ويتحدث مسؤولون ومراقبون عراقيون، في بغداد، عن وجود مصلحة لدى أطراف داخلية وخارجية عدة، لبقاء ورقة التنظيم الإرهابي فاعلةً في العراق، وعدم احتراقها بشكل كامل، أو تحولها إلى تهديد ثانوي، بدلاً من التهديد الرئيسي التي كانت عليه.
وخلال الأسبوعين الماضيين، صدرت تصريحات وبيانات عن قيادات وزعامات مسلحة ضمن "الحشد الشعبي"، غالبيتها لفصائل على صلة بإيران، تحذر مما تسميه "عودة داعش"، وتنفيذه هجمات نوعية وكبيرة تصل إلى حدّ السيطرة على بلدات عراقية، كان آخرها بيانٌ للنائب حسن سالم، وهو قيادي أيضاً بمليشيا "عصائب أهل الحق"، التي يتزعمها قيس الخزعلي. وقال سالم إن "هناك قوة من 2500 إلى ثلاثة آلاف مقاتل من داعش مدربة ومجهزة بأحدث السلاح والعتاد، وتتحضر للهجوم، وهي موجودة في وادي حوران، غربي العراق"، محملاً الحكومة العراقية "مسؤولية اتخاذ القرار المناسب بشأن هذا الخطر". بدوره، اعتبر القيادي في "الحشد"، علي البياتي، أن تنظيم "داعش" يتحين الفرص للانقضاض مرة أخرى وتنفيذ الهجمات، وأن الحديث عن انتهاء قوته الفعلية غير صحيح.
وعلى الرغم من نفي السلطات العراقية لهذه التقارير والتصريحات عبر بيانات لوزارة الدفاع وجهاز مكافحة الإرهاب، إلا أن التهويل من خطر التنظيم يؤتي ثماره، خصوصاً داخل المناطق العراقية المحررة، شمال وغربي البلاد.
وردت قيادة العمليات العراقية المشتركة على التحذيرات من خطر عودة "داعش" وتجمعه في صحراء الأنبار بأعداد كبيرة، واصفة إياها بـ"الكاذبة". وفي بيانٍ اعتبر شديد اللهجة، قال المتحدث باسم خلية الإعلام الأمني العراقية، العميد يحيى رسول، إن المعلومات المتداولة "غير دقيقة وغير صحيحة، الغاية منها إرباك الرأي العام والمواطن العراقي". وأكد أن "القوات العراقية تعمل على إخضاع جميع المدن للمتابعة الدقيقة بالطائرات والعمليات البرية".
بدوره، اعتبر جهاز مكافحة الإرهاب العراقي التقارير والتصريحات التي تتحدث عن إمكانية عودة "داعش" كعامل خطر، "مبالغاً جداً فيها"، مشدداً في بيان على "الحاجة إلى أن تكون لنا برامج نفسية مطمئنة للمواطن من جهة، وتستهدف الإرهابيين وداعميهم من جهة أخرى". كما أكد أنه "لم يتبق للتنظيم الإرهابي في العراق سوى خلايا، ولدينا جهد استخباري حول العدو وإمكانياته، والذي هو عبارة عن مفارز قليلة لا تتعدى خمسة إلى ثمانية أشخاص في مضافات متفرقة".
وتعليقاً على ذلك، رأى نائبٌ بارز في البرلمان العراقي أن هناك مصلحةً ببقاء "عكاز داعش في العراق" لدى أطراف كثيرة، داخلية وخارجية، منها المليشيات، وواشنطن، وحتى الحكومة العراقية، التي تواجه اتهاماتٍ بفشل وعودها في تنفيذ إصلاحات وخدمات للمواطنين.
وأكد المصدر أن "عملية تضخيم خطر داعش (بعد القضاء عليه في العراق) ليست جديدة، بل بدأت بعد أشهر قليلة من انتهاء عملية تحرير الموصل، والسبب وراءها أن أهالي المدن المحررة بدأوا يطالبون منذ ذلك الحين بانسحاب مليشيات الحشد من الأحياء السكنية بعدما قاموا بعمليات ابتزاز وارتكبوا انتهاكات وتعاملوا بسوء مع المواطنين، وكذلك القوات الأميركية التي وجدت في بقاء ورقة داعش غطاءً لتبرير وجودها في العراق، بعد تصاعد دعوات قوى سياسية لجدولة انسحابها من البلاد بأسرع وقت ممكن".
