحل المشكلة بل يزيدها تعقيدا، فكلما كان التعبير بالكلام كلما اتسم صاحبه بالنضج والتفهم.
جنبت نفسي أي مشكلة أتدخل فيها في ما بينهم وتركت لهم مساحة للتفاهم مع بعضهم البعض حتى لا أتحيز لطرف منهم، ومنعت نفسي عن التدخل إلا في حالة الأذى النفسي والجسدي.
أكدت لنفسي ولهم أني لا يمكن أن أقارنهم في ما بينهم لأن لكل منهم عمرا وشخصية واحتياجات وطرقا للتعبير مختلفة عن غيره فلا مجال للمقارنة إذن.