هل تصلح اللهجة الشاميّة للغناء؟

21 مايو 2016
أصالة نصري (Getty)
+ الخط -
لايزال مصطلح "الأغاني الشامية" حتى اليوم مقتصراً على أغاني التراث الدمشقي التي تعود تاريخياً للقرن التاسع عشر، والسبب في ذلك يعود إلى غياب اللهجة الشامية عن الساحة الغنائية العربية، حتى إن الموروث الغنائي الدمشقي قلما جرت محاولات لإحيائه، فلم يتبنى المغنون الدمشقيون ثقافتهم أو حتى لهجتهم، وتركوا مهمة إحياء الموروث الثقافي لمسلسلات البيئة الشامية، التي احتوت مشاهد طويلة لنساء يؤدين الأغاني الدمشقية في "البراني"، في حين تقتصر أغاني الرجال، حتى في مسلسلات البيئة الشامية، على "العراضة"، التي لاتزال ركناً أساسياً من أركان العرس الشامي.
وغياب اللهجة الشاميّة عن الساحة الغنائيّة العربيَّة، لا يعني أبداً امتناع الشوام أو الدمشقيين عن ممارسة مهنة الغناء، إلا أن البيئة الشامية المحافظة، والتي يغلب عليها التدين، ونظرة الشوام لهذه المهنة، لعبا دوراً سلبياً في مسار تطور هذه المهنة في دمشق. ففي فترة الحكم العثماني، كانت مصر وحلب تشكلان المراكز الفنية في المنطقة العربية، وهاجر العديد من أهالي دمشق لامتهان هذه المهنة إلى مصر، وكذلك لجأ نجوم الغناء العربي ذوو الأصول الشامية في القرن العشرين إلى اللهجة المصرية، وباقي اللهجات العربية. فعلى سبيل المثال، غنت أصالة باللهجة المصرية، وكذلك باللهجة الخليجية، ولم تغنِّ بلهجتها الشامية سوى القليل من الأغاني في بدايتها، مثل أغنية "يا خالي"، ولكن، لا يقارن ذلك، بالعدد الكبير الذي غنته باللهجات اللبنانية والمصرية والخليجيّة. فاللهجة الشامية لم تكن حاضرة إلا في أغاني المسرحيات والدراما في القرن الماضي، مثل أغنية "فطومة" لدريد لحام، واقتصرت منذ التسعينيات على شارات المسلسلات، وبعض المغنين وفرق "الآندر غراوند"، مثل ميادة بسيليس، وفرقة "جين"، وفرقة "كلنا سوا"، وجميع هذه التجارب لم يكتب لها الاستمرار أو النجاح، إذا ما قورنت بأغاني الدمشقيين باللهجات المصرية واللبنانية، ولم تستطع أن تشكل ثقافة شعبية، وإنما حلت مكانها السيدة فيروز اللبنانية، وأم كلثوم المصرية.




وعلى ما يبدو فإن الأمر مستمر، ولا نستطيع اليوم أن نجد تجارب غنائية شابة لمغنين من دمشق يتمسكون بلهجتهم. ويحاول المغني الشامي الشاب، غيث جاويش، أن يفسر لنا السبب قائلاً: "المشكلة ليست باللهجة الشامية، فهي تصلح للغناء مثلها مثل أي لهجة أخرى، ولكن هل هناك من يدعم هذه اللهجة؟ المنتجون جميعاً يتجهون نحو الدارج، والدارج في دمشق اليوم هو اللون الساحلي واللون اللبناني، ولذلك أغني بهذه اللهجات". ويضيف أيضاً وهو يحاول أن يبرر توجهه: "أنا حاولت في أغانيّ أن أدمج بين اللهجة الساحلية واللهجة الشامية، فأغانيّ لا هي شامية ولا هي ساحلية، بل هي سورية، ومع ذلك فأنا مستعد لأن أغني أغاني باللهجة الشامية، إذا ما وجدت الكلام المناسب، وحصلت على الإنتاج والدعم الكافي".
فالمشكلة ليست بالمغنين القدامى أو الجدد، وإنما المشكلة تعود بالأصل لطبيعة المجتمع الشامي. فمن ناحية، يرى الناس أن الأغاني لا تناسب مجتمعهم المحافظ، ولذلك لا تحظى الأغاني الشامية يالدعم الشعبي. ومن ناحية أخرى، فإن المثقفين في دمشق ووزارة الثقافة يهتمون بدعم أنماط معينة من الفنون، والأغنية الشعبية لا تدخل ضمنها، ليتيحوا المجال أمام باقي اللهجات العربية، لتغزو صوت المغني الدمشقي.




المساهمون