واعتبر النائب العراقي أن الحكومة بدورها "صارت تمسك بالعمليات الإرهابية والهموم الأمنية كذريعةٍ لتبريرإخفاقاتها الخدماتية، والتي حصلت بالرغم من الموازنة الهائلة لهذا العام، والتي بلغت 114 مليار دولار، وأمِل العراقيون فيها خيراً".
وكشف عن أن تقريراً مشتركاً لجهاز الاستخبارات العراقي ووزارة الدفاع العراقية، أكد أن تنظيم "داعش" يعيش حالياً أسوأ حالاته، ولم يعد قادراً على تنفيذ عمليات مهمة، ولا حتى السيطرة على قرية نائية في أقصى غرب الموصل، "وهو اليوم (أي التنظيم)، عبارة عن خلايا وجيوب يمكنها شنّ هجمات، لكن ليس بالمستوى الذي تعجز قوات الأمن عن التصدي له، كما لا يمكن لها أن تكون مؤثرة بشكل كبير".
من جهته، أكد العقيد الركن أحمد الموسوي، من قيادة عمليات نينوى العسكرية، لـ"العربي الجديد"، قدرة القوات العراقية النظامية على "سحق أي تحرك مسلح على الأرض خلال 20 دقيقة بالطيران أو بقوات برية". وأوضح أن جميع هجمات "داعش" تتم عبر أسلوب "اضرب واهرب"، وهي مفارز من أربعة الى ثمانية مسلحين تختبئ في مناطق ذات تضاريس صعبة، وعلى الرغم من ذلك، فإن "الانتشار الحالي للقوات العراقية كفيلٌ بالوصول إلى أي نقطة بسرعة كبيرة". وحول تضخيم خطر التنظيم، اعتبر الموسوي أنه يحصل على حساب المواطن، فالأخير هو الوحيد الذي يتأثر من مثل هذه الأخبار، متحدثاً عن "وجود جهات منتفعة من عودة داعش، كما كانت منتفعة من وجوده في السابق".
وتعقيباً على ذلك، رأى الخبير الأمني سلام العبيدي أن إعادة إنتاج "داعش"، ولو إعلامياً، على الرغم من تأكيد القوات العراقية قدرتها على الإمساك بالأوضاع على الأرض، وزيف التقارير التي تضخم من دور التنظيم، تستوجب تعاطياً حكومياً أكثر جدية، من خلال التشديد على ضرورة عدم استخدام الملف الأمني في أي مصالح سياسية أخرى. وأوضح العبيدي أن "داعش" يتركز في جيوب وخلايا بمناطق جبلية في مخمور وزمار وحوران، شمال العراق، وأقصى صحراء الأنبار، غربي العراق، وهي مناطق محصورة ومعزولة، وأن هؤلاء في أقصى حالاتهم لن يتجاوز عددهم بضع مئات، ما يجعلهم أقل من أن يشكلوا خطراً رئيساً على البلاد.
وذكّر الخبير الأمني بأن الهجمات الإرهابية لم تتجاوز منذ بداية الشهر الحالي في كل العراق التسع عمليات، بينها ثلاث حصلت بعبوات ناسفة في غرب نينوى، وأخرى في جنوب غرب كركوك وصلاح الدين، وهو أدنى معدل لها يشهده العراق منذ سنوات طويلة، كما أن عدد الضحايا الذين سقطوا بفعلها هو الأقل منذ عام 2014، لذا يجدر الاعتراف بوجود التنظيم واستمرار قدرته على شن هجمات محدودة، لكن القوات العراقية قادرة على التعامل معه، معتبراً أن تضخيم قدرات التنظيم الإرهابي "مرجعه سياسي لا أمني".